نفايتان شعبيتان
بقلم : طالب عبد العزيز
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يخطئُ من يُلقي باللائمة على دوائر البلدية في تنظيف مدن الوسط والجنوب العراقية، التي تغرق شوارعها وأزقتها وأنهارها في بحر من النفايات، حتى بات المكان النظيف منها استثناءً، ولا يتعلق الامرُ بالدوائر هذه، أبداً، لأنَّ منتسبيها جزءٌ من شعب غير وارد في ثقافته جملة (العيش في بيئة نظيفة) وهو عنوان جامع، لكل ما تشتمل عليه الحياة، ولكي لا يبدو الكلام تعميماً، نقول كم تبلغ نسبة الذين يجعلون من قضية النظافة على رأس اهتماهم؟ 1% أو10% في أزيد تقدير، ولمن يجدُ في النسبة هذه اجحافاً لبني جلدتنا؛ ندعوه إلى أن ينظر فيما حوله، شارعاً، حديقةً عامة، سوقاً، ساحة مهجورةً أو غير ذلك.

هذا لا يعني إعفاء الدوائر الحكومية من واجبها وتقصيرها، أبداً، فهي الأخرى لا يشكِّلُ أمر النظافة عندها شيئاً، أيضاً. لقد تضامن المسؤول الحكومي مع المشهد العام للنفايات، حتى صار جزءاً مهملاً في عينه، هو لم يعد يراه، في رحلة تجواله اليومية، من البيت الى الشارع، والى السوق، والى الدائرة، ولو أنَّ الامر يغضبه لفعل ما يتوجب على أيِّ مسؤول حقيقي فعله. حدثنا مرةً قائدُ الرحلة من إسطنبول الى جزيرة الاميرات عن أنبوب للصرف الصحي؛ ظلَّ يصبُّ في البحر لسنوات طويلة، وأحال ماءه اسودَ برائحة تزكم الانوف، لكنَّ عمدة المدينة الجديد ذي العينين الزرقاوين أقسمَ بأنْ يجعل من لون الماء الأسود ذاك أزرقَ بلون عينيه، وهكذا، فعل وكان له.

وفي العودة الى البلدية نقول: باستحالة قيام أيُّ جهد بلدي على رفع آلاف الاطنان من النفايات َ في مدينةً كبيرة كالبصرة، تخترقها مئات الأنهار والترع الكبيرة والصغيرة، هذا عمل يفوق قدرة الدوائر البلدية مجتمعة! لأننا، كشعب لم نتعلم كيف نتعامل مع النفايات المنزلية، أو ماذا يعني رميها في غير أمكنتها، وواضح أنَّ الحديث الشريف (تنظفوا فأن الإسلام نظيف) لا يخصُّ المدن، فهو يتعلق بنظافة وطهارة ثياب الرجل عند دخوله المسجد للصلاة يوم الجمعة، وإلا ما معنى أنَّ أقذر دورات المياه هي دورات المساجد والحسينيات، وأنَّ النفايات التي تخلفها المناسبات الدينية تُعجزُ البلدية عن رفعها؟ ولماذا لا نجد المرافق الصحية في المدارس والمؤسسات نظيفةً؟ وما معنى أنْ ترمي سيدة المنزل بكيس النفايات في الترعة التي خلف بيتها؟ وحين سألتها لماذا؟ أجابتني:" ليش هو النهر مال ابوك؟" مع أنَّ ابي هو الذي احتفره!

مرةً، كنتُ صحبةَ مسؤول حكومي في زيارة لأحد المنافذ الحدودية، وحدث أنْ أحتاج الرجلُ(المسؤول) الى دورة المياه الخاصة بمكتب المدير، لكنه خرج يولول متذمراً من قذارة المكان، وكلنا يعلم بأنَّ المدير فاسدٌ، مرتشٍ، حتى أنَّ المسؤول الحكومي قال له مؤنباً:" من هاي الفلوس التاخذه سويلك مرافق بيها خير". حين يكون المسؤول فاسداً لن يعنيه من أمر النظافة شيئٌ، وحين يكون الشعبُ غير معنيٍّ بأمر النظافة ينتخب المسؤول الفاسد هذا، لأنه نفاية أيضاً.

أنتجت حكومات ما بعد 2003 ثقافتين غريبتين، هما ثقافة الفساد وثقافة استحالة رفع النفايات، وهناك تخادم عضوي بينهما، فقد بات بحكم المستحيل تخلص العراق من الفساد، حتى أنَّ الحديث عن المسؤول الفاسد لم يعدْ سبّةً أو شتيمة، بل وقال بوجوده أكثرُ من مسؤول، مازال متنفذاً وفاعلاً في الحكومة، وهناك من صرَّح جملةً وتفصيلاً بأنَّ الطاقم الحاكم كلّه فاسدٌ، وبما أننا كشعب سلّمنا بذلك، أو استسلمنا له، لهذا سنكون قد سلّمنا ايضاً بأنَّ قضية رفع النفايات من سابع المستحيلات.

  كتب بتأريخ :  الأحد 07-09-2025     عدد القراء :  84       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced