التحرش يطرد النساء من وظائفهن.. وصمتهن يحمي الجناة!
نشر بواسطة: mod1
الخميس 12-06-2025
 
   
تبارك عبد المجيد-المدى

في مجتمع ما يزال فيه الحديث عن التحرش من المحرمات الاجتماعية، تواجه النساء في العراق يومياً انتهاكات صامتة تمزق كرامتهن وتكبل أصواتهن بالخوف والعار. سارة (اسم مستعار)، في منتصف العشرينيات، وجدت نفسها ضحية لتحرش متكرر في مكان العمل، ليس مرة واحدة، بل مرتين، من دون أن تملك الجرأة على البوح أو حتى طلب المساعدة. في المرة الأولى، كان المتحرش أحد زملائها في شركة خاصة تعمل فيها كمحاسبة. بدأت المضايقات بنظرات وتعليقات، ثم تطورت إلى سلوك جسدي غير لائق. حاولت تجاهل الأمر خشية فقدان مصدر رزقها، لكن عندما فاق الصمت قدرتها على الاحتمال، اضطرت إلى ترك العمل بصمت ومن دون تقديم شكوى.

ظنت سارة أن بداية جديدة في مكان عمل مختلف ستمنحها الأمان، لكن الصدمة تكررت؛ هذه المرة من مدير مباشر، استخدم سلطته في إطلاق تلميحات مهينة ومحاولة فرض علاقة لم ترغب بها. من جديد، كان الخوف من الفضيحة ومن ردة فعل العائلة حائلاً أمامها وأمام أي خطوة قانونية، لتختار الهروب مرة أخرى والاستقالة.

قصة سارة ليست استثناء، بل نموذج لمعاناة مئات النساء اللواتي يُجبرن على الصمت، وتُخنق أصواتهن تحت ضغط التقاليد وغياب آليات الحماية الفعالة.

وفقاً لدراسة بحثية قام بها منتدى الاعلاميات العراقيات على عينة من الصحفيات في مناطق مختلفة. فأن 68 في المئة من الصحفيات تعرضن للتحرش خلال العمل والنسبة الاغلب منهن لم يقمن بالإبلاغ عن المتحرش.

وخلال عام 2024 كشفت مديرة شعبة الوقعات الجنسية في دائرة الطب العدلي د. لينا إن "نسبة تعرض النساء للتحرش أعلى مقارنة بالرجال، إذ تعرضن نحو327 حالة من الاعتداء والعنف في حين تعرض 94 حالة من الذكور ولمختلف الأعمار".

يُشار إلى أن الأرقام الرسمية لا تغطي سوى جزء بسيط من حالات التحرش الفعلية في العراق، نظراً لأن الغالبية العظمى من الضحايا تفضل عدم الإفصاح، مما يجعل تقدير حجم الظاهرة تحدياً كبيراً.

بالرغم من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها الكبير، لا تزال المرأة تواجه العديد من العوائق التي تجعلها تتردد أو تخشى التعبير عن معاناتها، خاصة في قضايا التحرش والعنف. تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان، آيات البرزنجي.

تسترسل البرزنجي حديثها لـ(المدى)، عن أبرز هذه العوائق: "الخوف من اللوم الاجتماعي الذي يجعل الضحية تبدو وكأنها هي المخطئة، والخوف من الانتقام من قبل المتحرشين الذين في الغالب يكونون أصحاب نفوذ ومراكز قوة، مما يزيد من صعوبة التحدث أو تقديم الشكوى".

وأضافت، أن "غياب الثقة في الإجراءات القانونية وانعدام خصوصية التحقيقات، بالإضافة إلى بطء هذه الإجراءات، تجعل الكثير من النساء يفضلن الصمت على المخاطرة بالمواجهة القانونية".

وأكدت البرزنجي على نقص آليات الحماية داخل المؤسسات، مثل عدم وجود لجان فعالة لمكافحة التحرش، وأنظمة آمنة لتقديم البلاغات، فضلاً عن غياب الدعم النفسي والقانوني للضحايا، مما يترك المرأة بمفردها في مواجهة هذه المشكلة.

وشددت على خطورة التطبيع الاجتماعي مع ظاهرة التحرش، حيث ينظر إليها في بعض المجتمعات على أنها "غزل" أو حتى "حق للرجل"، مما يقلل من اعتبارها جريمة ويحول دون محاسبة الجناة.

ودعت البرزنجي إلى ضرورة تعزيز الوعي المجتمعي، وتحسين آليات الحماية القانونية والمؤسسية، لضمان بيئة آمنة تمكن المرأة من التعبير عن حقوقها بدون خوف أو تردد.

من جانبها، تناولت الناشطة النسوية لوديا ريمون قضية التحرش التي تعتبرها واحدة من القضايا الاجتماعية المزمنة والمتجذرة في مجتمعاتنا، مشددة على أن هذه الظاهرة لن تختفي بسهولة ما لم يتم تطبيق القوانين بحزم وفعالية. أكدت ريمون أن الحملات التي شهدناها مؤخراً على منصات التواصل الاجتماعي لم تحقق نتائج ملموسة، وذلك لأن الغالبية العظمى من النساء لسن مستعدات أو قادرات على مواجهة التحرش أو حتى توثيقه عبر هواتفهن المحمولة. أرجعت ذلك إلى عوامل عدة من بينها الخجل، الخوف، والضغط الاجتماعي، مشيرة إلى أن كثيراً من النساء يخشين التعرض للفضيحة أو للعقوبات الاجتماعية داخل أسرهن.

وذكرت أن التحرش في أماكن العمل يشكل حالة خاصة، إذ كثير من النساء يتعرضن له لكنه يبقى طي الكتمان خوفاً من فقدان الوظيفة أو التعرض للتهديد، خصوصاً عندما يكون المتحرش من ذوي النفوذ. أما التحرش في الأماكن العامة مثل الأسواق أو المنتزهات، فهو غالباً ما يترك الضحية في حالة من الصمت والامتناع عن الرد، لأن الفضيحة المترتبة على الإفصاح قد تؤدي إلى وصمها اجتماعياً وربما الإضرار بسمعة عائلتها.

وأضافت ريمون أن ضعف التشريعات أو سوء تطبيقها يفاقم المشكلة، حيث أن العديد من النساء اللواتي يحاولن تقديم شكوى يُواجهن بالسخرية والاستهزاء من قبل بعض الجهات المختصة، مما يثنيهن عن الاستمرار في المطالبة بحقوقهن.

وأشارت إلى أن بعض الحملات التي أُطلقت على وسائل التواصل الاجتماعي جاءت على يد نساء قويات قادرات على الدفاع عن أنفسهن، لكنها تساءلت عن وضع باقي النساء، اللاتي قد لا يمتلكن هذه القوة أو الشجاعة، مؤكدة أن التحرش قضية أزلية لا يمكن حلها بحملة واحدة أو اثنتين.

ولم تقتصر رؤية ريمون على التحرش الجسدي فقط، بل تناولت التحرش اللفظي أيضاً، موضحة أن بعض الرجال يحولون الكلام العادي إلى تحرش جنسي ويبررون بالقول "شدعوة عليج دااتغزل بيج، اشاقة وياج"، وتستخدم النساء كثيراً الصمت كوسيلة دفاع، خوفاً من أن يُساء فهم دفاعهن أو تتهم بالتطرف أو رفض المجاملة.

واختتمت ريمون حديثها بالتأكيد على أن الثقافة الاجتماعية التي تفرض على النساء التزام الصمت والخضوع هي واحدة من أكبر العقبات في طريق مواجهة ظاهرة التحرش، داعية إلى ضرورة بناء وعي مجتمعي جديد يرفض كل أشكال التحرش، ويطالب بتطبيق قانون يحمي الضحايا ويعاقب المتحرشين، إلى جانب توفير الدعم النفسي والقانوني للنساء لمساعدتهن على الدفاع عن أنفسهن.

وفي هذا السياق، قالت الحقوقية نورس شاكر إنه "رغم أن القانون العراقي يجرم بعض أشكال التحرش، إلا أن النصوص الحالية ما تزال غير كافية لمعالجة هذه الظاهرة المتفاقمة بشكل شامل وواضح"، تضيف موضحة: "فعلى سبيل المثال، ينص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 في مادته (402) على معاقبة من يرتكب فعل مخل بالحياء، إلا أن القانون لا يستخدم مصطلح التحرش بشكل صريح، ولا سيما في حالات التحرش اللفظي أو الإلكتروني أو داخل أماكن العمل".

وتابعت شاكر مؤكدة، أن "ما نحتاجه اليوم هو إصلاح قانوني حقيقي يواكب التغييرات الاجتماعية، ويمنح النساء حماية فعلية دون أن يشعرن بالخوف من الوصمة أو العقوبة المجتمعية. من جهة أخرى، فإن غياب تعريف واضح وشامل لمفهوم التحرش لا يشجع الضحايا على الإبلاغ، ما يعني أن كثير من الحالات تمر دون أي محاسبة".

وأوضحت أن الأمر لا يتوقف عند القوانين فقط، بل يمتد إلى الحاجة لتغيير ثقافي يرفض تبرير الجريمة أو تحميل الضحية مسؤولية ما تعرضت له. "نحن بحاجة إلى تشريع خاص يعرف التحرش بكافة أشكاله، ويوفر آليات حماية وسرية للإبلاغ، خاصة في بيئات العمل والمؤسسات التعليمية"، ومشددة على أن "مكافحة التحرش لا تتطلب فقط قانون صارم، بل وعي مجتمعي يضمن للنساء بيئة آمنة وعادلة".

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced