في الناصرية: (أحرقها وأحرق روحي)!
بقلم : طالب عبد العزيز
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

أرأيتم الرجل الذي أحرق عربته(الستوتة) أمام رجال شرطة المرور في مدينة الناصرية، أسمعتم صياحه وهو يصرخ(أحركها ولا أنطيكم إياها وأحرك روحي والله) وكيف لم يستطع الشرطي منعه!، أرأيتم كيف كانت النار تلتهم عربته، أسمعتم نداء الذين حوله؟ وهو يكبرون فيه روح الحرق تلك؟ ترى، لماذا، وكيف والى أين، ومن يقف وراء المشهد المريع هذا؟، ولماذا أصرَّ الرجل على حرقها وقد فعل؟

شخصياً، أنا معه وهو يحرقها، إذْ، لم يكن الرجل الوحيد، صاحب دراجة أو ستوتة أو سيارة الذي أقدم ويقدم على حرق ما يقوده، وما اشتراه مستدينا ومعوزا وجعله سبباً لمعيشته، هناك العشرات والمئات من الذين أقدموا أو همّوا بالحرق، في ردود أفعال توازي ما يتعرض له هؤلاء المساكين على ايدي شرطة المرور ومفارز التفتيش التي تنصب الكمائن لهم بين الحين والأخر بدعوى تسجيل المركبات، هذه الآلية القبيحة، التي لا تمتُّ بأيِّ صلة لشرع وقانون، والتي تكشف عن فساد الدوائر المعنية، ومن ثم طريقتها في ابتزاز الناس والاستحواذ على أموالهم وممتلكاتهم.

أقدم الرجل على حرق عربته لأنه يعلم كل العلم بأنه سيلاقي الامرين باسترجاعها، وسيدفع الى مركز الشرطة ورجل المرور ما كده واستحصل عليه في النهار والليل لهم، أولئك الذين سيضطر الى استدرار عطفهم وتملقهم، وتسويفهم لأن كلمة (جيب مستمسكات واستنسخ الجنسية وتعال باجر) ستجعل منه كافراً باليوم الذي ولد فيه بالعراق، وسيتاسف على كل لحظة وقف فيها يصفق ويهتف (عاش العراق) أحرقها، وهمَّ باشعال النار بجسده لأنه يعرف أنه لن يستعيدها ثانية إلا بدفع نصف أو أكثر من ثمنها غرامات ورسوم وضرائب.

أعرف شاباً يعمل بالاجور اليومية في مطعم صغير بالبصرة، يستخدم دراجته النارية في ذهابه وإيابه اليومي، وحدث أنْ أوقفته مفرزة للشرطة، فقدَّم لهم ما عنده من وثائق، لكنهم احتجزوه والدراجة، وبعد الأيام والليالي تبين أنَّ الدراجة قديمة، وفيها من العطلات ما فيها وهي بسعر لا يتجاوز الـ 150 الف دينار، لكنَّ الشرطة لن تفرج عنها إلا بدفع الغرامات والرسوم ووو التي بلغت أكثر من 400 الف دينار، فتركها لهم!!

ترك الرجلُ دراجته في مركز الشرطة، بعد خروجه، ولم يرجع يطالب بها، وهي الى اليوم هناك، وربما بيعت بالمزاد العلني الذي تقيمه دائرة المرور بين الحين والأخر، وذهبت فلوسه الى جيب أحدهم، وربما فككها الحراس آخر الليل، وباعوا ما ينتزع منها، لكنني، كلما التقيته ودار الحديث عن دراجته اسمعه يقول: ليتني أحرقتها، أحرقوا قلبي والله. لم يتوقف الامر عند هذه حسب إنما لم يتمكن من استرجاع بطاقته المدنية، التي أخذت منه في مركز الشرطة، لأنَّه ملَّ وسئم من(تعال باجر والضابط ما موجود) هو الآن يعمل على استحصال (بدل ضايع) لهويته المدنية، فحصوله على البدل الضايع أسهل من مراجعته ووعود رجال مركز الشرطة الكاذبة.

تتكرر الحادثة هذه شهرياً وسنوياً، وفي كل مدينة في الوسط والجنوب العراقيين، ووزارة الداخلية ومراكز الشرطة والحكومة كلها شاهدت وسمعت وتشاهد وتسمع لكنَّ أحداً ما لم يفكر بحال هؤلاء الذين يضطرون الى حرق عرباتهم ودراجاتهم وستوتاتهم، والبحث في الأسباب. كان يمكن تجاوز ذلك كله والحد من غضب الناس وشيوع الفساد أن يصار الى تسجيل المركبات تلك وعلى وفق آلية معينة لا تتجاوز الساعة والساعتين من الزمن بين البائع والمشتري والمرور يتم بموجبها التسجيل ودفع الرسوم والضريبة والاجازة والرقم وينتهي الامر. هل نحتاج الى معجزة سماوية لتحقيق ذلك، فيما يتم إصلاح عطلات المركبات الفضائية من الأرض، أم أنَّ آلة الفساد ماتزال تستمتع بحرق الدراجات وحرق الانفس، في بلاد تغرق كل يوم ببحر خرابها؟

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 16-09-2025     عدد القراء :  30       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced