يشهد النظام التعليمي في العراق حالة من الفوضى والارتباك، حيث تواجه الطلاب تحديات كبيرة تهدد مستقبلهم الأكاديمي؛ بين الإضرابات المتواصلة، والسياسات التعليمية الارتجالية، والمعاناة من تضارب القرارات الحكومية، يعيش الطلبة حالة من القلق والتوتر بشأن مصيرهم التعليمي. وتفتقر وزارتا التربية والتعليم العالي إلى التخطيط السليم والرؤية الواضحة، مما ينعكس سلبا على مستوى التعليم في البلاد.
وكشف مصدر مسؤول في وزارة التربية، طلب عدم الكشف عن اسمه، عن حالة من التخبط والفوضى التي تعيشها وزارتا التربية والتعليم العالي، مشيراً إلى أن السياسات المتبعة تغرق في الفساد المالي والإداري، وسط غياب واضح للتخطيط والعقلانية في اتخاذ القرارات.
وقال المصدر لـ(المدى)، إنه "بعد أسابيع من الشلل التام الذي أصاب العملية التعليمية نتيجة الإضراب، تفاجأ الطلاب والمعلمون على حد سواء بقرارات مفاجئة بإجراء امتحانات مصيرية خلال أيام معدودة، دون استكمال المناهج أو توفير أدنى متطلبات الاستعداد الأكاديمي".
وتساءل: "كيف يمكن إجراء امتحانات ثانوية عامة بعد توقف شبه كامل للدراسة؟ وكيف يتم استئناف الدراسة دون خطة واضحة لتعويض ما فات؟ أهو تخبط إداري؟ أم تنفيذ لأجندات سياسية؟ أم استخفاف بمصير جيل كامل من الطلبة؟".
وأضاف المصدر أن الطلاب اليوم يواجهون مصيراً غامضاً، بلا معلمين، بلا مناهج مكتملة، وبلا مراجعات دراسية، ليجدوا أنفسهم فجأة أمام امتحانات حاسمة تحدد مستقبلهم الأكاديمي والمهني.
وأكد أن "القرارات الصادرة تعبر عن حالة من الارتجال والفوضى، حيث لم تصدر بناءً على اتفاقات نقابية أو خطط مدروسة، بل جاءت دون أي ضمانات لتعويض ما فُقد خلال فترة الإضراب، ودون أي تصور لإنقاذ ما تبقى من العام الدراسي المشلول".
وتابع المصدر قائلاً: "المعلمون يطالبون بحقوقهم الأساسية في حياة كريمة، لتأمين مستقبل أبنائهم، فيما تصدر القرارات من أبراج عاجية، دون إدراك لحقيقة الأوضاع المعيشية الصعبة".
ووجّه المصدر رسالة شديدة اللهجة إلى وزارتي التربية والتعليم العالي، قائلاً: "كفى عبثاً وتعالياً على الطلاب والمعلمين. إن كنتم غير قادرين على اتخاذ قرارات عادلة ومنصفة، فالاستقالة أشرف لكم من الاستمرار في مزيد من الفوضى والخراب". وعبر عن أسفه لما وصفه بـ"الموت السريري" الذي أصاب وزارتي التربية والتعليم العالي.
كما أشار إلى واقع الجامعات الأهلية، لافتاً إلى أن العديد من الدول تعتمد نظام تمويل التعليم عبر المصارف، حيث يتم دفع الرسوم الدراسية عن الطلاب واستيفاؤها لاحقًا بعد التخرج والتعيين من خلال اقتطاع أقساط ميسّرة من الراتب الشهري، متسائلًا: "لماذا لا يُطبق هذا النظام لدينا؟ هل لأن الجامعات الأهلية مملوكة لمسؤولين لا يهمهم سوى جني الأرباح؟".
وانتقدت التدريسية سهى سيف الدين بعض الإجراءات الأخيرة التي أصدرتها وزارة التربية والتعليم، مؤكدة أن القرارات المتعلقة بتأنيث وتذكير إدارات المدارس الحكومية تسببت بفوضى واضحة، خاصة في المناطق التي تم فيها تطبيق القرار بصورة مفاجئة.
وأوضحت سهى لـ(المدى)، أن "الوزارة أرسلت مؤخرًا كتابًا رسميًا يقضي بأن تكون إدارات مدارس البنات مخصصة للمديرات فقط، بينما يتولى إدارة مدارس البنين المدراء الرجال، وقد بدأ تنفيذ القرار في قضاء القائم، مما أحدث حالة من الارتباك مع بداية الدوام".
وأضافت أن "جميع المدراء نُقلوا من مدارس البنات وجميع المديرات نُقلن من مدارس البنين، مما تسبب بخلل واضح في سير العملية التربوية، إذ احتاج الكادر التربوي إلى أكثر من شهرين للتكيف مع الإدارات الجديدة، مما أثر سلبًا على العمل الإداري والمهني، وإدارة السجلات والنشاطات".
وأشارت إلى أن "هذا القرار لم يُطبق في جميع المحافظات، بل اقتصر على بعض المناطق، رغم أنه صادر من الوزارة ذاتها"، مشددة على أن هذا التفاوت في التنفيذ زاد من حالة الإرباك وعدم الاستقرار داخل المدارس.
أما بشأن القرارات الأخرى، فقد انتقدت سهى سياسة الوزارة فيما يتعلق بقرارات الدخول الشامل وإضافة عشر درجات للطلاب الراسبين. وقالت: "الوزارة تطالبنا بتحقيق نسب نجاح عالية، لكنها في الوقت ذاته تمنح الطلاب الراسبين فرصة دخول الامتحانات بثلاث مواد، وتضيف لهم عشر درجات، مما يضعف من جدية التحصيل العلمي للطلبة، ويؤثر على مصداقية العملية الامتحانية".
وأكدت أن هذه السياسات أدت إلى تراجع في مستوى جاهزية الطلاب للامتحانات الوزارية، حيث أصبح بعض الطلبة غير مستعدين أو مؤهلين لدخول الامتحان النهائي، مما خلق عبئًا إضافيًا على الكادر التدريسي وأثر سلبًا على المستوى التعليمي العام.
ولا تبدو هذه التناقضات والإجراءات الشكلية غريبة عن أداء وزارة التعليم العالي نفسها، إذ أصدرت الوزارة مع مطلع الشهر الجاري تعميماً رسمياً وُجه إلى جميع الكليات والمعاهد الأهلية بمناسبة قرب حلول الامتحانات النهائية للعام الدراسي الحالي.
وأكدت الوزارة في كتابها على ضرورة الالتزام بعدم منع الطلبة من حضور المحاضرات أو حرمانهم من أداء الامتحانات تحت أي ذريعة مالية، داعية إدارات المؤسسات التعليمية إلى مراعاة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها كثير من الطلبة. وشددت الوزارة على أن أي جهة تعليمية تتجاهل هذا التوجيه ستتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن تصرفها.
وتواصل مراسل (المدى) مع المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم العالي، حيدر العبودي، وقال إن "جهاز الإشراف والتقويم العلمي يعمل، بتوجيه مباشر، على متابعة شؤون الطلبة ومعالجة المعوقات التي تواجههم في بيئتهم التعليمية، سواء في الجامعات الحكومية أو الأهلية".
وأشار العبودي إلى أن الوزارة تلقت عدداً من الطلبات من طلبة يشكون من منعهم من أداء الامتحانات بسبب قضايا مالية. وأوضح أن وزارة التعليم أصدرت أكثر من كتاب رسمي ينص بوضوح على أن الطالب لا يُمنع من أداء الامتحان تحت أي ظرف، إلا أن نتيجته قد تُحجب لاحقاً في حال عدم تسوية المسائل المالية المتعلقة بالأجور الدراسية.
