الانتماء شكلاً ومضموناً
بقلم : د. صادق إطيمش
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ماذا يعني الانتماء شكلا ومضموناً إذا ارتبط بدين او بمذهب ما، او بقومية ما، او بوطن او مساحة جغرافية ما، او بكل ما تفرزه مفردة الانتماء هذه عما يربط المنتمي فكرياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً بما ينتمي اليه؟

التوسع في مفهوم أطروحة الانتماء هذه يفرض علينا بعض المعطيات التي تقودنا إلى كثير من التوجهات الفلسفية والفكرية التي تتشعب فيها الحوارات التي قد لا تفضي إلى نتائج ثابتة يمكن للمتحاورين تقديمها للجماهير على انها مرتكزات فكرية يمكن الانطلاق منها لتفسير الواقع المعاش.

وعلى هذا الأساس أرغب في هذا المجال حصر النقاش على أطروحة الانتماء الوطني الذي تشكل، اليوم بالذات، واحدة من الأطروحات التي تمس جوهر وجودنا في وطننا العراق الذي يشكل لدى من يرجعون اليه في كل ما هم عليه، المرجعية التي لا توازيها سوى المرجعية للإنسانية ولمجتمع الفصيل البشري المتميز بالعقل باعتباره بوصلة الحياة.

فهل المرجعية الوطنية تعني مجرد التواجد على أرض الوطن ولادةً ومواصلة الحياة عملاً واجتماعياً بكل ما تفرضه ظروف الحياة على هذه البقعة من الأرض؟ الجواب على هذا السؤال سيكون، من وجهة نظري على الأقل بلا، ولا كبيرة جداً، حيث عاش ويعيش على أرض العراق، خاصة في عراق ما بعد 2003 وبعد سقوط دكتاتورية البعثفاشية المقيتة وتولي خلفاؤها من عصابات الإسلام السياسي وحلفاؤها من القوميات العنصرية وحاملي الفكر الخرافي المتخلف، مَن تولوا مهام إدارة وطن له خلفية حضارية تجاوزت الآلاف من السنين إلا انهم يتنكرون لهذا الوطن الذي يعيشون فيه وهذا ما يؤكد هذه اللا التي عبر عنها كثيرون من المنتمين إلى هذا الوطن شكلاً إلا انهم بعيدون عنه مضموناً من خلال ارتباطاتهم خارج حدوده الجغرافية.

وإذا ما اعتبرنا المرجعية الوطنية تعني الشكر والولاء للأرض التي أطعمت وآوت واعطت كل او اغلب ما يساعد على تواصل الحياة في مجتمع يسوده الإخاء والقيَّم المتوارثة في نشر السلام الاجتماعي، تتجلى أمامنا هنا كافة الجرائم التي يرتكبها المتسلطون على زمام وطننا العراق، وما نهبوه لحد الآن من أموال اهل هذا الوطن وبكل ما تدره ارضه وسماؤه من خيرات شرعنوا سرقتها بفتاواهم الشيطانية واساليبهم الماكرة التي شكلت التجارة بالدين لحمتها وسداها.

وهل المرجعية الوطنية تعني الاعتزاز بهذه الأرض التي أوجدت للبشرية أولى الحضارات الإنسانية وأسست لمنابع القيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية من خلال أولى القوانين التي عرفتها البشرية على ارض الرافدين؟ الجواب هنا بأننا لا نرى او نلمس هذا الاعتزاز من خلال الأطروحات التي جاء بها حكام العراق اليوم بكل توجهاتهم الدينية والقومية المتخلفة التي لا تنظر إلى وطننا إلا من خلال الطائفة او القومية او حتى العشيرة او المنطقة، حتى أصبح مصطلح الوطن لديها يعني مقدار الإخلاص لكل هذه الانتماءات الثانوية حتى وإن كانت خارج حدود هذا الوطن، وحتى وإن كان توجيهها لا علاقة له بأرض هذا الوطن ولا باهله ولا بكل حضاراته وتاريخه.

المتسلطون على أمور العراق اليوم بكل ما تحمله عصاباتهم، المسلحة منها والمنزوعة السلاح، وكل ما يعكسونه من فكر متخلف ومن نوايا بشعة تسير نحو امتصاص كل ما يمكن ان يعطي لأهل هذا الوطن مجالاً، ولو ضيقاً، من الحياة الإنسانية الكريمة، لا ينتمون إلى أي توجه يشير إلى وجود ما يربطهم بالوطن الذي يتحكمون به اليوم كرابط انتماء شكلاً ومضموناً. انهم يرون ارتباطهم الشكلي كوسيلة افتى بها شياطينهم لمواصلة النهب والسرقات وحرمان أهل وطننا من خيرات وطنهم من خلال تسخيرها لإثرائهم وتضخم حساباتهم المصرفية وتوسع مساحات عقاراتهم لا في الوطن نفسه، بل وعلى الأغلب خارجه، بل وحتى يقدمونها كهدايا إلى أسيادهم خارج الوطن، فيؤكدون بذلك مقولتهم التي تؤكد بين الحين والآخر بان خيرات الوطن مجهولة المالك، لذلك يمكنهم التصرف بها كما يشاؤون.

ما دعاني إلى تناول هذا الموضوع تسجيل فيديو يرينا بالصورة المتشحة بالدموع ويُسمعنا بالصوت الباكي المخنوق ما تقوله سيدة يهودية من أصول عراقية، أحاول هنا أن أنقل بالنص الذي جاء به الفيديو، محاولاً نقله على هذه الصفحة كاملاً بقدر ما تسمح به المعطيات الفنية:

             https://www.facebook.com/reel/1464397268047769

 "إحنا طلعنا من بغداد اما بغداد ما طلعت من عدنا (بعبرة بكاء). أنا مولودة بإسرائيل في بيت عراقي، اطبعنا على الأكل العراقي يعني كل اشي سوينا في البيت كان زي ما كان بالعراق، من الطبخ، العيد، من الفرح، واعياد اليهود، كل اللي سوينا زي ما كان ابغداد. وسمونا بالأول عراق الزغيرة يعني احنا كنا مع أهلينا عمامي وخوالي، كلهم كانوا جنبنا. وتعلمنا من الأول الأكل العراقي وكلشي كنا انسويه زي العراق. وكمان الأغاني، يعني أمي كانت تخبز وتغني ( وتشير بيديها عملية الخبز وهي باكية ). وينتهي المقطع باختناق الصوت في حنجرتها وسكوتها."

صوت هذه السيدة التي تتكلم عن العراق وعن بغداد وهي لم تعش في العراق ولم تر بغداد، وكل تصورها عنها تكَّون من خلال ما يعيشه أهلها من أجواء عراقية بغدادية مارسوها في العراق وظلت مرافقة لهم بالرغم من كل ما لاقوه من تعسف وظلم واضطهاد النظام الملكي الجائر الذي استجاب للمخطط البريطاني الذي أوجد المقولة الزائفة " بنقل اليهود كشعب دون أرض إلى أرض بدون شعب " الذي استند اليه وعد بلفورد للصهيونية العالمية في الثاني من نوفمبر عام 1917.

فأين من هذا الصوت العراقي الذي يعبر عن أسمى وأرفع درجات الانتماء للعراق ، من أصوات من يحكمون العراق اليوم ، من اللصوص الذين لم يكتفوا بسلخ جلد العراق وامتصاص دماء وخيرات اهله كامتصاص الجراثيم القاتلة لدماء ضحاياها، بل إنهم يتسابقون على بيعه لمن يخدمونهم خارج حدوده غير خجلين من عمالتهم وتآمرهم وتخريبهم وسرقاتهم لأرض وهبت الحياة لكل شعرة من اجسامهم القذرة، ولشعب ينازع ويصارع حياته اليومية بعدما سلبوه مقومات الحياة الحرة الكريمة ليبنوا على انقاضها ضخامة حساباتهم المصرفية واتساع ممتلكاتهم العقارية والبذخ في حياتهم المعاشية بعد ان كانوا قبل ان يأتي بهم الغزو الأمريكي لوطننا شلة مشردين حفاة عراة في شوارع السيدة وإيران او ممن يتلقون المساعدات من الدول التي لجأوا اليها.

لا نهاية لسرد جرائم عصابات الإسلام السياسي وكل من يساهم معها بامتصاص دماء أهلنا، وبيع أرض ومياه وأجواء وطننا، واغتصاب خيرات البلد وسرقة كل ما تجود به أرضه من مقومات العيش الكريم، وتنكرهم للعراق الذي يضعونه في صفوف العدو حينما يُصار إلى تصادم مصالح أسيادهم مع مصالحه ومع تطلعات أهله نحو العيش الكريم والسيادة على أرضهم، حيث انها جرائم لا يستوعبها العقل الإنساني السليم.

إلا ان أي عقل انساني سليم يمكنه ان يستوعب المقارنة بين هؤلاء الأوباش الذين يدينون للعراق وأهله وخيراته بكل خلية من خلايا أجسادهم العفنة ثم يتنكرون له هذا التنكر العدائي المقيت، وبين هذه السيدة اليهودية التي يعيش معها العراق لا عبر عطاء أخذته منه ولا عبر مأوى لها فيه ولا من خلال ما يمدها من مقومات الحياة، إذ انها وُلدت خارجه وتعيش بعيدة عنه ولم تره او تعشه إلا من خلال ما حمله أهلها معهم من ذكرياتهم فيه، ثم تقف هذا الموقف من العراق ومن بغداد الذي لم تذكرهما إلا وتتكسر العبرة على حنجرتها. ما هذا الحب والعشق الصوفي لوطن لم تره هذه السيدة مقارنة بالكره والحقد والتنكر الذي يجازي به حكام العراق الوطن الذي يدينون له بكل شيء من وجودهم القبيح.

حينما يتجه أي عقل منصف إلى تقييم هذه السيدة، مقارنة بحكام العراق وبكل مسمياتهم وهيئاتهم، فإنه سوف لن يتوانى عن استعارة بعض مفردات الجواهري الكبير ليقول بان هذه السيدة أشرف من خيرهم ونعلها من رأسه أكرم.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 03-09-2025     عدد القراء :  90       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced