ضيفّت مؤسسة دجلة للتعايش والتنمية (منظمة مجتمع مدني في مدينة كركوك)، الباحث والمترجم الأستاذ رضا الظاهر عبر ندوة ثقافية بعنوان ” المثقف والحركة الاجتماعية”، في نهاية شهر آيار الماضي.
وشهدت الندوة مناقشة دقيقة للبحث عن نسق وموقع المثقف العراقي من المجريات العامة في الإدارة والسلطة والاقتصاد التي تنشأ في بلاده، وكيف تتم عملية التعبير والمشاركة والتأثير الفعّال فيها، انطلاقا من الكشف والاستنارة بتجارب النسق الثقافي العالمية السابقة التي توازت وتكاملت مع النسقين السياسي والاقتصادي مثل مثلث متماسك في تشكيل الفضاء الاجتماعي أو التعبير الكلي عنه.
تحدث الظاهر وبإيجاز مفيد عن ستة محاور أساسية، في مفهوم المثقف وأسئلة الثقافة وإشكالية المثقف والسلطة، وغياب أو حضور المثقفين في الشؤون العامة فضلاً عن المهمات الملقاة على مسؤولية المثقفين وتجليات أزمة الثقافة.
ابتدأ الباحث الظاهر بتناول فكرة تأصيل مصطلح المثقف وسياقه في التأثير بالقضايا العامة من خلال قصة الضابط الفرنسي المعروفة دريفوس، نهاية القرن التاسع عشر إذ أثيرت قضيته من قبل كتّاب ومفكرين منهم أميل زولا، ما جعل المجتمع الفرنسي، ينقسم بين مؤيد للقضاء الذي يدين دريفوس وبين الأصوات الثقافية العالية التي تطالب ببراءته وتعديل القانون، ويتابع الظاهر بأن القضية حسمت لصالح تبرئة دريفوس لكنها أسست في مستوى آخر لانطلاق مصطلح المثقف لأول مرة ودوره المباشر في تغيير المنظومات العامة في القضاء والإدارة مشيراً الى أول مانفيستو ثقافي يصدر عنه في هذه القضية، ويعد حجر الزاوية لإقامة نسق المثقف في الفضاء العام بمجاورة النسق السياسي والاقتصادي.
لقد أكد الظاهر أيضاً، أن النسق الثقافي، يشكّل أحد الأنساق التكاملية مع الاقتصاد والسياسة في تحقيق مستوى ما من الفضاء الاجتماعي، وبوسع الثقافة والمثقفين التأثير حتماً في سياقاته العامة بقدر متساو تماماً من التنافذ، لا يقل عن أهمية الانساق الأخرى.
على صعيد ثان، بيّن الأستاذ الظاهر، أن مرحلتنا الحالية، لا تخلو من حراك ثقافي ولكن ربما لا تمنح صورة أولية لتحديد موقع المثقف العراقي الراهن طالما لم ينتج هذا الحراك تأثيراً في المنظومات العامة، ولهذا كما يرى الظاهر: علينا بوضع وإنتاج الأسئلة باستمرار، والسؤال الاستباقي أفضل من الجواب الجاهز.
في السياق نفسه، واصل الظاهر تأملاته في الثقافة وأدوار المثقف العراقي منذ بواكير تأسيس الدولة العراقية إذ تطرق إلى الرواد الأوائل لنشر الفكر الحديث وتشكيل الهوية المعرفية التي تعكس الفعالية البيئية لهذه التيارات الثقافية في البلاد.
إن الأدوار المهمة التي قام بها الرعيل الأول من المثقفين العراقيين مثل حسين الرحال ومحمود السيد وغيرهما، هي على نحو ما جزء من الفعالية المؤثرة في الفضاء الاجتماعي العراقي، وجانب من تبني المعرفة الحديثة على المستوى المحلي.
وإذا كان الباحث الظاهر قد أكد في مستهل محاضرته على طرح الأسئلة بوصفها مدخلاً عاماً لتحديد الهوية الثقافية وموقع المثقف منها، فأنه يقرن ربط الأسئلة وابتكارها في نظام الاستعادات وتفعيل النقد عبر جميع الصعد، على سبيل المثال، يدعو الباحث الى إقران وتفسير المنظومات الماركسية بمعطيات علوم الطبيعة وعلم الآثار، ونبذ الركود الفكري.
وفي ختام الندوة، أجاب الظاهر عن أسئلة ومداخلات الحضور الكثيرة والغنية ووصفها بانها إملاء لفراغ في ما ذكره وإضاءة لما غفلت عنه المحاضرة وقدم شكره الجزيل لحسن المشاركة والإصغاء.
من جانبه، أدار الندوة أحد ناشطي المؤسسة الأستاذ أوات محمد أمين مبيناً دور مؤسسته في تفعيل التعايش وبناء السلام كما أكد دور الثقافة في هذا الخصوص.
رضا الظاهر في كركوك: بحثاً عن تأثير نسق الثقافة في فضائنا الاجتماعي
