تحصد جهاد جربوع ثمار نجاحها وهي تشاهد قرار اللجنة بفوزها بالمركز الأول عبر الهاتف المحمول، حيث تشعر بفرحة منقوصة تحتاج لإكمالها بصعودها على خشبة المسرح ورؤية الجمهور وهو يصفق لها.
رفيف اسليم
غزة ـ في الوقت الذي تحاصر به القوات الإسرائيلية فنانات قطاع غزة وتضيق عليهن الخناق بكافة الطرق، تخرج أعمالهن لتشارك في معارض دولية وعالمية لتروي عن المدينة المنكوبة الكثير من الجرائم التي تحاول "إسرائيل" التكتم عليها، والأوضاع الإنسانية الصعبة المفروضة كالتجويع والحصار والقتل والتشريد والعودة بهم لحقبة زمنية ما قبل العصر الحجري.
جهاد جربوع فنانة بصرية اختلفت تجربتها الفنية خلال الحرب عما قبلها فقد تأثرت بشكل أو بآخر بما عايشته خلال تلك الفترة الطويلة، بينما في السابق كانت تميل إلى تجربة كافة الطرق لإنتاج عملها الفني ولا تتوقف حتى تخرجه بشكل جميل تقتنع بتقديمه للجمهور مع تركيزه على الرسالة المقصودة.
تميل جهاد جربوع، لاستخدام فنون الأداة وتوثيقها بصور فتوغرافية أو الفيديو خلال فترة ما قبل الحرب متناولة عدة مواضيع منها مفهوم الوطن، الحصار المفروض على مدينة غزة منذ ما يقارب 19 عام، التهجير، وهي مواضيع متجددة في حياة الفلسطيني وتفرض نفسها بقوة والدليل المواضيع التي طفت على السطح اليوم والتي يتم ملاحظتها خاصة سياسة التجويع المفروضة على المدنيين.
ولفتت إلى أنه عندما استعرت الحرب وفقدت والدها وشقيقها ولوحاتها وأدواتها الفنية، رغبت في إنتاج عمل فني ما، ففكرت لماذا لا تستخدم اللغة؟ خاصة أنها لم تخسرها كما خسرت ريشتها وألوانها، مشيرةً إلى أنها انطلقت بتجربة التوثيق عبر كتاب متخصص أطلقت عليه "هنا حياتي" وقد خرج من سجن غزة وذهب إلى إيطاليا تحديداً مدينة ميلان، ليروي للعالم عن مفهوم التهجير وتحول حياة الفلسطيني لطوابير المياه والتكية وفقد الخصوصية في حياة الخيام.
وقد مارست جهاد جربوع نوع آخر من الفنون مثل التصوير الفوتوغرافي، الذي التقطت عدستها عبره عدة مواضيع مثل حبل تعلق عليه عدة قطع من الملابس أسمتها "الذاكرة"، حيث كانت تبحث في تلك القطع عن رائحة البيت وتسمع من خلالها صوت أباها وأخاها، وصورة أخرى تبين مدى بشاعة الطائرة الإسرائيلية المعروفة بالزنانة التي تستمر بالتحليق على مدار 24 ساعة محدثة خرق بالرأس.
وقد شاركت لوحاتها القديمة في عدة معارض دولية، أما لماذا لم تنتج لوحات جديدة، تقول إن القصف المستمر والنزوح المتواصل وانعدام الأدوات في الجنوب، عدا عن الوضع النفسي الصعب الذي يخنق سكان القطاع وسط أصوات الصواريخ والقنابل، لم يكن يسمح لها بذلك وهو ما دفعها لاستثمار قدراتها في فروع أخرى من فروع الفن.
وخرجت جهاد جربوع من تحت الركام، لكنها لم تفقد الشغف فأنتجت كتاب آخر في عام 2025 مشترك بعنوان "على قلوبهم مشوا"، لافتة إلى أنها تواجه عدة صعوبات فكل الفرص التي تسنح لها التقدم في حياتها الفنية موجودة بالخارج، وهي لا تزال تقبع في "سجن غزة" لا تسمح القوات الإسرائيلية بخروجها لتكمل قصتها هي.
وحصلت على عدة جوائز، ففي عام 2021 جنى فيديو فني حول هجرة الشباب الفلسطيني عبر البحر وكيف خرجوا للمجهول وقبلوا أن يبتلعهم البحر لينعموا بحياة طبيعية المركز الثالث، بينما في عام 2023 شاركت بمسابقة تخيل الحرية فندق الجدار في مدينة بيت لحم، وقد شارك ذلك العام عملها دونها، فيما حصل عملها "إلى أين" الذي عبر عن فقدان الفلسطيني للمطار في قطاع غزة وفكرة الطيارة تتلخص بالقتل على المركز الأول.
وكانت جهاد جربوع، في العديد من المرات تحصد ثمار نجاحها وهي تشاهد قرار اللجنة عبر الهاتف الذكي غير مصدقة أنها هي من فازت بالفعل بالمركز الأول، شاعرة بفرحة منقوصة تحتاج لإكمالها بصعودها على خشبة المسرح ورؤية الجمهور وهو يصفق لها، فحصاد أعمالها لجوائز بالخارج وهي ما زالت في غزة أمر في غاية السوء، على حد وصفها.
وقد شاركت قبل أسبوعين في معرض بمدينة بلجيكيا تحت عنوان "من أجلك يا غزة" جمع 10 فنانين كل فنان منهم عبر كيف يعيش الفلسطيني الحرب ومآسيها، مشيرة إلى أنها تعمل في الوقت الحالي على قضية الفقد عبر ترجمة تجارب الأشخاص إلى عمل فني ربما صورة أو فيديو أو لوحة.
وتقول جهاد جربوع، على الرغم من أنها فقدت بيتها ولوحاتها في شمال مدينة غزة، إلا أنه عندما سمحت القوات الإسرائيلية بعودة السكان ذهبت لترثي نفسها وأعمالها وزوايا البيت، وقد سمحت لنفسها بالبكاء والحزن الذي أجلته لعدة أشهر، مضيفةً أنها بعد خسرانها لتلك الأعمال التي أفنت سنوات عمرها الماضية في إنتاجه كون كل عمل يبني العمل الذي يليه شعرت نفسها تدمرت ويدها قد شلت، لكنها لا تزال تحاول تسلح نفسها بالأمل.