ليس صدفة ان يموت خوسيه موخيكا رئيس الأوروغواي اليساري الافقر في العالم وموفق محمد الشاعر اليساري الافقر في العراق فكلاهما لم يساوما على مبادئهما بل بقيا يقارعان الظلم والفساد في العالم. موخيكا كان يعيش حياة الصعاليك، يسرق الطعام كي يأكل الفقراء. اما موفق محمد فقد كان يسرق الزمن ويراوغ السلطة كي يقدم للفقراء قصيدة الى ذاكرة المتعبين عسى أن يجدوا ما يقتاتوا به عوضاً عن كسرة خبز. موخيكا رفض راتبه كرئيس وتبرع بتسعين بالمائة منه للفقراء وموفق محمد تبرع بكل شعره للفقراء والمساكين وابن السبيل. وكان دائم البحث عن وطن لايطالبه به مخبر عن هوية... فالعراق بالنسبة له كان وحشة الغربة حين انتزع منه ابنه الوحيد. وحين كنا نستمع لشعره سرا وهو يخفي جراحاته ويأن بصمت المرايا كنا نخشى ان يتوقف قلبه يوما، وربما تخيلنا ان موخيكا يربت على كتفه، يواسيه بان الظلم واحد والقهر واحد والنضال واحد. فالحاكم الظالم كان لايخشى من سلاح الفقراء، منجلا كان ام مطرقة، بل كان يخشى من سلاحهم السري: الكلمة. فالحسين ثار من أجل كلمة/ وعدل عمر جاء من وراء كلمة/ وسيف علي ارتفع لأجل كلمة. وموخيكا قبع في السجن من أجل كلمة.. الحاكم أحمق حين تصور ان وضع موفق او موخيكا وراء القضبان سيمنع الشعر من التداول ويمنع الكلمة من ان تشرق حرية ونضالا. فالفكر لايمكن سجنه، والكلمة ولدت لتبقى حرة. اليوم مات موفق ولم يزل صدى كلماته يزداد كلما امعن الدفان في تعميق قبره. واذا أراد أحد ان يقيس قيمة كلمة فلينظر لسعر سيارة الفولكسواكن المتهالكة لموخيكا وكم بلغ ثمنها بالمزاد وهي سيارة قديمة الطراز جدا. هل من سيشتريها سيفكر بها ؟ ابد بل سيفكر بمالكها الذي اذل بخطاباته وأفعاله السلطات الفاسدة. وحين رحت استقصي عن ممتلكات موفق محمد لم أجد فيما تركه وراءه سوى تمثال أقامه اهل الحلة الطيبين له، وفي كل مرة كنت انظر فيها إلى التمثال يتردد في خاطري بيتا من الشعر..
لا تجرح التمثال في احساسه
فلكم بكى في صمته تمثال
موفق ربما أراح بموته الفاسدين الذين كانوا يتهكمون غيظا من كلماته ويتهَمونه بالشاعر السكير ولكنهم غضوا الطرف عن الحشيش والافيون الذي يتاجرون به فسوء السلطة لا تخضع لتفتيش الكمارك. فقط كلمات الشعراء الاحرار تصادر عند الحدود، ووراء الحدود، وداخل الحدود. السلطة التي لا تعرف الحق والعدل والمساواة الا بالعباءة والمسبحة؛ تخشى من كلمات شاعر يعرفها بلغة الفقراء والمحتاجين. مفارقة ان يختار موفق محمد الزمن نفسه ليلتحق برفيق فقره موخيكا، ربما ليتسامرا في وحشة الانتظار.