وبيّن العبودي أن مسألة الأجور الدراسية ترتبط باتفاق تعاقدي وقانوني بين الطالب والجامعة، خصوصاً في الجامعات الأهلية التي تعمل ضمن بيئة تعليمية خاصة وليست مجانية بطبيعتها. وأكد أن هذه الجامعات، رغم أنها ليست مؤسسات ربحية، إلا أن لديها التزامات علمية وبحثية تتطلب تغطية مالية لضمان استمرار الأداء الأكاديمي وعدم تعثره.
كما أوضح أن تفاوت أوضاع الطلبة الاقتصادية أدى إلى عدم تمكن بعضهم من تسديد الرسوم، مما يشكل عبئاً على الجامعات التي تحتاج إلى الموارد المالية للحفاظ على مستوى خدماتها التعليمية.
في هذا السياق، أعربت الأكاديمية مها عزيز عن استغرابها من تجاهل الجامعات الأهلية للتعليمات الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، رغم ما تبذله الأخيرة من جهود عبر إرسال مخاطبات متكررة لضمان الالتزام، وفقا لتصريحاتها. فيما عبرت عن شكوك في ان تكون تلك التوجيهات شكلية فقط، خاصة مع غياب المتابعة الدقيقة لوزارة التعليم.
خلال حديثها لـ(المدى)، شددت عزيز على أن قرار السماح للطلبة بتأدية الامتحانات دون اشتراط دفع الرسوم الدراسية، ليس منحة استثنائية كما يحاول البعض الإيحاء، بل هو استحقاق قانوني راسخ نصت عليه تعليمات الامتحانات لعام 2000 والتشريعات المعمول بها.
وأوضحت أن شكاوى الطلبة لا تزال تتوالى بشأن ممارسات بعض الجامعات والكليات الأهلية المخالفة، حيث وصل الأمر ببعضها إلى منع الطلبة من دخول الحرم الجامعي، مما يعزز صحة الانتقادات السابقة التي اعتبرت أن "عدداً من هذه المؤسسات لا يعدو كونه مشاريع تجارية بثوب أكاديمي".
وبيّنت أن هذه التجاوزات تعكس غياب المتابعة الفعلية من قبل الوزارة، وضعف قدرتها على فرض سياساتها على المؤسسات التعليمية المخالفة، رغم أن التشريعات تمنحها صلاحيات كافية للتدخل وفرض إجراءات صارمة بحق المخالفين.
وانتقدت عزيز ما وصفته بالازدواجية في ممارسات الوزارة، التي تدعو الجامعات الأهلية علناً إلى الالتزام بالسلوكيات الأكاديمية الرصينة، بينما تتساهل مع التجاوزات المرتكبة في برامج التعليم المسائي والموازي، مما يضعف من مصداقية هذه التوجيهات.
واشتكى أمجد معن، وهو طالب في إحدى الجامعات الأهلية، من منع عدد من زملائه من دخول قاعات الدراسة بسبب تأخرهم في تسديد الأقساط الدراسية بالرغم من صدور كتاب من وزارة. وأوضح قائلاً: "أحياناً نشعر أن الجامعة تتعامل معنا بمنطق مادي بحت، فاهتمامها ينصب على تحصيل الأموال بدلاً من تشجيعنا على الاجتهاد والتفوق الأكاديمي".
وفي السياق ذاته، حذر معن خلال حديثه لـ(المدى) من ظاهرة تتزايد مع اقتراب المواسم الانتخابية، تتمثل في استغلال الطلبة لأغراض سياسية. وأشار إلى تنامي نشاط مكاتب طلابية تابعة لقوى سياسية نافذة، تتوسط بين الطلبة وإدارات الجامعات بهدف تسهيل تقسيط الرسوم أو تأجيل دفعها مقابل استغلال أصواتهم الانتخابية وأحياناً أصوات عائلاتهم، مبيناً أن هذه الممارسات تتم أحياناً بعلم أو حتى برعاية مباشرة من بعض إدارات الجامعات.
ودعا معن إلى حماية البيئة الجامعية من التسييس والابتزاز، بما يضمن الحفاظ على نزاهة التعليم وسمعة المؤسسات الأكاديمية.