زجّ العشائر في الصراع السياسي لعب بالنار
بقلم : صبحي الجميلي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

مثّلت العشائر العراقية على مر العقود ركائز اجتماعية ووطنية مهمة. وهي ليست قائمة على روابط القرابة والدم والنسب والأرض وحسب، بل وتحمل قيماً سامية؛ فالكرم والضيافة والنخوة والتضامن والتكافل وانصاف المظلوم والنبل والصدق، هو ما جُبلت عليه العشائر، لتغدو جزءا لا يتجزأ من منظومة السلوك الفردي والمجتمعي.

ولم تكن العشائر الكريمة في العراق يوما بمعزل عن هموم الناس والوطن، بل وكانت لها مواقفها الوطنية المشهودة، ومنها الاسهامات المعروفة في ثورة العشرين، وفي الانتصار لقضايا الوطن ودعم حركته الوطنية، وهي تكافح للخلاص من الاستعمار وتُحرر بلدنا. كما كانت ملاذات آمنة للناشطين والفاعلين في الحركة الوطنية.

والمتتبع لدور عشائرنا يلاحظ انه وثيق الصلة بادراك قدرتها على ان تكون قوة إيجابية، وعنصرا فاعلا في تأمين السلم الأهلي عندما لا تضع نفسها فوق القانون، وعندما تكون متماهية مع مشروع وطني جامع، يضع المصلحة العامة في المقدمة وينبذ الانكفاءات الضيقة.

وعلى عكس هذا الدور الوطني الجامع المفترض للعشائر، يحاول البعض انطلاقا من اجندات مصلحية ضيقة وانانية، ان يدفعها الى مواقع تُخرجها من سياق وظائفها الاجتماعية والوطنية، وان يجعل منها أداة لتحقيق مآربه في الهيمنة والتسلط، ولابتزاز الغير وإرهابه، وان تكون وقودا في اتون المصالح السياسية الضيقة، وفي تعويض فشله في بناء دولة المواطنة، التي تنصف الجميع بغض النظر عن قومياتهم واديانهم وطوائفهم.  

هذا البعض بفعلته هذه يلعب بالنار، خصوصا في الأوضاع المحتدمة التي يعيشها بلدنا، وفي ظل تسابق انتخابي محموم لجمع الأصوات بأية وسيلة متاحة، وبعيدا عن قواعد السلوك المحددة والمفترضة، وهو ما يتميز غالبا بالضرب تحت الحزام. كما انه يأتي مع استمرار النزاعات العشائرية المسلحة المؤسفة، والتي تستخدم فيها أسلحة من كل الأنواع، ويذهب الكثيرون ضحايا للاقتتال العبثي، الذي يندلع أحيانا لأسباب تافهة، ويثير بعضه السخرية والاشمئزاز معا. وذلك ما عجزت الحكومة ومؤسسات الدولة المعنية عن احتوائه والسيطرة عليه حتى الان.

والأخطر ان البعض يدفع العشائر، لدوافع نفعية وانتخابية أيضا ولتدارك حالة الضعف وعدم المقبولية، الى مواقع الطائفية الضيقة، ويغذي الانكفاء رغم ما يدعي من حرص على المواطنين جميعا وبمختلف انتماءاتهم. وهو بهذا يزرع بذور الفتنة بين المواطنين أبناء البلد الواحد، على حساب المواطنة العراقية الجامعة، ورغم الحديث المكرور عن درء الفتن!    

وهذا البعض الطامع بالسلطة أو المتشبث بها، لا يدرك، او يدرك ولا يكترث، بان مثل هذه الممارسات سلاح ذو حدين. فهي وان حققت فائدة آنية، تمثل لغما موقوتا يمكن ان ينفجر في أي وقت، وعاملا دائما في عدم الاستقرار، وفي اضعاف للدولة ومؤسساتها وضرب الدستور ومواده والقانون عرض الحائط.

لقد آن أوان توقف هذا العبث بمصير الوطن والمواطنين، وحان الوقت الذي تدرك فيه عشائرنا الكريمة وشيوخها ووجهاؤها المنزلقات الخطرة، التي يريد البعض دفعهم اليها. وانها وإن تحقق لها بعض المكتسبات العابرة، فان الأهم والأكبر والأكثر دواما هو ان يكون لها ولنا كافة وطن يتسع للجميع، ويتمتعون فيه بحقوقهم ويعيشون بامان وسلام حياة رغيدة تليق بالإنسان العراقي، وان ذلك هو الضامن الأكيد للحاضر والمستقبل.

هذا هو الوطن المرتجى، الذي نهض ثوار ثورة العشرين من أجله. وهو الوطن الذي قدم الشهداء الخالدون دماءهم زكيةً كي ينهض، وهو اليوم أيضا يستحق التضحية والانقاذ من نهج مَن اوصلوه الى الحالة، التي لا يستطيع فيها حتى الدفاع عن ارضه ومياهه واجوائه.

لهذا يتوجب ألا تتوجه الجهود نحو نصرة من جُرّب وإدامة فشله، ودعمه للحفاظ على نفوذه وهيمنته وسلطته، وتشجيعه على زج بلدنا في متاهات جديدة، وكأنْ لم يكفِه ما هو فيه من أزمات وما حل به من نكبات.

  كتب بتأريخ :  الأحد 05-10-2025     عدد القراء :  81       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced