مَن سيكون هدفا لإسرائيل بعد قطر؟
بقلم : د. فالح الحمـراني
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

شكلت الغارة الإسرائيلية على الدوحة عاصمة قطر، وهي تستعد لاستضافة مباحثات مع وفد حركة حماس لمناقشة خطة الرئيس دونالد ترامب بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح الرهائن، انعطافا جديدا في الكشف عن الإستراتيجية الحقيقية لإسرائيل الرامية لترويع عواصم المنطقة العاجزة عن الرد الحاسم، على عدوانها المتكرر واستخفافها بسيادة الدول والقانون الدولي والعيش بسلام وامن مع دول المنطقة وبالتالي فرض هيمنتها الاقليمية. واعتدت إسرائيل في يوم واحد على عدة دول عربية، فمن ستكون العاصمة القادمة؟ إن الضربة التي تعرضت لها قطر تُمثل مفاجأة أخرى، وتحدٍّ مباشر لجميع معارضي إبادة الفلسطينيين، وكذلك لمناصري العلاقات الدولية السامية لعالم متعدد الأقطاب.

وردت الدول العربية بصورة متأخرة على الهجمات الإسرائيلية على قيادة حماس في الدوحة. ومن المقرر عقد قمة عربية إسلامية يومي 14 و15 ايلول في العاصمة القطرية. ويتطلع الرأي العام العربي/ الإسلامي ان لا تكتفِ القمة بالإدلاء بتصريحات صاخبة وتبني بيانا ختاميا يبقى "كالعادة" حبرا على ورق، وبعدها سيهدأ غضب العرب والمسلمين، بل إيجاد سبل وقنوات دبلوماسية فعّالة لتجسيد الاقوال في أفعال تردع انفلات اسرائيل وتضع الحد لعبثها ببلداننا.

وعلى خلفية تلك التطورات نشر رئيس تحرير بوابة الشرق الأوسط الممولة من قطر، ديفيد هيرست، مقالاً كبيراً يتضمن رؤيته لما حدث. ويكتب الصحفي أن القيادة الإسرائيلية تدرك تماما ما أقدمت عليه. ومن وجهة نظره، تطمح إسرائيل إلى التفوق ليس فقط في فلسطين، بل في المنطقة بأسرها. وكانت هذه إشارة واضحة لقطر والدول العربية الأخرى بأن إسرائيل ستضرب أي هدف في أي وقت، بغض النظر عن مبدأ السيادة الوطنية. ويشير هيرست إلى ما يلي: "إذا لم تلفت الضربة الإسرائيلية انتباه ترامب إلى أن اتباع طريق دولة مارقة كإسرائيل يقودها أصوليون دينيون يمكن أن يهز مكانته كزعيم عالمي، فليس هناك ما نأمل فيه". ويشير الصحفي البريطاني إلى "اتفاقيات إبراهيم" التي أدت إلى الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل من قبل عدد من الدول العربية. وبحسب قوله فإن "أي اعتراف بإسرائيل لن يضمن السلام ولن ينقذ دول الشرق الأوسط من عدوانها". والحل الذي يراه "هو إنشاء تحالف من الدول العربية لاحتواء هيمنة إسرائيل بالقوة".

لقد وصل وفد حماس، الذي تعرّض لقصف صاروخي، إلى الدوحة في اليوم السابق لجولة مشاورات جديدة. وكان من المقرر أن يناقش الوفد العرض الخاص الذي تلقاه الوسطاء القطريون من المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف، بشأن وقف إطلاق نار شامل في غزة وإطلاق سراح الرهائن المتبقين. ولم تعارض حماس هذا العرض، بل أصرت فقط على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع المدمر. وبمجرد انسحاب القوات، ستسلم حماس السيطرة على قطاع غزة إلى "لجنة إنقاذ فلسطينية مستقلة"، يُحدد أعضاءها ممثلون عن قطر والولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج. والخيار الثاني هو أن تأخذ جامعة الدول العربية والسلطة الوطنية الفلسطينية على عاتقها مسؤولية مصير الفلسطينيين. بمعنى آخر، دار حديث مثمر. إلا أن الدول العربية لم تتعظ من الدرس الإيراني، حيث أُجريت هناك أيضًا عشية الهجوم الإسرائيلي/ الامريكي "مفاوضات مع وزارة الخارجية والممثل الخاص لترامب ويتكوف حول صفقة نووية". وجرت الجولة الأخيرة عندما تعرضت إيران لهجوم صاروخي، من شبكات تخريب تابعة لعملاء إسرائيليين، ثم وصلت قاذفات نورثروب بي-2 سبيريت الاستراتيجية الأمريكية لقصف منشآت نووية تابعة لدولة مستقلة، عضو في الأمم المتحدة، إلخ.

ويلفت المراقبون العسكريون انه كان من شأن الدفاعات الجوية الامريكية والقطرية والتركية المنشرة في قطر اعتراض الطائرات الإسرائيلية، لكنها لم تحقق ذلك، ولا يستبعدون بان المشغلين الأمريكيين قد أوقفوا عمل كل هذه الأنظمة وهناك تواطئ او خيانة. وكان لا بد من اعتراض الطائرات التي قالت قطر انها لم ترها، من قبل أنظمة الدفاع الجوي المنتشرة حول قاعدة الدوحة الجوية الدولية، والفوج الأول من المقاتلات التابع لسلاح الجو القطري، الذي يقوم بمناوبة قتالية مستمرة، مع وجود مواقع رادار بعيدة في هذه المنطقة، ونقاط توجيه وتتبع. إنهم مُلزمون بكشف أي تهديد صاروخي للعاصمة واعتراض عشرات الصواريخ الباليستية من طراز "روكس" حتى بدون الأمريكيين، لأن هذه الصواريخ بالذات هي التي ضربت الأهداف في الدوحة.

وبما أن قطر ليست فقيرة، فقد عززت أمنها الجوي على حساب جميع الدول الأخرى بجهد بالغ. خاصة بعد عام 2012، وحصل برنامج تطوير القوات الجوية والدفاع الجوي القطري في عام 2017، على تمويلات ضخمة. وكان من الممكن تحقيق اعتراض الطائرات الاسرائيلية (إن لم تكن أفضل) بالمدافع التركية ذاتية الحركة المضادة للطائرات "كوركوت"، أو أنظمة الدفاع الجوي النرويجية "ناسامس"، أو "حجة الملاذ الأخير" المتمثلة في أنظمة الدفاع الجوي الأرضية المُحدثة "رابير إف إس سي" (GBAD)، المُثبتة مع رادارات "بلايندفاير" على ناطحات السحاب في العاصمة القطرية.

إن اسرائيل تُمثل حاملة طائرات عملاقة، رأس حربة استراتيجية، رأس حربة قوة ضاربة. للعام الثاني على التوالي، تخوض حربًا غير مُعلنة مع عدة دول ذات سيادة، مُبقيةً منطقة الخليج العربي الشاسعة، وشبه الجزيرة العربية، وغرب آسيا، ومنطقة قناة السويس في حالة من الخوف والرعب. قطر ليست سوى الحلقة التالية في تطور السياسة الجديدة لإسرائيل والولايات المتحدة. هذه إشارة موجهة إلى "العالم متعدد الأقطاب"، ودول البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وغيرها من المبادرات الأوراسية، كانها تقول لهم" كفى ثرثرة".

بشكل عام، الأمر لا يتعلق بقادة الفلسطينيين من حماس، الرسالة موجهة لدول الخليج العربية ودول المنطقة الأخرى، التي أدركت بوضوح إن وجود إسرائيل حقيقية قائمة. والدرس الذي وجه الزعماء العرب عميق المعنى والدلالة. بعد ذلك، سيُتاح التحكم في تدفقات النفط والغاز في المنطقة وتوجهات التنمية. وسيتم إيقاف الدفاع الجوي، وستُطفأ أنظمة الطيران على متن الطائرات لمن يُعارضون.

لقد تم توريط القطريين "الحلفاء الاستراتيجيين". تم استدراج المفاوضين الموثوقين لإنزال ضربة بهم، واعدامهم علنا أمام شبه الجزيرة العربية بأكملها. وترامب يعرف ذلك أيضًا. ومبعوثه الخاص، ويتكوف، قادر على القيام بذلك. لقد دبر نفس الخدعة الغادرة مع دول المنطقة للمرة الثانية على التوالي. فماذا سيتبقى من "التسوية في الشرق الأوسط"؟.

وسوف يواصلون استهداف ناطحات السحاب العربية بضربات صاروخية ضخمة بحجة وجود "إرهابيين". فمن سيقرر بعد الآن أن يصبح "وسيطا" لتسوية الصراعات الإقليمية أو البعيدة؟ وجمع الوفود في يوم وساعة معينة في "منطقة آمنة محايدة" للتفاوض والاستماع إلى مبادرات سلام من محبي السلام الامريكيين. على الأغلب تبددت الرغبة في ممارسة دول المنطقة الدبلوماسية الدقيقة.

* استفادت المقالة من مواد في وسائل الاعلام الروسية

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 16-09-2025     عدد القراء :  24       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced