"إذا لم تتمكن النساء من رؤية وفك العقد الذي يقيد أيديهن وأقدامهن ويشدهن من عشرات الجهات، فهن لن يتمكنَّ من المشي، فضلًا عن الركض. العقد الاجتماعي لتحرر المرأة هو الركض نحو الحرية".
"أعبر عن أملي وإيماني بأنه في أرض الآلهة الأم وآلهة الحب، وبقوة الحرية والمساواة التي ضاعت عبر آلاف السنين، سيعاد خلق الجمال والذكاء في العمل والنضال المتمركز حول المرأة، وأن ما هو موجود سيكتسب الثقة بالنفس الكافية لتنفيذ العقد الاجتماعي الجديد".
في تاريخ المرأة، لم يكن هناك عقد اجتماعي، أو اتفاق، أو قانون، أو مدونة، أو قاعدة أخلاقية أو قاعدة محرمة، أو أياً كان اسمها، لم يكن يوماً ما بلا نضال ولا تعب ولا كلفة، لا في تكوينه ولا في التعبير عنه ولا في كتابته ولا في مشاركته ولا في تقاسمه ولا في إضفاء الحيوية عليه، كما أن العقد الاجتماعي الذي ستطوره المرأة في القرن الحادي والعشرين لن يكون ظاهرة بلا نضال.
حيث تهدف المرأة إلى إدامة القيم والثقافة التي فازت بها أو تريد أن تفوز بها من خلال النضال بالعقد، فالنساء لا يتخلين عن التقاليد القديمة في سن القوانين، إنهن يتمردن ويناضلن ضد القوانين المفروضة رغماً عنهن، بهذا المعنى، فإن العقد الاجتماعي للمرأة هو أولاً وقبل كل شيء إطار للنضال، ولكي نفهم المعنى التاريخي والمعاصر لهذا الإطار النضالي، سنحتاج إلى التركيز قليلاً على مكانة العقد ومعناه في تاريخ المرأة.
عندما نفكر في العقد الاجتماعي للمرأة أو العقد مع المجتمع، نفكر أولاً في بعض النصوص والمقترحات والوثائق التي كتبتها النساء في القرون الأخيرة، ومع ذلك، فإن الخلفية المسكوت عنها أو غير المفكر فيها للعقد هي تاريخ عميق الجذور حتى لو كانت غير مكتوبة وغير موثقة أو كانت النسخة المكتوبة والموثقة ناقصة جداً، في الواقع، لقد أبرمت النساء العديد من العقود مع المجتمع منذ آلاف السنين، لذلك علينا أن نلقي نظرة على حقيقة كون النساء مشرعات، والتي تم تسجيلها في التاريخ غير المكتوب ويمكن تتبعها في الأساطير، إذا لم نتتبع من هناك إلى يومنا هذا، لا يمكننا أن نشعر بعمق بتاريخية عقود النساء.
"إن الإيمان بتفوق المرأة جاء من حقيقة أن أول أرض امتلكتها المرأة وأول قوانين وضعتها المرأة، وهي أيضاً التي تعاقب، إنها التربة التي لا تشبع، وهي التي تطالب دائماً بالتضحية من أجل العطاء، لعناتها تجلب المرض، والعقم، والجفاف، والمجاعة، ويمكنها أن تدمر أقوى الرجال من الداخل بتعاويذها، الويل لمن لا يطيع قوانينها! أحد قوانينها هو قانون "النسب الأمومي"، إن قوانين شفهية (قبل الكتابة)، ولهذا السبب فإن الكلمة مهمة، الكلمة حية".
ولعل السر في تسمية قوانين المرأة، وليس دستور المرأة بل العقد الاجتماعي للمرأة، هو أن "الكلمة حية"، ففي القرن الحادي والعشرين، لم يعد للقوانين والمدونات والدساتير معنى بقدر ما كان لها من معنى في نقوش شواهد القبور التي ذبحت ودفنت لقرون، لكن في مجتمعات ما قبل التدوين، كان تقليد "العقد الطبيعي" غير المكتوب الذي يتمحور حول المرأة هو السائد، ولا يزال سمة فعالة في العديد من المجتمعات، خاصة المجتمعات الشرقية.
ولعل هذا هو ما دفع القائد عبد الله أوجلان الذي يهتم بإحياء ثقافة الآلهة الأم في المرأة، إلى اقتراح العقد الاجتماعي للمرأة على نساء العالم في 3 كانون الثاني/يناير 2001، لم يكن المهم هو أن القوانين كانت مكتوبة، بل كيف تم وضعها من قبل السلطة بناء على أي نظام من القيم.
"في تلك الأيام لم تكن هناك قوانين مكتوبة ولا أحكام وقرارات مكتوبة، لم تكن هناك أسلحة، الشيء الوحيد الذي كان موجوداً هو النفس السحري وكلمات الإلهة الأم، هذه هي السلطة الوحيدة، السجن والضرب والتعذيب لا وجود لها في المجتمع الأمومي، لهذه الأسباب، من المهم اتخاذ تدابير لمنع الأذى وتثقيف الناس أكثر من معاقبتهم، والحدود تحددها القوانين اللفظية".
عقد إنانا 104 "أنا"
من الأمثلة القوية على العقد، الذي هو مجموع العديد من الفنون الحرفية والفضائل والخصائص التي ابتكرتها النساء عبر آلاف السنين من العمل، والتي بقيت حتى يومنا هذا، وقد بقي جزء كبير منها على الألواح، هو كتاب إنانا 104 أنا، الـ "أنا" هي أيضاً قوانين وشرائع.
القوانين التي خاضت إنانا من أجلها نضالاً لا هوادة فيه هي قيم المرأة، إنها فضائل وقوانين تم تدوينها في الألواح السومرية التي تم إنشاؤها منذ آلاف السنين من التاريخ غير المكتوب، وحقيقة أنها مذكورة في الألواح السومرية لا تجعلها تنتمي فقط إلى السومريين والعقل المكتوب الذي يهيمن عليه الذكور، هذه القوانين هي الفن الذي نسجته النساء على مدى عشرات آلاف السنين في محاصيل القمح، الطاحونة اليدوية، التشييد، القرية والثورة الزراعية، إنها التعبير المؤسسي عن فنهنّ وقيمهنّ التي أوجدنها من خلال العمل.
لهذا السبب، عندما يسرقهم الإله الماكر إنكي من مدينة إنانا أوروك ويختطفهم إلى إريدو، تنطلق إنانا لإنقاذهم، وبعد جهد ونضال مضنٍ وشاق، تتغلب على ألف عقبة وتتمكن من إعادة هذه القيم.
"عندما تقول ملكة الجبل، في شخص إنانا "أعد إليّ أنا المقدسة"، نعلم أن المرأة صانعة الثورة الزراعية في العصر الحجري الحديث، تطلب قيم الخلق وأدوات الحضارة والحقوق التي حُرمت منها، كما أن نضال إنانا الذي لم يكن من السهل الاستسلام له والمليء بالحكمة، هو أمر مثير للإعجاب أيضاً".
على مدار التاريخ، كانت المرأة في موقع سن القوانين ووضع القوانين والمسؤولة عن تنفيذها في الحياة الاجتماعية، من تنظيم القوانين الخاصة بمدة الرضاعة الطبيعية إلى وقت وشكل الجماع مع الرجال، ومن تقديس الحيوانات وتحريم ذبحها إلى القوانين التي تقدس الطبيعة وتحميها، كانت المرأة هي من وضع كل هذه القوانين.
يمكننا القول إنه لفترة طويلة بعد العصر الحجري الحديث، كانت المرأة هي التي تحدد وضع القوانين، على سبيل المثال "في مصر، كان حق الميراث، مثل الحق في العرش، ينتقل من الأم إلى الابنة، كانت القوانين الأمومية للملكية غير القابلة للتصرف مثل الأرض مطلقة في جميع أنحاء مصر، عندما كانت المرأة على قيد الحياة، كان زوجها يستخدم الممتلكات أو الأرض؛ وعندما تموت، كان لابنتها أو زوج ابنتها الحق في استخدامها، وعندما أصبح الرجل فرعون، كان بإمكانه الجلوس على العرش لأن زوجته هي الوريث الرئيسي، وعندما تموت ينتقل العرش إلى ابنتها وزوج ابنتها".
ومن الممكن أن نورد أمثلة كثيرة على القانون أو القوانين الأمومية التي كانت سائدة في العصر الأموي وفي العصور الأخرى التي تلتها، فالقانون الأمومي الموجه للمرأة هو نتيجة طبيعية للنظام الاجتماعي الذي تطور حول المرأة.
لقد وضع كل نظام اجتماعي قوانينه الأخلاقية ومن ثم قانونه الخاص، وفي المجتمعات التي يسود فيها الإيمان بالإله الأم، تطورت القوانين على أساس المرأة، وبعد إنتاج الإيديولوجية الأبوية وتنظيمها كنواة للطبقة والدولة ومراكز القوى، تم تدمير الحياة والمجتمع حول المرأة، وبالتوازي مع هذا التدمير، تم أيضاً تدمير قوانين المرأة أو عقد المرأة مع المجتمع بالقوة، وفُرضت القوانين الأخلاقية الأبوية الموجهة للسلطة وقانون الدولة على النساء والأطفال والشباب، بل على المجتمع بأسره.
وإن عملية تدمير الأخلاق وسيطرة العقل-القانون الذكوري المهيمن على العقل-القانون هي فترة في التاريخ الاجتماعي يجب تحليلها بمفردها، هذه الفترة مليئة بمقاومة المرأة وتمردها.
قاومت المرأة لمواجهة خمسة آلاف عام من الهجوم
عندما تم تدمير ثقافة العقد التي أوجدتها المرأة وأبقتها حية مع الطبيعة ومع نفسها ومع الرجل ومع المجتمع، ظهر "عقد" أعرج، فإن ثقافة الاغتصاب، والابتزاز، والنهب، والكذب، والنفاق، والخداع، والخداع، والعديد من المفاسد الأخرى التي ينطوي عليها هذا "العقد" الذي ظل أعرج حتى يومنا هذا، قد تم فك رموزها من خلال نضالات النساء الدؤوبة في القرون الأخيرة، وأبرز مثال على ذلك هو عقود الزواج المزيفة المبنية على إنكار وقتل مراسم الزواج المقدسة، لقد كانت النساء يستشعرن وتشعرن بالطاقة الكامنة في جوهر وروح كل الظواهر وتشكلن الروابط وفقاً لذلك.
هذه الطريقة في الارتباط هي السائدة في مصدر عقودها مع المجتمع، لكن الأيديولوجية الأبوية أسست رابطة من طرف واحد بانتهاكها واغتصابها لروح وجوهر الكثير من الظواهر، بل إنها في الواقع قضت كل ظاهرة ترتبط بها، ولهذا السبب، فإن كلاً من العقود التي تعتبر أسلاف القانون الأبوي، والقانون الحديث نفسه ليسا سوى نقوش على شواهد قبور من قتلوهم، إنها رموز لإخفاء من قتلوهم، وفي جوهرها، لا يوجد حق ولا عدل، إنها مجرد صيغ ورموز لإخفاء العدالة والحق المقتولين، فيما يتصل بكل هذا، يمكننا أن نسمي العقد الاجتماعي للمرأة بالنضال من أجل إحياء كل القيم الاشتراكية والتحررية المفقودة.
وللأسف، أدت عملية النضال هذه إلى هزيمة المرأة، وانفراط عقدها مع المجتمع من حيث هويتها وكينونتها، وعلى الرغم من أن قوانين المرأة الأم لم تفقد صلاحيتها بالكامل، إلا أن المرأة لم تعد المشرع والمشرف على تنفيذ القوانين، وإن الخمسة آلاف سنة الأخيرة من التاريخ الاجتماعي هي تاريخ نسيان وتجاهل ومحو ذاكرة عقد المرأة مع المجتمع خطوة بخطوة.
ورأى العقل الذي يهيمن عليه الذكور كل وسيلة ممكنة لمنع تنفيذ عقد المرأة مع المجتمع على أساس الحرية، واُستخدم الدين والفلسفة والعلم، وخاصة الأساطير، لكسر سلطة المرأة في وضع القوانين ومحو القانون الأمومي، لقد كانت الخمسة آلاف سنة الأخيرة من التاريخ الاجتماعي محكومة بقوانين العقل الذكوري المهيمن على المرأة، وبمرور الوقت، تم استبدال القانون الأمومي بقانون الدولة، وتطلب الأمر نضالًا ثمنه باهظ للغاية لتمرير ولو قانون واحد بشأن حريات الفرد والشرائح الاجتماعية المختلفة والمرأة في قانون الدولة.
كيف ينبغي أن يكون العقد الاجتماعي للمرأة؟ ما هي القوانين التي تحدد حياة النساء والرجال؟ ما هي مصادرها، الثقافية، الدينية، النظام الأبوي، نظام العقلية الذكورية؟ من الذي وضع هذه القوانين؟ أي قانون تم تحديده لأي غرض؟ ربما الأهم من ذلك، كيف أصبحت القواعد أو المحظورات والواجبات قوانين؟
إن عملية تحول هذه القوانين إلى قوانين تستحق أن توضع على طاولة العقل الأنثوي المفصل والفضولي لكل المحظورات والواجبات والمحرمات التي لها أهمية حاسمة في حياة المرأة، وإذا كان شغفنا بالحرية هو في الوقت نفسه موقفنا الأخلاقي، فعلينا أن نضع على الطاولة كل القوانين التي ترهن حياتنا، وتقلبها بعض الظواهر، وتفرض علينا واجبات لا تنتهي باسم الشرف والحب والوفاء والولاء والقداسة والدين والثقافة والتقاليد، وترفع الحواجز أمام طاقتنا الإبداعية.
علينا أن نضعها على الطاولة حتى نستطيع أن نحدد لأنفسنا القوانين التي تساوي وجودنا الاجتماعي والفردي، والتي يمكن أن تؤدي إلى كينونتنا ووجودنا الحر، وحتى نستطيع أن نعقد عقدنا مع المجتمع، وبهذا المعنى، فإن تعاقد المرأة مع المجتمع على أساس الحرية يعني، أولاً وقبل كل شيء، الاعتراف بالقوانين والقوانين التي خلقت عبودية المرأة منذ آلاف السنين، والقطيعة السليمة معها، وهو الطلاق.
"بالنسبة للنساء اللاتي تعشن في العالم الحديث، هناك ظلال وطبقات من الطبيعة الذكورية التي تعتبر في غاية الأهمية، مثل وضع القواعد الفكرية وتقنين ووضع الحدود، ولا تنبثق هذه الصفات الذكورية من الشخصية النفسية الغريزية للمرأة بنفس الطريقة أو بنفس النبرة التي تنبثق بها من طبيعتها الأنثوية".
العقد الاجتماعي لتحرر المرأة هو الركض نحو الحرية
إذا لم تتمكن النساء من رؤية وفك العقد الذي يقيد أيديهن وأقدامهن ويشدهن من عشرات الجهات، فهن لن يتمكنَّ من المشي، فضلًا عن الركض. العقد الاجتماعي لتحرر المرأة هو الركض نحو الحرية، من أجل هذا يجب أن نتعلم أولاً أن نقف "إذا لم تتمكن النساء من رؤية وفك العقد الذي يقيد أيديهن وأقدامهن ويشدهن من عشرات الجهات، فهن لن يتمكنَّ من المشي، فضلًا عن الركض. العقد الاجتماعي لتحرر المرأة هو الركض نحو الحرية". ونمشي ومن أجل هذا يجب أن نفك قيودنا ونسمي هذه القيود ونفكها واحدة تلو الأخرى ونقطع تلك التي لم تُفك، يجب أن نبقى أحراراً حتى نتمكن من إنشاء عقد بين وجودنا والحرية الاجتماعية، وقد أدركت أخواتنا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر هذا الأمر واكتشفن كيف أن القوانين والمحظورات والشرائع والعادات والتقاليد والقمع الاجتماعي القائمة، كانت تكبل أيدي النساء وأرجلهن، لذلك كنّ على وعي تام بما يردنه ويطالبن به في دفاعهن عن حقوق المرأة، أو بعبارة أخرى، في عقدهن الاجتماعي.
في أنحاء مختلفة من العالم، قاومت المرأة بأشكال مختلفة ودفعت أثماناً باهظة للمطالبة بحقوقها وأخلاقيات الحرية الاجتماعية، ولطالما كان بقاء الذاكرة الاجتماعية والأخلاقية مصدر المقاومة والوجود، لهذا السبب، من المهم جداً اعتبار كل مقاومة نسائية عبر التاريخ خطوة وتطويراً للعقد الاجتماعي للمرأة، ولكن بما أن جميع الاتفاقيات المكتوبة وغير المكتوبة قد صيغت بمكر شديد على حساب المرأة وبهدف تطوير عبودية المرأة، فقد فقدت المرأة الشجاعة في التحدث باسمها والتعاقد مع المجتمع لفترة طويلة، وولدت هذه الشجاعة من جديد في أجواء الثورة الفرنسية، التي بدأت النساء فيها بالبحث عن حقوقهن الخاصة والتعبير عن أفكارهن بشجاعة أكبر.
في الواقع، يمكننا القول إنهن أردن إحياء كتاب إنانا 104 "أنا"، الذي يمكن اعتباره الوثيقة المكتوبة لعبادة الإلهة الأم، وعلى الرغم من أن العقل الذي يهيمن عليه الذكور قد وضع آلاف السنين وعقبات لا حصر لها بين هذه الـ "أنا" وبين النساء، إلا أن الذاكرة الاجتماعية للمرأة قد تم إحياؤها، وقد تعلمت المرأة بالفطرة كما تعلمت بوعيها أن المرأة والمجتمع لا يمكن أن يعيشا بدون عقد، ولهذا السبب، فقد أعلنوا ببساطة وحسم الحقوق الإنسانية الأساسية للمرأة وكيف وعلى أي مبادئ ستعيش مع المجتمع.
يمكننا أن نقرأ عمل جميع النساء اللواتي شاركن في الثورات في مختلف بلدان العالم منذ حوالي 200 عام كنوع من النضال لتجديد العقد مع المجتمع على أساس الحرية، فالتجارب المختلفة في ثورات روسيا وفيتنام وكوبا ونيكاراغوا والمكسيك وجنوب أفريقيا وفلسطين والجزائر وتونس وكردستان وغيرها من البلدان كانت إعادة تعاقد المرأة مع الرجل والمجتمع على أساس الحرية.
وعلى مدى القرنين الماضيين، منذ نضال الكاتبة أوليمب دو غوج وما بعدها، استمر نضال المرأة من أجل إعادة التعاقد مع المجتمع، مخاطرةً بأغلى الأثمان من أجل الحرية، دون انقطاع حتى اليوم، وأظهرت أوليمب دو غوج تصميمها على تحديد مبادئ العقد الاجتماعي بإرادة المرأة الحرة على حساب حياتها برفضها العقد الاجتماعي القديم الذي كان يحكم على المرأة بعدم المساواة وبواجبات الأمومة فقط بكلمات "يحق للمرأة أن تذهب إلى المشنقة، كما يحق لها أن تصعد منصة الخطابة".
عقد أوليمب دو غوج يطالب بالمساواة أمام القانون
على الرغم من أن النساء قدن الثورة الفرنسية وشاركت الآلاف فيها، إلا أن الحقوق والواجبات التي تضمنها إعلان حقوق الإنسان والمواطن، الذي أُعلن في 26 آب/أغسطس 1789، كانت صالحة فقط للمواطنين البالغين، أي الرجال، ويطالب العقد، الذي كتبته أوليمب دو غوج، بأن تتساوى المرأة في المسؤولية أمام القانون، وأن يكون للرجال والنساء واجبات مشتركة في السياسة وسن القوانين، وأن تشارك المرأة طواعية في العديد من القضايا الحيوية الأخرى الخاصة بالمرأة، منتقدةً "التحيزات الهمجية التي تجبر المرأة على إخفاء الحقيقة".
شكّل هذا الإعلان إحدى نقاط التحول الأساسية في تاريخ المرأة، فبذهابها إلى الموت من أجل الدفاع عن حقوق المرأة، غرست في آلاف النساء الشجاعة للمخاطرة بالموت من أجل الحرية والمساواة والعدالة، لقد كانت إحدى الشخصيات الحاسمة في تطوير ثقافة التعاقد، التي تحدد قواعدها وشروطها ومبادئها وتقترحها وتطرحها على جدول أعمال المجتمع من قبل النساء، بدلاً من ثقافة الاستعباد المفروضة على المرأة.
"لقد كنت أقوم بتحليل أوروبا لبعض الوقت الآن، وأتساءل ما هي العوامل التي تكمن وراء مستوى تطورها الحالي، فمع عصر التنوير، تغلبت أوروبا على ثقافة التبعية وطورت ثقافة التعاقد بدلاً من ذلك، وبالفعل في القرن الثامن عشر، وجدت هذه الثقافة مكاناً لها في العديد من المجتمعات الأوروبية، وبمرور الوقت، أصبحت الثقافة السائدة في جميع أنحاء أوروبا".
وعندما أقرأ كلمة "1700" في هذه العبارة، أفكر أولاً في أوليمب دو غوج والكاتبة ماري جين مانون رولاند دي لا بلاتير وآلاف النساء اللواتي شاركن في الثورة الفرنسية وقاتلن في كومونة باريس، وأفكر في النساء اللاتي أوجدن ثقافة التعاقد من خلال نضال لا هوادة فيه ضد ثقافة الخنوع، أي العبودية، التي شكلتها القسوة و"التحيزات الهمجية" للعقل الذي يهيمن عليه الذكور، ومن هذا المنطلق، فإن النضال الذي خاضته أوليمب دو غوج يعطي المرء الأمل في إمكانية التغلب على عبودية المرأة.
"لقد حان الوقت لثورة في أسلوب حياة المرأة. لقد طال انتظارها لتستعيد المرأة شرفها المفقود ولتمكينها، كجزء من الجنس البشري، من المساهمة في تغيير العالم" نشرت ماري ولستونكرافت كتابها "الدفاع عن حقوق المرأة" في 3 كانون الثاني/يناير 1792، أي بعد عام واحد من أوليمب دو غوج، ففي هذا الكتاب، حذرت ماري ولستونكرافت الحكومة من أن فرنسا ستظل استبدادية إذا استبعدت المرأة من الدستور الجديد، وقد برأها التاريخ، وإن أي نظام لا يُعترف فيه بالمرأة على أساس الحرية محكوم عليه بأن يصبح نظاماً فاشياً ديكتاتورياً.
وفي الوقت الذي قامت فيه الحركات النسائية بالنضال وتحقيق المكاسب، قامت الحداثة الرأسمالية، الممثل الأخير للنظام الذي يهيمن عليه الذكور، بجهد هائل لتوصيل هذه المكاسب والتنظيمات إلى الدولة ونظامها الخاص من خلال سحبها إلى نقطة ليبرالية، وقد تم تطوير هذه السياسة من خلال الدول القومية والمنظمات المدنية الدولية، وقد تم بالفعل تطوير اتفاقية سيداو داخل الأمم المتحدة كنتيجة لهذه السياسة، وبعبارة أخرى، أرادوا أن يأخذوا نتائج عمل المرأة ومقاومتها تحت سيطرتهم بوضعها تحت سقف الأمم المتحدة، لهذا السبب، مع احتضاننا لمقاومة المرأة ومكاسبها النامية، من المهم أن نرى ونميز أبعاد هذه المقاومة المندمجة في النظام الرأسمالي الذي يهيمن عليه الذكور.
"إن تحويل التنوير الذي تعيشه النساء في واقع الشرق الأوسط إلى بناء اجتماعي متجذر في الثقافة الديمقراطية، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عقد اجتماعي تشارك في صياغته مختلف الفئات المجتمعية"
لقد نمت الحركات النسائية التي قاومت وناضلت من أجل الحرية الاجتماعية وحرية المرأة، وعملت على تطوير عقدها الاجتماعي مع المجتمع دائماً. وهناك أمثلة بارزة على ذلك في القرن العشرين، مثل القوانين الثورية للنساء التي وضعتها النساء المناضلات ضمن صفوف الجيش الزاباتي للتحرير الوطني، فقد صاغت هذه القوانين بعد التشاور مع المجتمعات المحلية حول أوضاع النساء. وقد حددت هذه القوانين الإطار الأساسي للعقد الاجتماعي للمرأة، استنادًا إلى حقوقها في العمل والأجر العادل، واتخاذ القرار بشأن عدد الأطفال، والتعليم، وعدم التعرض للعنف، والقيادة. كذلك، كانت القوانين التي طورتها النساء الفلسطينيات والتونسيات ذات أهمية كبيرة".
وفي القرن الحادي والعشرين، أصبح من الضروري إعداد عقد اجتماعي للمرأة مع المجتمع، مستنداً إلى التجارب التاريخية التي راكمتها النساء عبر العصور، وذلك من أجل وقف عمليات الإبادة الاجتماعية والنسائية التي نشهدها اليوم.
ففكرة العقد الاجتماعي للمرأة، الذي بدأت بجهود القائد عبد الله أوجلان عام 2001، داعياً النساء إلى تطوير عقد اجتماعي يوازي "العقد الاجتماعي" لجان جاك روسو، لكنه خاص بتحرر المرأة. تعتبر هذه المبادرة استمراريةً لإحياء وتحديث تقاليد المرأة المتعلقة بالعقود الاجتماعية عبر العصور.
يُنظر إلى هذا العقد باعتباره ضرورةً عالمية تتجاوز حدود كردستان وتركيا، ليكون أساساً لنضال النساء في جميع أنحاء العالم. في سياق الواقع الاجتماعي للمرأة في الشرق الأوسط، يُشدد على الحاجة إلى تحويل هذا الوعي إلى بناءٍ مجتمعي ديمقراطي يشمل شرائح مختلفة عبر اتفاق واسع. يُعد نضال المرأة التحرري في القرن الحادي والعشرين المرشح الأقوى لتطوير هذا العقد.
كما تتطرق الفقرة إلى فكرة "نهضة المرأة"، التي بدأت بالظهور في أوائل الألفية الجديدة ضمن الحركة الكردية لتحرير المرأة، حيث اكتسبت النساء وعياً أعمق بالهوية الذاتية وحقوق الدفاع عن النفس. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا العقد يرتبط بمجموعة من المفاهيم الأساسية مثل نظرية القطيعة، النظام القائم على المرأة، مشروع تغيير الرجل، أيديولوجية تحرير المرأة، علم المرأة (Jineolojî)، الطلاق اللانهائي، المساكنة الحرة، والرئاسة المشتركة، حيث تهدف جميعها إلى القضاء على عبودية المرأة وتمكينها من المشاركة الحرة والمتساوية في كل مجالات الحياة. يستهدف هذا العمل توثيق وترسيخ جميع الإنجازات والمكاسب التي تحققت خلال 18 عاماً من النضال، مما يساعد في حماية هذه الديناميكيات وتقنينها ضمن إطار اجتماعي شامل.
ما نوع العالم الذي نريد أن نعيش فيه؟
العقد الاجتماعي للمرأة هو محاولة لصياغة إجابات على سؤال "أي نوع من العالم نريد أن نعيش فيه؟" من جانب المرأة بكل أبعاده، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والعلاقات بين الجنسين، إنه شكل غني ومتعدد الأوجه من أشكال النضال، إنه يقوم على نقد قوي للعصر والنظام الذي نعيش فيه، وفي الوقت نفسه، فهو يحلل البنية الاجتماعية ويحدد من خلال المناقشات الشجاعة كيف، ومع من، وعلى أي مستوى، وبأي وسائل وأساليب يمكن خلق خيار حياة بديلة.
إنها خريطة طريق تهدف إلى التغلب على القوانين المعطاة التي لا تعترف بإرادة المرأة، ويهدف إلى قيادة الطريق في إنهاء ثقافة العنف والخنوع وتطوير ثقافة التعاقد، إنها تجعل قيم المرأة ديناميكية ومرنة من أجل دولة أقل وحرية أكثر وسلام اجتماعي، فهو الإطار التعاقدي للحياة الحرة، وفي جوهره، العقد الاجتماعي هو الفهم لمبادئ الحياة التي تشترك فيها جميع النساء اللواتي ترغبن في الحرية، وبهذا المعنى، فهو ليس مجرد خطوة عملية سياسية وتكتيكية، بل هو في جوهره نص لثقافة مصالحة ديمقراطية قائمة على القيم التحررية وتشمل قطاعات واسعة من المجتمع، ومن الواضح أن إطار الحياة الحرة، الذي هو طموح أوسع شرائح المجتمع، لا يمكن تحديده بعقد واحد محدد مسبقاً.
ولا يمكننا أن نفكر في العقد الاجتماعي للمرأة وأن نتعامل معه بمعزل عن تاريخ المرأة وثورة المرأة، كما أنه لا يمكننا أن نتعامل معه ونجعله حيوياً، من المهم أن نناقش هذه المجالات الثلاثة ونفهمها بطريقة شمولية، في علاقة بعضها ببعض، بجوانبها التي تؤثر وتتأثر، ومن المهم أن نفهم مكانة العقد الاجتماعي في تاريخ المرأة والعقود الاجتماعية النسائية في التاريخ الاجتماعي.
وفي الوقت نفسه، فإن مكانة ثقافة العقد وأثرها في الثورات النسائية عبر التاريخ موضوع مختلف للبحث والتحليل، فالثورات النسائية هي نتاج فكر المرأة وقوتها العاطفية التي تستطيع أن تعقد عقداً مع المجتمع على أسس صحيحة، فإن الثورة النسائية الأولى، التي يمكن أن نسميها أيضاً ثورة القرية، أو الثورة النيوليتيكية أو الثورة الزراعية، هي بالتحديد ثورة من هذا القبيل، وعندما أقوم بتحليل التطورات التي تميزت بها المرأة في التاريخ الاجتماعي، لا يسعني إلا أن أفكر "يا لها من ثقة بالنفس رائعة وخلق ذاتي وخلق مجتمع حول المرأة، يا له من عقد هادف، مباركة وجود المجتمع في إبداعه الخاص".
"يندهش المرء، ثم يتبادر إلى ذهنه سؤال لماذا لا نستطيع أن ندرك ذلك الآن أو اليوم، وأنا أبحث عن الإجابة، أصل مرة أخرى إلى تاريخ المرأة وثورتها والعقد الاجتماعي للمرأة، فمن الصعب جداً أن نفهمه دون معرفة تاريخها والثورات التي قامت في تاريخها والعقود التي يقوم عليها كلاهما، لهذا السبب على جميع الحركات والشخصيات النسائية التي تقوم وتهتم بعمل العقد الاجتماعي للمرأة في القرن الحادي والعشرين أن تقوم بكتابة تاريخ المرأة وثورة المرأة مع العمل التعاقدي، ولأنه "من المستحيل تحرير الحياة بدون ثورة نسائية جذرية، وبالتالي بدون تغيير في عقلية الرجل وحياته، لأنه من دون تحرير المرأة التي هي العنصر الأساسي في الحياة، ستبقى الحياة سراباً دائماً".
من لا يمكن أن يكون xwebûn (الاستقلالية) لا يمكن أن يكون له جماليات وأخلاقيات
يقوم العقد الاجتماعي للمرأة أولاً وقبل كل شيء على الفرد والمجتمع الحرين، لهذا السبب، فإن تطور وحرية الفرد الذي أقام الرابطة الصحيحة مع مجتمعه هو محور أساسي في العقد الاجتماعي للمرأة، وبعبارة أخرى، أن تكوني xwebûn بالكردية، وبالنسبة للنساء، أن تكوني xwebûn هو أيضاً أساس الأخلاق والجماليات، من لا تستطيع أن تكون xwebûn لا يمكن أن يكون لها جماليات وأخلاقيات، لذلك، لا يمكن أن يكون لها عقد مع المجتمع، وفي هذا الصدد، ينبغي أن يتضمن البند الأول من العقد الاجتماعي عقد المرأة مع نفسها، فبدون كتابة هذا البند وتنفيذه بجدية كبيرة من قبل النساء، يستحيل أن يكون للمرأة عقد مع المجتمع، فإن خميرة ثقافة المرأة الأم هي المرأة الأم الواعية بذاتها ومجتمعها.
فإذا كانت المرأة قد بنت المجتمع وأدارت المجتمع لآلاف السنين، فذلك لأنها كانت تتمتع بوعي قوي جداً بذاتها، لقد حافظن على أنفسهن وأطفالهن وبقية المجتمع في مواجهة الظروف الطبيعية القاسية وأنسنتهن وأضفين عليها طابعاً اجتماعياً، ولم يحدث ذلك عن طريق الصدفة أو الممارسات العشوائية، فقد تحقق ذلك من خلال القوانين، أي العقود، التي تضمنت أيضاً المحرمات والمحظورات وما إلى ذلك، وقد تحقق ذلك من خلال ثقافة العقود التي أوجدتها المرأة دون تجاهل اجتماعية لطبيعتها ووجودها واجتماعيتها التي كانت واعية بها ومستوعبة لها.
وفي الوقت الذي تتطور فيه التنشئة الاجتماعية في ظل قيادة المرأة، فإن عقل المرأة حاسم أيضاً في تمجيد المجتمع لها، وفي الوقت الذي تقدس فيه المرأة نفسها وشخصها، فإنها تعي ذاتها، كما إنها مدركة لكل الروابط بين وجودها وبين المجتمع والطبيعة، وإنها واعية بقيادة المرأة وحتميتها وهي تعلم المجتمع اللغة، والزراعة، والحصاد، والحماية، والجماع، ومع ذلك، وخلال آلاف السنين من قيادة المرأة للمجتمع، لا يمكننا أن نتحدث عن إساءة استخدام المرأة لهذه القيادة على حساب المجتمع أو نيابة عن أفراد المجتمع، وخلق سلطتها الخاصة وقمع المجتمع، وهذا يعني أن المرأة قد حلت التناقض بين كونها في السلطة وكونها حاكمة وطورت عقودها وفقاً لذلك.
وإذا كان جوهر هذه العقود ظل دائماً اجتماعياً، فإن هذا يرتبط باختيار المرأة بين السلطة الطبيعية والهيمنة، فقد اتخذت هذا الخيار كقطيعة مع السيادة، ومرة أخرى، لقد تعاقدت أولاً مع نفسها، ومرة أخرى، لو لم تكن العقود الداخلية للمرأة فيما يتعلق بالقطيعة مع فرديتها قوية، لما تطورت الاجتماعية.
كما انقلبت ثقافة الآلهة الأم رأساً على عقب، إذا ما انتبهنا إلى أن القوانين أو العقود التي تتم في شخص الذكر المهيمن والذكورة دائماً ما تكون في المقام الأول حول تأمين مكانته الخاصة تجاه المجتمع، فوفقاً لأسطورة الخلق البابلية، فإن مطالبة مردوخ بإعطائه صلاحيات 50 إلهة من آلهة البانتيون مقابل قتل تيامات هو تكريس لتقليد العقد المعادي للمجتمع، وبما أن المرأة كانت ضحية هذه المأسسة منذ التاريخ وحتى يومنا هذا، يجب على العقل النسائي أن يبحث في بدايات العقد الاجتماعي للمرأة، وجذوره التاريخية، وتقاليده، وأين وكيف تم ضربه، حتى يتمكن من تطوير عقد اجتماعي سليم في القرن الحادي والعشرين، والشرط الأول لذلك هو معرفة معنى وقوة عقد المرأة مع نفسها تاريخياً وحالياً، في العديد من بلدان العالم، يكون عدد النساء المقتولات في نهاية العام بالمئات، فكل يوم تقريباً تُقتل امرأة في كل بلد، وحقيقة أن المرأة لا تدرك أو تنسى عقدها مع نفسها هي أيضاً عامل مهم في ذلك.
ووفقاً للتقاليد الاجتماعية، أينما يتم رمي الحبل السري بعد ولادة الطفل، فإن مصير الطفل سيكون نفسه، فعلى سبيل المثال، إذا أردت أن يصبح طفلك معلماً، فإنك تدفن الحبل السري في حديقة المدرسة، وإذا أردت أن يصبح طفلك طبيباً، فإنك تدفنه في حديقة المستشفى، ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن مصير الأطفال هو كيفية تربيتهم، والتعليم الذي يتلقونه، والثقافة التي يتلقونها، خاصة الفتيات، مصيرهن هو هذا التعليم، لأنه مع التربية الأولى، تتشكل الذات والوعي والعقد الذاتي وما إلى ذلك، ويعيشون حياتهم وفق هذا العقد، ويتشكل التمرد والثقة بالنفس، وقوة اتخاذ القرار، والإحساس بالعدالة، واحترام الحب وغيرها من المعايير الأخلاقية الأساسية في يد هذه التربية الأولى.
وباختصار، فإن قدرة المرأة على إبرام عقد مع نفسها والالتزام به إما أن تكون ضعيفة أو مشجعة في هذه التنشئة الأولى، بعد سن معينة تقول كل امرأة "سأفعل كذا، لن أفعل كذا، سأحب رجلاً بهذه الصفات، لا يمكن أن أكون مع رجل بهذه الصفات، سأكون إنسانة صالحة، سأكون مفيدة لمجتمعي، سأكون طبيبة أو معلمة أو مهندسة أو طبيبة نفسية، هذه المطالبات والقرارات هي في طبيعة عقد للمرأة، عقد مع نفسها! تعاقدها مع المجتمع يعتمد على ثباتها ونجاحها في تعاقدها مع نفسها، وبهذا المعنى، فإن القاعدة الأساسية لحرية المرأة في القرن الحادي والعشرين هي أن تكون المرأة نفسها وتتعاقد مع نفسها بحرية".
وإن المجتمع الحالي هو مجتمع تم القضاء عليه ويجري القضاء عليه، إنه "مجتمع العرض" للحداثة الرأسمالية التي أُزيلت من كينونتها، حيث تعاني الطبيعة الاجتماعية من فوضى عميقة، إنها مهمة حيوية وصعبة للغاية بالنسبة للمرأة أن تحقق عقدها مع المجتمع بشكل صحيح من أجل التخلص من هذه الفوضى، ومع ذلك، لا غنى عنها، وفي الوضع الراهن، لا يمكن تحقيق عقد المرأة مع المجتمع أو العقد الاجتماعي إلا مع المرأة التي تستطيع قيادة المجتمع في الاتجاه الصحيح، وهذا ممكن مع الأفراد الذين استطاعوا أن يؤسسوا فرديتهم بالتوازن مع الاجتماعية بشكل متين وحر، وبعبارة أخرى، إذا كررت، فإن ذلك ممكن مع واقع المرأة التي أبرمت عقداً متيناً مع نفسها.
نظرية القطيعة صحيحة وضرورية للغاية
ما هي المبادئ الرئيسية لعقد المرأة مع نفسها؟ يمكننا كتابة العديد من المواد فيه، وإذا استطعنا أن نقرأ تاريخنا الذي يمتد لآلاف السنين والتاريخ الحديث قراءة صحيحة فلن نجد صعوبة في كتابة هذه المواد، على المرأة التي ستعقد عقداً مع نفسها أن تعي نفسها أولاً، وتحدد اسمها وأهدافها وأساليبها، ولكي تتحرر يجب أن تكون مستقلة، ولهذا يجب أن تختبر قطيعة جذرية مع عبودية الأنثى وهيمنة الرجل، وهذا يعني أن الربع الأول من القرن الحادي والعشرين يعلمنا أن نظرية القطيعة، التي كانت إحدى أطروحات التحرر الرئيسية على جدول أعمال حركة تحرير المرأة في عام 1996، صحيحة وضرورية للغاية.
في الواقع، يحتوي العقد الاجتماعي للمرأة على مبادئ ماذا وكيف ومتى ولماذا تنفصل أو تتحد عندما يحين الوقت، والسبب الرئيسي لكثير من المذابح التي تتعرض لها المرأة اليوم هو أن المرأة أصبحت في غربة شديدة عن هذه القدرة التقليدية على اتخاذ القرارات، وإظهار إرادة الانفصال والاتحاد، فعلى سبيل المثال، إذا عقدت المرأة عقداً مع نفسها في قضايا أساسية مثل احترام نفسها، وحب نفسها، والكفاح من أجل أن تكون نفسها، وتقوية قدرتها على اتخاذ القرار باستمرار والقدرة على الإرادة، فلا يمكن لأي رجل أن يدمرها أو يطلق عليها النار أو يأسرها.
فالمرأة التي تعيش الأيديولوجية الليبرالية لا يمكنها أن تنقذ المجتمع والأنوثة التي تقتلها هذه الأيديولوجية كل يوم، ففي عالم يعيش فيه الملايين من الناس في جوع وهجرة وانعدام أمن، لا يمكن للمرأة التي لا تطلق أنانيتها أن تصنع عقداً اجتماعياً يمكن أن يشفي آلامهم، وحتى لو فعلت ذلك، لا يمكنها الدفاع عنه بعزم وإرادة تخاطر بالذهاب إلى المقصلة مثل أوليمب دو غوج، كما لا يمكن لأي قوة نسائية منظمة أن تطبق العقد الاجتماعي على أساس الحرية دون التصميم على الطلاق من واقع أن جميع أنواع العلاقات، بما في ذلك "الجنسانية بين الرجل المهيمن والمرأة المذكر المستسلمة له بالكامل"، تدمر وتستهلك وتشوه المجتمع والمرأة والرجل.
بهذا المعنى، فإن إحدى القواعد الأولى لتعاقد المرأة مع المجتمع هي "عدم المغامرة في مجالات اجتماعية غير آمنة دون ضمان الدفاع عن النفس" ففي آلاف السنين من التاريخ الاجتماعي، المرأة التي تستطيع أن تحمي نفسها وتدافع عنها، التي تستطيع أن تمسك بيدها سلطة الحياة والموت، التي تستطيع أن تعطي الحياة وتنتج، التي تستطيع أن تبدع، هي التي صنعت العقد الاجتماعي.
ولن يتوج أي مجتمع المرأة التي تُذبح فيه بسهولة، والتي لا تعترف بنفسها، ولا تملك القدرة على اتخاذ القرارات الخاصة بها، لن يقبلها المجتمع كإلهة ولن يطبق العقد الاجتماعي أو القوانين التي أعدتها، وإذا كان العقد الاجتماعي قد تطور وعاش في ظل تصميم المرأة لعشرات الآلاف من السنين، فقد كان ذلك ممكناً أولاً وقبل كل شيء مع واقع المرأة التي تخلق نفسها وتدافع عنها، لقد أصبح ذلك ممكناً بفضل القوة المؤسسية للمرأة التي نظمت كل قدرات المرأة ووضعتها في خدمة المجتمع إلى الحد الذي يجعلها قادرة على الإمساك بمفاتيح الحياة والموت، الحرب والسلام.
في هذه الفترة التي يحتاج فيها العالم والمنطقة وكردستان إلى بناء حياة جديدة مبنية على قيم الحرية والديمقراطية، نحن أمام مهمة تجديد العقد الاجتماعي للمرأة، لقد آن الأوان لوضع عقد متين يقترح حلولاً للاحتياجات الملموسة والمشاكل الاجتماعية الأساسية للمرحلة التي نعيشها، بقيادة النساء وبالشراكة مع شرائح اجتماعية واسعة، وإن هزيمة النساء اللاتي يعقدن العقود ويضعن القواعد والقوانين ويطورن القانون القائم على الأخلاق حولهن قد أفقد المجتمعات كلها العقود والاتفاقات والمفاوضات والاستماع إلى بعضهن البعض وفهم بعضهن البعض والعديد من القيم الأخرى على مر الزمن، وبهذا المعنى، فإن العقد الاجتماعي للمرأة أو عقد المرأة مع المجتمع هو أولاً وقبل كل شيء استعادة هذه القيم، إنه عقد سلام "ما لم يتصالح الرجل مع الحياة والحياة مع المرأة، ستكون السعادة أضغاث أحلام. والحقائق الاجتماعية للمرأة والحياة الحرة لا حدود لها".
"يمكننا أن نرفع نضالنا الواعي والمنظم ضد التقاليد الرجعية"
بهذا العقد، سنكون قادرين على المطالبة بقوة أكبر بتاريخنا وتقاليدنا القائمة على المجتمعية، وواقعنا الذي يخلق الأنسنة والتنشئة الاجتماعية، يمكننا أن ننقذ تاريخنا وذهنية الإنسانية، التي شكلتها قيم المرأة والمقاومة المجتمعية للإنسانية، من أكاذيب الذكورة المهيمنة، كما يمكننا أن نضع حداً للاغتصاب والتحرش والقتل والإهانة التي يفرضها الرجال على النساء يومياً، وأن نعيد كتابة مضمون العديد من المفاهيم مثل الديمقراطية والمساواة والحرية والأنوثة والرجولة والحب والعشق وغيرها من المفاهيم في تاريخ الإنسانية والأنوثة، ويمكننا تغيير التشويهات والعقلية السيادية والأحكام القيمية في السرديات التاريخية، وأن ننهض بنضالنا الواعي والمنظم ضد التقاليد الرجعية من خلال إحياء أخلاقيات الحرية والنسيج السياسي للمجتمع، بهذه الطريقة، يمكننا أن نوقف الهجمات الرجعية المفروضة على المرأة مثل زواج القاصرات وقتل الإناث والزواج القسري وختان الإناث وتعدد الزوجات، يمكننا أن نؤسس مجتمعاً قائماً على الحرية بين الجنسين حيث يرتبط الجنسان على قدم المساواة والحرية، وأن نربي أطفالنا بحرية أكبر وأقوى، وأن نشعر بكبار السن، حكماء مجتمعنا، بشكل أعمق ونتعاطف بشكل أقوى مع ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويمكننا أن نحدد بحكمة وشجاعة على أي أساس وكيف سنواجه المجتمع والحياة، وكيف سننجح في حل المشاكل الاجتماعية وكيف سنكافح ضد العقبات التي تعترض سبيل الحرية، يمكننا أن نكتب القوانين الخاصة بكيفية الاعتراف بأن الاقتصاد هو المهنة الرئيسية للمرأة وكيفية ممارسة هذه المهنة من جديد، كما يمكننا تجديد عقد الحكمة الذي سيجعل من المرأة معالجاً من جديد لنفسها ولأطفالها ولمجتمعه، وأن نحيي إلهة العدالة ونعيد كتابة قواعد شفاء ضمير المرأة والمجتمع، بعبارة أخرى، يمكننا أن نحدد نوع العالم والبيئة والفلسفة والأخلاق والثقافة التي نريدها في جميع مجالات الحياة من خلال إعادة التعاقد مع المجتمع على أساس الحرية، ويمكننا تغيير الذكورة السائدة والمجتمع المتحيز جنسياً على هذا الأساس، وأن نعزز بدائلنا للدساتير الأبوية للأنظمة الذكورية، وتحديث قانون الأمومة الذي حكم المجتمع لعشرات الآلاف من السنين وتطوير قوانين المجتمع الديمقراطي بأخلاق الحرية، حيث يهدف كتاب "العقد الاجتماعي للمرأة" إلى إعادة تفعيل الأخلاق الاجتماعية والسياسة ضد القانون المتحيز ضد المرأة الذي وضعه النظام الذي يهيمن عليه الذكور منذ 5000 عام، ولهذا الغرض، فإنه يهدف إلى إخراج المرأة، التي هي مصدر الأخلاق، من الأوضاع الاجتماعية التي تسجنها فيها القوانين المتحيزة جنسياً وإعادتها إلى موقع الريادة في الحياة الحرة.
ويحدد هذا العقد الشروط التي يتم في ظلها تفعيل الدفاع الذاتي للمرأة والمجتمع، وأي المواقف والمقاربات والأحداث والظواهر التي يتم تجريمها، إن العملية الثورية في إقليم شمال وشرق سوريا مليئة بالأمثلة الصارخة على كيفية اتخاذ النساء للقرارات في ظل أي ظروف، خاصة في مواجهة وحشية منظمة مثل داعش، حيث نجحت النساء في أن تصبحن قوة الحياة والدفاع عن النفس ليس فقط للنساء بل للمجتمع من خلال وحدات حماية المرأة، لهذا، ألهمن نساء أفغانستان اللاتي تعشن في ظل أقسى ظروف الحرب منذ سنوات لتأسيس منظمات الدفاع عن النفس، وإن التنوير النسائي في الشرق الأوسط الذي كانت رائدته الفلسطينية ليلى خالد وليلى قاسم من كردستان يتحول إلى تنوير نسائي عالمي.
سيصل العقد الاجتماعي للمرأة، كبيان حرية المرأة في القرن الحادي والعشرين، إلى مداه الحقيقي بالشراكة مع نساء العالم، وستضع المرأة قوانينها الخاصة بها من جديد، كما في المجتمع الطبيعي، وتحرر المنطقة التي أبرم فيها العقد الاجتماعي مع المرأة لأول مرة، وسيتحقق السلام الاجتماعي والمصالحة الاجتماعية التي تليق بالأراضي الخصبة التي يرويها دجلة والفرات من خلال تطوير العقد الاجتماعي مع النساء، فقد كانت بلاد ما بين النهرين أول مكان تطورت فيه ثقافة العصر الحجري الحديث وقانون الأمومة والحياة الاجتماعية الطبيعية حول المرأة، وأيضاً تطورت الثقافة الذكورية المهيمنة ونظامها الهرمي لأول مرة، فنحن نساء بلاد ما بين النهرين، اللاتي تعانين من التناقضات العميقة لهذا الواقع، سنخلق خياراتنا للحل بإرادتنا وقرارنا وقوة نضالنا دون أن نتركها للحكام والأنظمة، سوف نتغلب على العقلية القمعية المهيمنة في الشرق الأوسط والعالم والقائمة على الهيمنة الجندرية بتنشئتنا الاجتماعية البديلة.
عندما نطالب بأبسط حقوقنا التي حصلنا عليها من خلال النضال، نتعرض للضرب، والاعتقال، والاغتصاب، وحتى القتل، ما هو
الشعور الذي ينبغي أن تولده كل هذه الأشياء في داخلنا؟ إلى أي أفكار وأحلام يجب أن تدفعنا برأيك؟
القانون، الكلمة، والعقد الاجتماعي توجد قبل جميع القوانين المكتوبة، وتتشكّل بالعرق والدم، كانت محفوظة في ذاكرة المجتمع الإنساني، ومحمولة في القلب والروح، تتشكّل وتنفذ بيد الأم، بلغتها، وبعدالتها، كان الرجال والنساء، يعيشون وفقاً لقانون الأم التي اكتشفت الكلمة واللغة، وجعلتها مقدسة وحيوية، ووضعت القوانين، وكانت تستطيع أن تستعيد الحياة التي منحتها بقوانينها، وكانت هي من يعقد الاتفاقيات، من خلال اجتماعيتها كأم، والزواج المقدس، وقوانين الإلهة، وبعد تطوير الكتابة، نُقلت وتُرجمَت أحكامها، مقدساتها، قوانينها وتشريعاتها، وعلى مدى قرون، حتى بعد تدوين القوانين والكلمات والعقود، بقي الحكم لفترة طويلة في يدها.
وعلى مدى فترات طويلة من تاريخها، حكمت جميع المجتمعات بقانون النسب الأمومي، لقد امتد جزء كبير من تاريخنا الاجتماعي على شكل قوانين غير مكتوبة لكنها قوية، بأعراف شفوية وعقود لم تُدوَّن، لم تكتفِ النساء بوضع القوانين، بل أنشأن أيضاً التنظيمات وآليات الرقابة لضمان تطبيقها، ولكن مع انهيار النظام الاجتماعي القائم حول المرأة-الأم، وبناء مجتمع قائم على الهيمنة الذكورية، تآكلت تدريجياً سلطة النساء في التشريع، وسن القوانين، والرقابة عليها، وعملت الهيمنة الذكورية على ترسيخ سلطتها وإدامتها من خلال الاستيلاء التدريجي، بالقوة والخداع والمؤامرات، وعلى الدور التشريعي والتنفيذي الذي كانت المرأة-الأم تمارسه في مجتمعها، وبعد السيطرة على هذا الدور، طوّرت السلطة الذكورية الفكر والسياسة لضمان عدم فقدانها لهذه القوة.
خلال الخمسة آلاف عام الماضية، وربما قبل ذلك، بدأت القوانين المكتوبة وغير المكتوبة، بما في ذلك العديد من التقاليد والمعتقدات الدينية والقيم الاجتماعية، تهيمن على حياة النساء، حيث سُعي إلى محو وإعادة تفسير عقود النساء الاجتماعية التي امتدت لآلاف السنين، مما أدى إلى حرمانهن من حقوقهن وقوانينهن عبر النصوص القانونية والدينية، حتى في القانون العالمي الحديث، تطلب الأمر كفاحاً طويلاً وشاقاً لتأمين بعض الإصلاحات المحدودة لصالح النساء، ولم تُمنح هذه الحقوق كهدايا، ولم تُهدَ إلى النساء كما يُصور أحياناً، بل كانت نتيجة نضال صعب، ومع ذلك، فإن العديد من الدول لا تزال غير متسامحة مع هذه الإصلاحات المحدودة وتسعى، كلما سنحت الفرصة، إلى التراجع عنها.
"أمثلة من الدول على اضطهاد النساء"
لنقدّم بعض الأمثلة الملموسة عن هذا الواقع في السنوات الأخيرة، حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1979 اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، والتي تلزم الدول بالقضاء على التمييز ضد المرأة، ومع ذلك، تُنتهك هذه الاتفاقية عملياً من قبل العديد من الأنظمة عبر تحفظات مختلفة.
اتفاقية إسطنبول، التي تهدف إلى منع العنف ضد المرأة وحماية الضحايا، تم فتح باب التوقيع عليها في عام 2011 من قبل مجلس وزراء مجلس أوروبا في إسطنبول، وكانت تركيا أول دولة تصادق عليها، إلا أن رجب طيب أردغان ألغى الاتفاقية رسمياً في 20 آذار/مارس 2021.
وفي مثال أخر، احتوى دستور العراق لعام 2005 على بعض المواد التقدمية بشأن حقوق المرأة، لكن التعديلات التي طالت قانون الأحوال الشخصية في 2024-2025 شكلت تراجعاً، حيث جعلت هذه التعديلات حقوق المرأة تحت رحمة البُنى الطائفية وحددت سن الزواج بـ 9 سنوات، كما منح القانون حضانة الأطفال للأب في حالة الطلاق، مما أضعف مكانة المرأة داخل الأسرة، وقد واجهت هذه التغييرات انتقادات وتحذيرات جدية من منظمات حقوق المرأة، ونشطاء حقوق الإنسان، والبرلمان الأوروبي، لكن مدى تأثير هذه الانتقادات لا يزال موضع شك.
أما تونس، فقد اتخذت خطوات متقدمة نسبياً في المنطقة عبر قانون الأحوال الشخصية لعام 1956، حيث حظر تعدد الزوجات وعزّز حقوق المرأة في الزواج والطلاق، كما نص الدستور التونسي لعام 2014 في المادة 46 على إلزام الدولة بضمان حقوق المرأة، تحقيق المساواة بين الجنسين، تعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية، حماية حقوق المرأة، ومنع العنف ضدها.
لكن تونس أيضاً لم تكن بمنأى عن التراجع الذي شهدته دول عديدة، فقد ألغى الرئيس قيس سعيد في عام 2022 عدة مواد من دستور 2014 أو جعلها غير فعالة، مما وجه ضربة لحقوق المرأة، خاصة فيما يتعلق بمشاركتها السياسية، وأبعدها بشكل كبير عن المجال العام والسياسي، وهذا التراجع يمثل تهديداً كبيراً للمكاسب القانونية التي حققتها النساء.
وفي مصر، أدخل دستور 2019 تغييرات تقدمية فيما يخص التمثيل السياسي والقانوني للمرأة، أدوارها في القضاء، قانون الأسرة، منع العنف ضد المرأة (بما في ذلك تشويه الأعضاء التناسلية)، وتعزيز مكانتها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة في التطبيق بسبب تأثير التقاليد الاجتماعية والبنية الثقافية والمعتقدات الدينية، علاوة على ذلك، فإن هذه الإصلاحات الإيجابية، التي ظهرت بموافقة الذهنية الذكورية السلطوية، يمكن أن تُلغى بسهولة بنفس العقلية المسيطرة.
أما في نيجيريا، حيث لا يزال دستور 1999 ساري المفعول، فالمادة 42 تنص على عدم التمييز على أساس الجنس، لكنها لا تعتبر المساواة بين الجنسين مبدأً أساسياً، حيث لا تزال حقوق المرأة في الإرث، الزواج، الطلاق، وحضانة الأطفال تخضع إلى حد كبير إما للتقاليد أو للقواعد الدينية التي تميل ضد النساء. وعلى الرغم من أن نيجيريا صادقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) منذ عام 1985، إلا أنها لم تُدمج في قوانينها المحلية بشكل فعال.
أما السودان، فلا يملك حالياً دستوراً دائماً، ومنذ عام 2019، يُدار من خلال بعض الترتيبات المؤقتة، وينص دستور السودان المؤقت لعام 2019 في المادة 7 على المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون بغض النظر عن الجنس، إلا أن هناك عقبات كبيرة في الواقع العملي، فعلى الرغم من حظر ختان الإناث رسمياً في عام 2020، إلا أن هذه الممارسة لا تزال مستمرة فعلياً في السودان، كما هو الحال في دول أخرى، تفرض العوامل الدينية والثقافية والتقاليد قيوداً كبيرة على حقوق المرأة.
وبعد سقوط نظام القذافي في عام 2011، لا تزال ليبيا تعاني من عدم الاستقرار السياسي، وعلى الرغم من أن الإعلان الدستوري المؤقت، الذي صدر بعد 2011 ولا يزال سارياً، ينص على المساواة العامة بين جميع الليبيين أمام القانون، إلا أنه لا يتضمن تركيزاً خاصاً على حقوق المرأة، كما أن المادة 1 والمادة 2، اللتان تعتبران الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، تفرضان قيوداً على حقوق المرأة.
في عام 2017، تم إعداد مسودة دستور تتضمن مبادئ المساواة بين الجنسين، وإلزام الدولة بتشجيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية، واتخاذ تدابير من العنف، ومع ذلك، لم يتم إقرار هذه المسودة رسمياً، مما يعني أنها لا تتمتع بأي تأثير قانوني.
أما في أفغانستان، فإن حركة طالبان، التي تحكم باسم الشريعة، تنتهك بشكل صارخ الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية للمرأة، وعلى الرغم من وجود تجارب لحركات نسوية قوية مثل الجمعية الثورية لنساء أفغانستان RAWA، إلا أن الوضع الحالي للمرأة والمجتمع في أفغانستان يُعتبر من أكثر الأوضاع مأساوية، والأسوأ من ذلك، أن حركة طالبان معترف بها من قبل بعض الدول الأوروبية التي تروج بشكل مستمر لمفهوم حرية المرأة.
تمثل الحكومة المؤقتة في سوريا، التي ستبقى في السلطة لمدة لا تقل عن 4-5 سنوات دون انتخابات، تهديداً خطيراً لجميع النساء السوريات، خاصة العلويات والكرديات والدرزيات، فقد كشفت الفظائع في الساحل السوري عن حجم هذه التهديدات، ولا يزال الوضع غير مستقر، ولم يتم إعداد دستور يحظى بقبول جميع الأطراف.
في ظل هذا الواقع، تتعرض النساء للعنف الوحشي دون رادع، فمنذ كانون الأول/ديسمبر 2024، وقعت جرائم قتل، خطف، استعباد واعتداءات ضد مئات النساء، في ظل سياسات قمعية.
إن هذه الجرائم تعكس تصاعد التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث تستمر الانتهاكات بلا أي اعتبار للأخلاق أو القوانين الدولية، هذه الأحداث ليست معزولة، بل تشكل جزءاً من نمط واسع من الاضطهاد الذي شهدته المنطقة سابقاً، مثل الهجمات ضد النساء الإيزيديات في 2014، ما يحدث اليوم هو تهديد عالمي يجب تحليله بعمق، وخاصة من قبل النساء في المنطقة.
ومن خلال النظر إلى الوضع القانوني في بعض الدول، يمكن استخلاص عدة نتائج أساسية، أولاً، إن القوانين التي لا تستند إلى عقلية ديمقراطية حقيقية يمكن أن تُلغى بسهولة عندما تتغير الظروف السياسية، ثانياً، غياب مفهوم المساواة والحرية في المجتمع يجعله عرضة للأنظمة الذكورية السلطوية التي تستغل الفرص لفرض العنف والقمع، ثالثاً، الحقوق التي اكتُسبت عبر النضال والتضحيات يمكن أن تُمحى بقرارات فردية للحكام المستبدين.
عندما تطالب النساء بأبسط حقوقهن، يتعرضن للعنف، الاعتقال، الاغتصاب، وحتى القتل، قد يشعر الناس بالخوف والغضب واليأس في مواجهة هذا الواقع القاسي، العالم يمر بمرحلة فوضوية حيث تُرتكب انتهاكات جسيمة بحق النساء والأطفال تحت مسميات الأمن والقانون، أماكن السلام قليلة، بينما تعاني أغلب المناطق من آثار الحروب والصراعات.
حقوق المرأة، خاصة حقها في الحياة، مهددة في العديد من دول العالم، حيث تواجه النساء أشكالاً مختلفة من العنف والاضطهاد يومياً، إن الأطفال يصبحون أكثر عرضة للخطر عندما تكون النساء بلا وسائل دفاع ذاتي، هذا الواقع يستدعي وعياً وتحليلاً عميقاً لمواجهته بطرق أكثر تأثيراً.
في ظل الهيمنة العالمية للظلم، قد يتساءل المرء ماذا يمكننا أن نفعل؟ هل يمكن أن يكون هناك أمل حقيقي في الحرية، الدفاع الذاتي، والوجود الفاعل للنساء وسط هذا الفوضى والدمار؟ نعم، يمكن ذلك، رغم التضحيات الكبيرة، لقد أثبتت تجربة النساء الكرديات للعالم هذا الواقع على مدى عقود.
لمواجهة الحرب المفروضة علينا كنساء، علينا أولاً أن نتضامن مع بعضنا البعض ومع ذاتنا، ونبني عقداً اجتماعياً قوياً، هذا العقد ليس مجرد فكرة، بل ضرورة لتحديد مسار نضال المرأة وترسيخ مكتسباتها كقيم ومبادئ، حتى يتم الاعتراف بالحقوق الفردية والجماعية للنساء في إطار قانوني، يجب علينا وضع أهداف واضحة والتقدم وفقاً لها، مع تحديد علاقاتنا مع كافة فئات المجتمع بشكل صحيح ومشاركتها معه.
وإن صياغة مبادئ هذا العقد والالتزام بتنظيم صارم ومنضبط حوله هو مفتاح النجاح في كافة مجالات الحياة، لا يمكن للنساء أن يكنَّ متسولات لبضعة مواد قانونية صاغها الفكر السلطوي الذكوري وفق مصالحه، لأن حرية المرأة وطبيعتها تتجاوز ذلك بكثير، بل إن الحقوق التي نحارب من أجلها، والتي كتبتها نساء مناضلات قبل قرون، لا يمكن حصرها في هذه النصوص المحدودة.
لذا، بدلاً من التبعية لهذه المواد المجزأة، يجب أن نستعيد قدرتنا على صياغة قوانيننا ومبادئنا بأنفسنا، كما فعلت النساء في بدايات التاريخ الاجتماعي، لنصبح مرة أخرى الرواد الحقيقيين لمجتمعاتنا.
إن الحاجة الأهم للنساء اليوم هي مشاركة التجارب الإيجابية والناجحة بسرعة، لأن الطاقة الإيجابية والنجاح والتطورات الإيجابية تمتلك تأثيراً قوياً، خاصة في عالم يُجبرنا على العيش بلا أمل، لذلك، فإن الإنجازات التي تحققها النساء في الاقتصاد، البيئة، الصحة، العدالة، السياسات الاجتماعية، والسلم والحرب لها أبعاد عالمية.
في هذا السياق، يعد الميثاق الذي تعمل عليه الحركات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا، والمقرر تقديمه قريباً، هي وثيقة ذات قيمة عالمية، ويتعين على جميع النساء قراءته، فهمه، وتكييفه وفقاً للواقع المحلي، بل وتطويره لإنتاج مواثيق مجتمعية تلائم احتياجاتهن الخاصة.
الحركات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا تستند إلى قراءة تاريخ المرأة لتطوير هذا الميثاق، مستمدةً قوتها من النماذج النسائية الرائدة عبر التاريخ، فمن لا يعرف قوانين الإلهة إنانا، أو تضحيات أوليمب دو غوج ومدام رولاند، أو شغف ماري وولستونكرافت في الدفاع عن حقوق النساء، أو معاناة روزا لوكسمبورغ من أجل الحرية، أو تجارب النساء التونسيات، الفلسطينيات، الكرديات، والناشطات في صفوف الجيش الزاباتي لتحرير الوطن، فإنه سيجد صعوبة في إحياء "الميثاق المجتمعي الحر" للمرأة في عصر يتسم بالقمع والقهر.
وإن فهم الطروحات النسوية التي قُدمت عبر العقود في شكل بيانات ومشاريع مستقبلية أمر أساسي؛ فمن دون هذا الوعي، سيكون الحديث عن عقد اجتماعي للمرأة وسط نظام قائم على القمع والعنف ضدها أمراً بالغ الصعوبة.
مُبدعات حقوق المرأة هن أيضاً النساء المناضلات والرائدات
إن تجربة العقد الاجتماعي التي تقودها الحركات النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا ستخلق أملاً قوياً، وإن وصول هذا الأمل إلى النساء في مختلف أنحاء العالم، وارتباطه بشبكات تنظيم النساء، سيشكل نواة قوية للثورة النسائية العالمية. لذلك، فإن هذه التجربة تستحق الدراسة، الفهم، والتضامن معها في جميع جوانبها.
كما أن دراسة العقود النسائية التي وُضعت عبر التاريخ، سواء كانت مكتوبة أو تقليدية، بأسس علمية هو أمر في غاية الأهمية. فكل واحدة من هذه العقود تمثل امرأة، أو منظمة، أو حركة مقاومة كانت رمزاً للكفاح في زمنها، وهي وثائق فريدة تستحق دائماً التحليل والاستلهام منها.
إن العديد من الحقوق النسائية التي أُدرجت اليوم في القانون الدولي هي نتاج نضال النساء الرائدات والمقاتلات، نحن مدينون لهن بالكثير، والطريقة الأكثر شرفاً لسداد هذا الدين هي ضمان أن تضحياتهن الهائلة، معاركهن الشجاعة، ومقاومتهن التي كلفت حياة الآلاف، لم تذهب سدى، والطريق إلى ذلك هو تعزيز تلك العقود النسائية، تحديثها، والأهم من ذلك، تطبيقها على أرض الواقع.
يجب على النساء إعطاء الأولوية لتعزيز العلاقات الديمقراطية وتوسيع شبكات التحالفات النسائية، بغض النظر عن أماكن وجودنا، إذا لم نتواصل مع النساء في بلداننا ومناطقنا وقاراتنا وحتى على مستوى العالم، فسنواجه خطر العزلة والهزيمة.
المرأة، من حيث طبيعتها، كائن عالمي، مما يجعلها مناضلة أممية، فعندما تناضل امرأة أو منظمة نسائية من أجل حريتها، فهي تُساهم في النضال العالمي للنساء جميعاً، وبذلك، فإن حركة تحرير المرأة تعيد يومياً تعريف النضال الأممي، مدركةً مسؤوليتها الأخلاقية والاجتماعية.
لهذا السبب، فإن مشاركة التجارب النسائية في مختلف المجالات أمر بالغ الأهمية، فهو حق ومسؤولية، من هنا، يُنصح النساء في الشرق الأوسط وإفريقيا، ولا سيما المنظمات النسائية، بالاهتمام الكامل بتجربة تحرير المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، وخصوصاً "ميثاق حرية المرأة"، والذي سيتم الإعلان عنه قريباً ويجب أن يحظى باهتمام جميع النساء.
وإن التركيز الأساسي للنساء اللاتي تعشن في ظل الحروب العميقة، بما فيها الحرب الاقتصادية، يجب أن يكون على الدفاع الذاتي والسلام الاجتماعي من خلال المواثيق النسائية، فالجغرافيا، الثقافة، والنظام السياسي لكل بلد يؤثر على وعي النساء وسعيهن للتنظيم والعمل، ما ينعكس على استراتيجياتهن، تحالفاتهن، وأساليبهن في بناء الوعي.
يمكن أن تتطور مبادئ وقواعد العقد الاجتماعي للمرأة وفقاً لخصوصية كل دولة أو منطقة، لكن الأهم هو أن تتبنى النساء هذا الإطار المشترك وتلتزمن به، يجب أن تنشئ النساء عقوداً تربطهن من حيث التنظيم والانضباط والإرادة الذاتية، حيث يمكن لكل بلد أو منطقة تحديد نموذجها الديمقراطي-الكونفدرالي بناءً على احتياجاتها الخاصة.
المواثيق ليست مجرد أفكار نظرية، بل هي وسيلة لتحديد المبادئ الأساسية لحياة النساء وتنظيمها عملياً، على سبيل المثال، إذا كان التهديد الأكبر في إحدى المناطق هو الدمار البيئي، يمكن للنساء أن ينظمن عقداً اجتماعياً لمواجهته، وإذا كانت هناك جرائم قتل ممنهجة ضد النساء في مدينة معينة، يمكن كتابة ميثاق يهدف إلى وقف هذه الجرائم، بمشاركة النساء من مختلف الأحياء، ليكون هذا الميثاق بمثابة قاعدة لمواجهة العنف وضمان الحماية.
على كل شخص البحث عن حلول وفقاً لواقع بلده
انطلاقًا من هذه المعطيات، أقترح إنشاء شبكات عقود اجتماعية نسائية، على سبيل المثال، يمكن تشكيل شبكة من النساء المتخصصات في القانون، بحيث تعمل هذه الشبكة القانونية النسائية على وضع عقد اجتماعي قائم على حرية المرأة ضمن إطار قانوني، مما يساعد على توعية المجتمع به.
كما يمكن إعادة صياغة العقد الاجتماعي النسائي وفقاً للاحتياجات المحلية في مختلف المجالات، ويمكن لكل دولة أو منطقة تنظيم لقاءات سنوية حول العقود الاجتماعية النسائية، ليتم لاحقاً توسيع هذه المبادرات على المستوى العالمي.
ومن الضروري أيضاً إعداد برامج تعليمية خاصة لتثقيف مختلف فئات المجتمع، وخاصة الأطفال والشباب، حول فلسفة ومبادئ هذا العقد الاجتماعي، في جميع أنحاء العالم، هناك نساء دفعن حياتهن ثمناً في سبيل الدفاع عن حقوق المرأة، مثل أوليمب دو غوج ومدام رولاند اللتين أُعدمتا بالمقصلة في فرنسا.
لا يمكن للنساء أن يبقين في موقف المتفرج في هذا الوقت، لأن الصمت يؤدي إلى القتل، الاغتصاب، والاستعباد، العنف ضد المرأة منتشر عالمياً، مع اختلاف شكله من بلد إلى آخر، لكن في جوهره، نحن جميعاً نتعرض له يومياً، لهذا، لا يمكننا التراجع أو السكوت، بل علينا البحث عن طرق وأساليب لا حصر لها لمقاومته.
كل امرأة يجب أن تصوغ عقدها الاجتماعي وفقاً لواقع بلدها ومجتمعها، بحيث تكون حرة في تقرير مصيرها، والعقد الاجتماعي للمرأة يجب أن يكون معادياً للرأسمالية، بغض النظر عن الدين أو العرق أو السن أو الجنسية، والدفاع الذاتي مرتبط بمواجهة الاستغلال، إذ أن القبول به يعني الاستسلام للرأسمالية، التي تسعى للسيطرة على الفكر والجسد والمجتمع.
لذلك، فإن صياغة عقد اجتماعي يضمن الحرية والدفاع الذاتي هو مسؤوليتنا، كل كيان يحتاج أولاً إلى تحديد هويته وتنظيم نفسه داخلياً قبل أن يكون قادراً على الصمود، بالنسبة للنساء، فإن هذا العقد يجب أن يكون مجتمعياً، لأن وجود المرأة يؤثر في كل المجتمع، وهو أساس الحياة وقوامها.
والعقد الاجتماعي هو أيضاً أحد المهام الأساسية والأولوية للثورة النسائية في القرن الحادي والعشرين، يجب على جميع نساء العالم، ونحن نودّع الربع الأول من هذا القرن، أن يتطرقن إلى الثورة النسائية، العقد الاجتماعي القائم على الحرية المجتمعية للمرأة، والنظام الكونفدرالي الديمقراطي للنساء بشكل متكامل وتعاوني لتطويره.
كما أنه إطار استراتيجي يحدد نوع المجتمع المثالي الذي نطمح إليه، أما الكونفدرالية الديمقراطية فهي المبادئ التي تقوم عليها عملية بناء النظام الاجتماعي للمرأة، الثورة النسائية هي النضال من أجل الحرية الذي يقوم على هذين الركنين الأساسيين.
"ندخل في مرحلة مثيرة ومفعمة بالأمل"
إن دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" التي وجهها القائد عبد الله أوجلان إلى الدولة التركية وجميع القوى الإقليمية والعالمية المعنية بالقضية الكردية، قد خضعت لتقييمات واسعة من قبل العديد من الدول ومنظمات المجتمع المدني والمفكرين والكتاب والفلاسفة، وكان القاسم المشترك في هذه التقييمات هو أن هذه الدعوة لا تقتصر فقط على الشعب الكردي والدولة التركية، بل تفتح أيضاً آفاقاً بناءة وإصلاحية ومبشّرة لمستقبل المنطقة بأكملها.
تمثل هذه الدعوة التاريخية فرصة لتعزيز الديمقراطية والسلام في المنطقة، والنساء هن أكبر داعم ومكمّل وقائد لهذه العملية، وإن هذا المسار، الذي أطلقه القائد عبد الله أوجلان بعنوان "عقد الإخاء الجديد"، سيساهم في تغيير الأنظمة السلطوية القائمة على الحرب والقومية في المنطقة، منحه فرصة للثقافة الديمقراطية والسلمية يجعله ذا قيمة بالغة.
وعلى نفس المنوال، فإن هذه الدعوة التي تتمحور حول السلام والمجتمع الديمقراطي ستعزز عقد المرأة الاجتماعي القائم على الحرية، لذلك، يجب على النساء في جميع بلدان المنطقة متابعة هذه العملية بمسؤولية، فإذا تطور هذا المسار، فسيتم الحد من عمليات التخريب التي فرضتها القوى الغربية المهيمنة على المنطقة خلال القرن الماضي، عبر تأجيج الحروب والقومية والدين والتمييز القائم على النوع الاجتماعي الذي استهدف البنية المجتمعية الراسخة منذ آلاف السنين.
نحن الآن أمام مرحلة مثيرة ومفعمة بالأمل، قائمة على كلٍّ من عقد المرأة الاجتماعي وعقد الإخاء الجديد، إن أحد أهم الطرق لتجاوز المخاطر والتحديات هو ترسيخ عقد المرأة الاجتماعي القائم على الحرية، وتعزيز شبكات التنظيم الكونفدرالي النسائي لبناء ثورة المرأة في القرن الحادي والعشرين خطوة بخطوة.
هذه القوة موجودة في الإرث التاريخي لنساء الشرق الأوسط وإفريقيا، في نضالاتهن المعاصرة، وفي الجينات الثقافية المشبعة بالمبادئ الديمقراطية.