نساء أسسن مجلات وأقمن مؤتمرات تطالب بحقوق المرأة
تسعى الباحثة والأستاذة الجامعية اللبنانية الدكتورة ليليان قربان عقل إلى استنهاض الذاكرة العربية حول نضال المرأة في المنطقة، خصوصا من خلال رصد الصحافة المواكبة للحركة النسوية، التي عكست نضالا جديا وممنهجا بدأ قبل 150 عاما، وهو ما تعرضه في إصدارها الجديد "المرأة في النهضة العربية المعاصرة-رائدات من لبنان والمشرق" الصادر حديثا عن دار "سائر المشرق".
منذ بداياتها، جمعت ليليان قربان عقل في عدد من كتبها بين الإعلام وقضايا المرأة. فأصدرت "التضليل الاجتماعي في الشغور الرئاسي اللبناني" (2016)، و"مغتربة في وطنين" (2021)، و"لبنان الكبير في الصحافة المهجرية" (2023). "المجلة" حاورتها حول إصدارها الجديد وحول طروحات المرأة الفكرية التحررية في الأمس واليوم ودور الصحافة بين الحقبتين.
تهتمين في أبحاثك باستنهاض الذاكرة وأخذ العبر، وصولا إلى تخصيص كتابك الأخير عن النهضة النسائية في القرن 19، فما السبب؟
ما حرضني على توسيع آفاق اهتماماتي البحثية، التي توزعت بين كتابات في الإعلام والتاريخ الصحافي ودور المرأة العربية واللبنانية، هو سعي أولئك الرائدات إلى الإسهام في ترقية الوضع النسوي، اجتماعيا وتربويا، ومن ثم نجاحهن في المساهمة في النهضة الفكرية والاجتماعية، كشريك فاعل لا كضيف شرف.
يعود اهتمامي بهذه القضايا أيضا إلى محورين رئيسين: الدراسات والمقاربات الإعلامية، انطلاقا من المعطيات والمعلومات والرغبة في التقصي والكشف وحماية المعلومة، ومجاراة القضايا التي تهم الناس وتشكل محط اهتمام الإعلام وفنونه، وهذا ما حصلته في اختصاصي الأكاديمي، وفي إسهاماتي المستمرة في العمل الصحافي على مدى سنوات.
مصادر
تعودين إلى مصادر عدة منها قصاصات صحف قديمة، لتبيني الدور الريادي للمرأة، وتتوقفين مثلا عند المؤتمر النسائي في بيروت عام 1928...
الكتاب ثبت لإضمامة فكرية عن قامات نسوية تصدت لقضايا المرأة ودفعت إلى تحررها الذاتي، وتحريرها من الموروثات، وأكدت تشاركيتها العملية في صوغ الرؤى، وفعلها الميداني في تحديث المسار، ما منحها مكانة في مقامات العلم والمعرفة، وبناء الإنسان العربي على شمائل من القيم التي توازن بين أصالة الانتماء وثقافة الالتزام.
المصادر التي اعتمدتها، بعضها كلاسيكي من كتب ودراسات سابقة، فيما القسم الأكبر رصدته من الدوريات والصحف التي عاينتها في المكتبات الجامعية ولا سيما في مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت وعددها 270 صحيفة لبنانية وعربية، في حين لم أتمكن من الحصول على 27 صحيفة عربية أخرى كانت تصدر آنذاك.
هل يهدف هذا العمل البحثي وهو مسح شامل لجوانب الفكر النهضوي والنسوي في القرن 19 إلى استقاء العبر من ذلك النضال لإكمال مسيرة حقوق عالقة إلى اليوم؟
جمعت وقارنت واستخلصت وصوبت، وقدمت معلومات موثقة حول حياة كل رائدة. ولا أدعي أنني رصدت ووثقت كل المعلومات عن كل الرائدات العربيات. قبلي كتب كثيرون وبعدي سيكتب كثيرون، لكنني حاولت أن أكمل رسم صورة المرأة العربية، وسعيت إلى تأكيد أنها كانت شريكة في تأسيس ركائز النهضة العربية الحديثة ونجحت في أن تحجز لها مقاما مرموقا في النهضة والفكر النسوي.
حرصت على إبراز دور رائدات انتسبن إلى الحركة النسائية من خلال تأسيسهن صالونات أدبية كما الحال مع مي زيادة، ومشاركتهن في مؤتمرات صغيرة مهدت لإطلاق المؤتمر النسائي العام، الذي ركز على أهمية تعليم الفتيات وحقهن في العمل، إضافة إلى إطلاق صحف ومجلات كما الحال في تجربة كل من هند نوفل وماري عجمي، وهذه الأخيرة أسست مجلة "العروس"، معتمدة على المقالات الوجدانية لتمرر بين السطور هموم المرأة، كما قدمت عرضا مسهبا للتيارات الفكرية التي كانت تتناول في حينها الصراع بين التعليم والأولويات المنزلية والعائلية، مع ما رافق ذلك من دعوات لتأسيس مدارس خاصة بهن والتشجيع على تعليم النساء وعدم إبقائهن أسيرات التقاليد.
دور ذكوري؟
ما دور الرجال في تشجيع النساء على دخول المعترك الفكري ودعمهن من خلال الكتابة والتعليم وتحفيزهن على ذلك؟
فرض الواقع الاجتماعي والبيئة المحيطة بالفكر العربي في مرحلة النهوض والتحديث على مثقفين من أمثال قاسم أمين وفيليب دي طرزي وجميل بيهم وجرجي زيدان وجرجي باز وسواهم، أن يكونوا داعمين للمرأة ومساندين ومشجعين لها لكي تأخذ دورها ولا تبقى على هامش الحياة. في العراق، صدر العدد الأول من مجلة "ليلى" في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1923 وترأست تحريرها بولينا حشون لتكون المجلة النسوية الأولى في العراق، وهي صدرت في عهد ملك العراق فيصل الأول وكان لها دور بارز في نهضة المرأة العربية.
وبين مصر ولبنان، حاول سليم سركيس أن ينشىئ مجلة نسوية في بيروت ليطرح فيها قضايا المرأة، ولم يعثر إلا على قلة من الفتيات اللواتي وافقن على الكتابة خوفا من القيود المجتمعية، مما جعله يكتب باسم نسوي مستعار هو مريم زهر قبل أن ينتقل إلى مصر ليؤسس "مرآة الحسناء" عام 1896 وينسبها إلى مريم نفسها حتى نهاية 1897.
أما في سوريا، فقد عكس رئيس تحرير المجلة الشهرية "المجمع العلمي العربي" محمد كرد علي دعمه لتحرير المرأة من خلال نشر مقال في أبريل/ نيسان 1928 من خطاب أستاذ مغربي في حفلة جمعية تهذيب الشبيبة السورية في بيروت في يناير/ كانون الثاني 1928 تحدث فيه عن حياة النبي محمد وكيف ربته امرأة وما كان دورها، مشيرا إلى أنه "قد أراد النبي بتكريم المرأة، ورفع شأنها في عيون الرجال على هذه الصورة إفهامهم أن نهضته الجديدة إنما تقوم على سواعد الجنسين معا، الرجال والنساء، شأن النهضات العالمية الكبرى".
تجربة الخطاب النسوي
كيف يمكن وصف الخطاب النسوي وما أبرز محاوره وقضاياه ولا سيما في الأدب السياسي مثلا، كتجربة ملكة بارودي في سوريا أو فريدة عطية من طرابلس ومسيكه رحال وسواهن مع الأدب السياسي، وماذا بقي منها؟
الخطاب النسوي في الوضع الحالي هو خطاب وطني وسياسي يحمل قضايا عامة إلى جانب قضايا المرأة واهتماماتها، لكنه لم يعد محصورا بنطاق محدد كما كان الخطاب النسوي في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، حيث تركز اهتمام المرأة على محورين هما التحرر من القيود الأسرية وتحسين النظرة إلى المرأة اجتماعيا.
تحول اليوم الخطاب النسوي من كلام مطالب إلى كلام مواقف، وهذا ما يثبت شركة المرأة في قيادة الفكر المجتمعي وتكوين رأي سياسي له موقعه وتأثيره. ولعل اجراء دراسة مقارنة بين ما كانت عليه المرأة وما هي عليه اليوم ، يبين أنها أصبحت شريكا فاعلا في الحقوق والواجبات على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإدارية والقضائية.
رصدت سير 75 رائدة من الرائدات العربيات، كيف تعرفت الى أسماء منسية ومغبونة ومن هن؟
برز قاسم مشترك بين الرائدات أنهن كن عازبات أو مطلقات، أي أن نجاحهن جاء على حساب استقرارهن الزوجي. جمعت معلومات وفيرة عن رائدات عديدات ولا سيما عن نتاجهن الأدبي والفكري، منهن أليس أبكاريوس (1890-1942) المربية اللبنانية وسيدة المجتمع، التي أسست مع ماري كساب المدرسة السورية في الحقل الاجتماعي، حيث شاركت في الأعمال والأنشطة النسائية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وأليس البستاني ابنة المعلم بطرس البستاني (1870-1926)، التي لها رواية "صائبة" صادرة عام 1891 تناولت فيها حياة أسرة تعاني من مشكلات الزواج.
جمعت معلومات أيضا عن لويزا حبالين (1872-1931) وهي أول صحافية عربية من مدينة القاهرة، كتبت مقالات أدبية في مجلة "مرآة الحسناء" لسليم سركيس عام 1896، ومجلة "منتخبات الروايات" لصاحبها إسكندر كركور عام 1894، و"المجلة القبطية" لصاحبها جرجس عوض عام 1907.
ركزت أيضا على سيرة الرسامة مسيكة رحال المولودة في صيدا في 1889 والمتوفاة في نيويورك في العام 1943- وهذا تاريخ غير مؤكد-، وهي تعتبر أول سيدة لبنانية في أميركا الشمالية تخصصت في فن الرسم واشتهرت به، وقد ذاعت شهرتها في الولايات المتحدة وامتازت بفن الرسم الزيتي.
أردت جمع معلومات عن رائدات أخريات منهن مثلا أوليفيا عبد الشهيد عويضة دون الحصول على أيّ معلومة عن تاريخ ولادتها أو وفاتها. ويرجح أنها من رائدات الحركة الفكرية القبطية في النصف الأول من القرن العشرين، وأول فتاة مصرية تدخل الجامعة الأميركية في القاهرة وأول مصرية تسافر للتخصص في الخارح، وأول امرأة صعيدية تقيم صالونا للأدب والشعر في منزلها، عرف صالونها بـ"المعقل الأشهب"، إضافة إلى أنها اتخذت اسما مستعارا وقعت به مقالاتها الصحافية هو "الزهرة".
الصحافة إن حكت
تتحدثين عن دور الصحافة وانطلاقتها من مصر. فكيف يمكن أن نصف واقع الصحافة اليوم في ما يتعلق بإثارة قضايا المرأة وحقوقها؟
الكتاب لا يهدف للانتصار إلى واقع المرأة اليوم، بل للتذكير بنضالات المرأة العربية وإسهاماتها الفكرية والثقافية. أما السؤال الرئيس، الذي شغلني بعد إتمام الكتاب بفصوله وقضاياه، فهو كيف للمرأة ان تحضر من جديد؟ وبنيت هذا السؤال على مقارنة بسيطة، محورها أنه بين 1892 و1928 موعد انعقاد المؤتمر النسائي، صدرت نحو مئة جريدة ودورية أسستها نساء، في حين أننا بعد 123 سنة على أول صحيفة نسوية "الفتاة" لهند نوفل، لا نجد مكانا واسعا للصحافة النسوية، بطابعها الفكري والاجتماعي والسياسي والوطني. نحن نفتقد دور المرأة الإعلامية/ كمؤسسة ومديرة وإعلامية شريكة في صناعة الرأي العام.