تناشد نجلاء اسبيتان التي تتلقى علاجاً نفسياً من صدمات الحرب، العالم لإيقاف المعاناة النفسية للنساء في غزة اللواتي تفقدن أبناءهن في الهجمات الإسرائيلية العشوائية.
غزة ـ تمشي النساء في طرقات قطاع غزة محملات بذكريات المجازر التي تعرضن لها سواء هن أنفسهن أو أخواتهن أو صديقاتهن، شاعرين بألم كل أنثى من بني جنسهن، فهنا في شارع التايلندي ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة بحق فتاتان كل ما كان ترغبا به أكل قطعة بيتزا واحدة بسعر خيالي لكن الصاروخ سبقهما قاضي على حلمهما ومنتزع أرواحهما.
هناك في شارع "الجلاء" حرقت القوات الإسرائيلية امرأتين وهما أحياء خلال احتمائهما ببيتهما، في حين قتلت امرأتان مسنتان بإطلاق الرصاص عليهما في الصناعة، بينما حظي حيي النصر والشفاء بنصيبهما من المجازر خلال الهجمات البرية، وحي تل الهوى الذي أعدمت به الطفلة هند رجب برفقة عائلتها وهي تتواصل مع الإسعاف لينقذها، والأمر يقاس على كل شارع وحي بمدينة الموت.
نجلاء اسبيتان، أوضحت أنه ما قبل الحرب في قطاع غزة كانت الطرقات جميلة جداً وتتسع لكافة العائلات من مختلف المستويات المادية فأفقر من بالمدينة يستطيع قضاء نزهة جميلة سواء بأحد الحدائق العامة أو على كورنيش غزة، مشيرة إلى أنها تفتقد تلك الأيام التي آخرها في يوم السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أي قبل اندلاع الحرب بيوم.
اليوم تشعر نجلاء اسبيتان وهي تمشي في طرقات القطاع باليأس والخذلان تجاه كل شيء خاصة القوانين والمؤسسات الدولية التي لم تستطع حتى اليوم حماية مدني من القصف أو توفير رغيف خبز واحد، متسائلة "متى ينتهي الخوف؟ فهنا في الشيخ عجلين ارتكبت مجازر وشاهدت بعينيي الأشلاء والدماء على جانبي الطريق"، وكذلك في النصر والوحدة، والنفق، والصحابة، والثلاثيني، وكل شبر سواء من شمال القطاع وحتى أقصى جنوبه.
ولفتت إلى أنها عندما تكون في شارع ما وتسمع بعد عودتها للمنزل بخبر مجزرة قد ارتكبت في المكان ذاته ينتابها شعور متضارب الفرحة كونها ناجية من استهداف محتم كاد يودي بحياتها، والحزن في ذات الوقت على الأطفال والنساء من الضحايا، خاصة عندما تضرب القوات الإسرائيلية مكان تجمع لمئات الآلاف من المواطنين كمفترق السرايا الذي راح ضحيته منذ أيام عشرات القتلى والجرحى.
في بعض الأحيان تذهب نجلاء اسبيتان، لتمضي بطرقات أخرى أقل اكتظاظاً لكن ذلك يزيد من المجهود البدني عليها كونها تسلك تلك الأحياء مشياً على الأقدام في ظل مجاعة أنهكت جسدها وأفقدتها قواها، وربما يصبح الأمر أسوء بكثير عندما تقطع تلك المسافة تحت أشعة الشمس وتجد الطريق مسدود بسبب قصف بناية وسقوط ركامها في منتصف الطريق ليعطل المارة.
وتذكر أن كافة شوارع البلدة القديمة أصبحت مغلقة بسبب التدمير الممنهج للمباني، وكذلك الكثير من طرقات حي "الشجاعية" التي تسببت بمقتل نساء خلال نزوحهن هاربات من الدبابات الإسرائيلية حيث تم حشرهن من قبل الجنود في طريق مسدود وأطلقوا النار تجاههن، مشيرةً إلى أن كل تلك الذكريات تشكل ضغط على النساء سواء جسدي أو نفسي وتضعهن في مواجهة مباشرة مع الموت.
فلا تنسى نجلاء اسبيتان، قصة مأساتها في حي "الجلاء" وسط قطاع غزة، حينما حاصرتهم القوات الإسرائيلية هناك 4 أيام، وأطلقت القنابل الدخانية، وجرفت البيت الملاصق لمنزلهم بعدما حرقت امرأتان أحياء ما زالت صرخاتهما وبكائهما حتى اليوم يقرع في رأسها.
كان الجوع والعطش والذعر هو ما يصاحب نجلاء اسبيتان وعائلتها طوال وقت حصارهم، وحينما شعر الجميع بابتعاد القوات الإسرائيلية نزلوا من الطوابق العلوية ليجدوا القوات قد جمعت ركام المباني المجاورة وسدت عليهم طريق الخروج، مضيفةً أنهم حينها كان في العمارة السكنية 70 فرد جميعهم أصبحوا يحفروا الركام بأظافرهم كي ينجو ويخرجوا من المكان وبالفعل نجحوا بذلك.
وقد عاشت المعاناة ذاتها في حي "الصناعة" عندما اقتحمت القوات الإسرائيلية الملجأ الذي كانت تنزح به، وقد استطاعت الهروب منذ اليوم الأول برفقة والدة زوجها من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنها نسيت ابنتها الصغرى التي انهارت أرضاً فعادت والتقطتها من أمام الدبابة، حينها شاهدت كيف اخترقت طلقة الدبابة جسد جارها الذي كان يركض لينجو من الأسر والتعذيب.