الانسحاب الامريكي من اليونسكو: مصلحة إسرائيلية أكثر منها أمريكية
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

أعلمت إدارة ترامب في الـ 22 من شهرتموز 2025 الامين العام لمنظمة اليونسكو التي تعرف ب– منظمة الامم المتحدة للتعليم، للعلوم وللثقافة – قرار إنسحابها من هذا المحفل الحيوي العالمي عازية السبب إلى انه يلبي المصلحة الامريكية اولا. برغم ذلك يبقى التساؤل المشروع: هل بالفعل قرار الانسحاب الامريكي يتسق مع المصلحة الامريكية اولا ام أنه قرار يندرج ضمن قرارات امريكية سابقة دارت في فلك مستقبل القضية الفلسطينية أي تارة مع الانسحاب وأخرى مع العودة لاستلام مقعدها الشاغر قرار تتمحور حلقاته في إطار مصلحة اسرائيلية بحتة كما سنرى في هذا المقال؟؟

من هنا أهمية الاطلاع اولا على طبيعة ملف قرارات الانسحاب ومن ثم العودة عنه كنتيجة لمتغيرات دولية او اقليمية او داخلية امريكية ناجمة في الغالب عن تأثيرات اللوبي الصهيوني المعروف "إيباك" تندرج اساسا في إطار بلورة سياق أخذ شكل إحتجاجات متعاقبة من قبل الادارات الامريكية الديمقراطية والجمهورية على دور المنظمة الاممية التابعة للامم المتحدة - اليونسكو- المتعارض مع المصلحة الاسرائيلية أكثر منها الامريكية تجاه الاعلاء من بشأن القضية الفلسطينية التي لاقت وتلاقي قبولا كبيرا متصاعدا في اوساط المجتمع الدولي بضرورة الاعتراف بفلسطين دولة حرة مستقلة. اللهم إلا في حالة واحدة ترتبط بإنسحاب إدارة رونالد ريغان من منظمة اليونسكو حيث عزي السبب حينها لكون إدارة المنظمة بأنها كما وصفت "سيئة " لإنها عارضت ايدولوجيا الموقف الامريكي من الاتحاد السوفياتي السابق في ظل ظرف الحرب الباردة. لذا عندما تغير مثل هذا الموقف السلبي وفقا لوجهة النظر الامريكية عقب سقوط الاتحاد السوفياتي طلبت الولايات المتحدة الامريكية العودة للمنظمة في عام 2003 وقد تحقق لها بالفعل لفترة قصيرة شرعت عقبها في ظل إدارة ترامب بالانسحاب في عام 2017 بعد قبول فلسطين كدولة عضو. ترتيبا على مسار قصة ملتوية تارة بالانسحاب ومن ثم العودة للمنظمة مرة اخرى شهدنا مثلا عودة أخرى للادارة الامريكية للمنظمة في عام 2023 في ظل إدارة جو بايدن لتعود أخيرا لتنسحب مجددا في تموز 2025 في ظل إدارة ترامب الثانية.

السؤال المنطقي: لماذا كل هذا الجهد انسحاب وعودة وهكذا دواليك رغم كون الولايات المتحدة الامريكية من الاعضاء المؤسسين للامم المتحدة ولليونسكو وللعديد من الوكالات والمنظمات المتخصصة التابعة للامم المتحدة؟. الجواب المنطقي الواضح من سياق تتابع الاحداث أن الامر مرتبط اساسا بالانحياز الكلي لاسرائيل التي تعتبر في نظرالادارات الامريكية المتعاقبة الولاية الواحدة والخمسين حليفا استراتيجيا لا يفوقه أي حليف للولايات المتحدة الامريكية في المنطقة بضمنها منظومة دول مجلس التعاون الخليجي بضمنها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. لاشك أن عملية الانسحاب تعني الوصول لمرحلة حرجة تحمل آثارا وتداعيات سلبية على برامج ومشروعات حماية ورعاية وتنمية التراث العالمي كنتيجة لتوقف تمويل الولايات المتحدة الامريكية لليونسكو. ترتيبا على ذلك يمكننا ملاحظة السلبيات الناجمة ايضا عن أي عملية إنسحاب من قبل الادارات الامريكية المتعاقبة خاصة تلك التي تنجز في ظل مشروعات التنمية الانسانية المستدامة او تلك التي تختص بحقوق الانسان وحرياته الاساسية مثل مجلس حقوق الانسان الذي انسحبت منه ايضا. علما من المنظور العالمي تحظى منظمة اليونسكو بقبول وإهتمام خاص من كافة دول العالم تقريبا كونها المنظمة الاساسية التي ترعى وتحمي شؤون وتراث العالم الثقافي - الحضاري حيث تشاطر وهذا مهم جدا الامم المتحدة في مثلها وأهدافها إقامة السلام والامن والعدالة والاهتمام الشديد ومتابعة حقوق وحريات الانسان الجوهرية. هذا ومن المنظور الاقتصادي للامم المتحدة في إطار صلته بالبعد الثقافي والحضاري يفترض أن تستمر الولايات المتحدة الامريكية كونها القوة الاعظم بدورها الستراتيجي والاقتصادي الفريد في إنعاش الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية بل وترتقي بها كي تؤسس لحياة ثقافية وحضارية مستدامة تلبي الاحتياجات الانسانية بمفهومها الشامل خاصة وأن عدد أعضاء اليونسكو وصل إلى 195 عضو ينتمون لإصول ثقافية تتميز بالتنوع حماية للطيف الاجتماعي من تقلبات الدهر او من التاثيرات البيئية الخطيرة للتغير المناخي على وجه الخصوص.

لعل من المناسب الاشارة إلى انه في مرحلة جورج بوش الابن الذي أعاد بلاده لعضوية اليونسكو شعر العالم بأن الولايات المتحدة الامريكية ربما ستتخلى عن تحيزاتها ضد اسرائيل والغرب إلا أنها عودة لم تدم طويلا إذ ومرة اخرى وهنا المفارقة سارت إدارة باراك اوباما -التي شجعت التواصل الحضاري منذ بدء تأسيسها - على نهج الادارة الجمهورية السابقة لبوش الابن حيث إتخذ قرارا بإيقاف دعم إدارته المالي للمنظمة الاممية الثقافية - الحضارية في نهجها ومشاريعها إحتجاجا على منح فلسطين العضوية الكاملة في اليونسكو. عللت ممثلة باراك اوباما في الامم المتحدة سوزان رايس ايقاف التمويل المالي الذي قدر ب 60 مليون دولار امريكي على أنه: " سيضر بالمنظمة بشدة ولا يمكن أن يكون بديلا لمباحثات السلام مع اسرائيل ". علما أن فلسطين اضحت العضو رقم 195 في 31/ 10/ 2011 حيث رفع علم فلسطين على مقر اليونسكو في إحتفال لافت. جدير بالذكر أن اوباما في ظل حرب الابادة الاسرائيلية في غزة غير موقفه معترفا بإن فلسطين سيعترف بها دولة مستقلة (إن أجلا ام عاجلا). الشيء المؤسف بل والمحزن أن الانسحاب الامريكي من اليونسكو أدى إلى أزمة انسانية - حضارية كبرى داخل المنظمة خاصة بالنسبة لإنعكاساتها سلبا على تنفيذ مشاريع حضارية انسانية متنوعة كبرى بضمنها في منطقتنا، إذ شهدت انقطاعا ماليا بنسبة 22% من موازنة المنظمة من 653 مليون دولار إلى 507 مليون دولار. اقر بإن ليس لدي رقم نهائي عن طبيعة وارقام التكاليف التي ستنتج عن الانسحاب الامريكي الاخير ولا أخالها بسيطة او ميسورة؟. علما بإن البلغارية السيدة ايرينا يوكوفا وعقب انتخابها على رأس المنظمة تمكنت بجهد مبدع مثير للاهتمام جمع ما يقارب 75 مليون دولار لمواجهة الازمة مؤقتا. برغم ذلك تشيرالانباء ان واشنطن ابقت على بعض المشروعات التي تهم مصالحها نسبيا في مقابل خسارة حقها في التصويت في الجمعية العامة للمنظمة مع استمرار احتفاظها بصوت في المجلس التنفيذي للمنظمة. علما إن قانون المنظمة ينص على الحرمان التلقائي من حق التصويت لإي دولة لاتدفع التزاماتها المالية المقررة سنويا. جدير بالذكر أن مجلة فورين افيرز ارجعت في تقرير نشر لها سبب الانسحاب الامريكي إلى إجراء خفض في الموازنة الامريكية السنوية خاصة وأن المستحقات غير المدفوعة لواشنطن من بعض دول العالم بلغت ما يقارب 500 مليون دولار. برغم هذه التطور السلبي جدا إلا ان الولايات المتحدة الامريكية اقرت بإنها ستبقي وجودها كدولة عضو مراقب Observer status، هذا ما اشارت إليه الناطقة بإسم الخارجية الامريكية هيذر نويرت. أن الانسحاب الامريكي من اليونسكو عد خسارة ليست فقط مالية ولكن ايضا للتعددية العالمية كما اشارت المديرة العامة لليونسكو. إن تقصي السبب في قديري المتواضع ليس ماليا بحتا بل يتعلق اساسا برغبة ادارة ترامب موائمة مواقفها مع سياسة نتنياهو العنصرية القائمة على الفصل العنصري والتطهير العرقي والهيمنة الاستعمارية التي يطبقها بشدة يوميا وبشكل مرعب ومخيف للمجتمع الدولي بأسره الذي لازالت ردود افعاله لا ترتقي لإيقاف مجازر غزة بالطبع بإستثناء مواقف كلا من الادارة من امريكا واسرائيل حيث لا يريان او يتغافلان عن واقع المجاعة المميت أوالقتل الجماعي في ظل ديمومة جرائم الابادة والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية إللهم إلا ربما بحدود لا تتجاوز خرم ابرة، وهو امر عكسته تصريحات عددا من المسؤولين في دولة الكيان الصهيوني وفي الولايات المتحدة برغم الضجة الشعبية العالمية المساندة للحق الفلسطيني التي تنعكس كل نهاية اسبوع في تظاهرات واعتصامات لافتة ضد الاعتداءات الصهيونية في غزة وفي الضفة الغربية.

اخيرا، نرى أن قرار الادارة الامريكية يتسق دوما مع الموقف الاسرائيلي الذي وجد ان قرارات اليونسكو في عام 2016 تتعارض مع المصلحة الصهيونية وذلك في إدراج البلدة القديمة في القدس المحتلة واسوارها ضمن المواقع المعرضة للخطر في العالم بسبب أعمال التدمير المنهجي للتراث الاسلامي بخاصة. علما بإن اليونسكو لم تجد ارتباطا دينيا بين حائط البراق (عند المسلمين) والمبكى (عند اليهود) بل أن التراث الموجود عدته منظمة اليونسكو تراثا إسلاميا خالصا.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 02-09-2025     عدد القراء :  51       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced