اللعب على المكشوف.. شغف شباب العراق يتحول إلى سوق للأصوات الانتخابية
نشر بواسطة: mod1
السبت 14-06-2025
 
   
المدى

في العراق.. ملاعب كرة القدم الشعبية ميدان انتخابي

مع غروب الشمس، تضاء مصابيح ملعب صغير في حي الزعفرانية، حوله العشرات من الشبان المتجمعين أمام سور حديدي. في الداخل، تتطاير الكرة بين أقدام لاعبين وآخرين يرتدون قمصان موحّدة، لكن الغريب هذه المرة، انتشار شعارات أو صور لا تمت إلى كرة القدم بصلة: صورة مرشح سياسي مبتسم، مع وعود انتخابية مطبوعة أسفلها.

في زاوية الملعب، رجل في منتصف العمر يوزع زجاجات مياه معدنية وقمصاناً جديدة للفرق المشاركة. لا توجد كاميرات تلفزيونية هنا، ولا خطابات من على منصات عالية، فقط لعبة كرة قدم شعبية تحولت بصمت إلى منصة نفوذ سياسي.

على مدى السنوات القليلة الماضية، لم تعد الملاعب الخماسية في بغداد مجرد ساحات لرياضة الفقراء أو لهواة كرة القدم. باتت وسط غياب رقابة تنظيمية واضحة ساحة مغرية لسياسيين يبحثون عن أصوات الشبان في الأحياء الشعبية، مستخدمين شغف العراقيين باللعبة الأكثر شعبية في البلاد كجسر نحو صناديق الاقتراع.

الزحف الانتخابي إلى قلب الملاعب وقبل موعد الانتخابات الفعلي بشهور، يكشف جانباً آخر من العلاقة المعقدة بين الرياضة والسياسة في عراق ما بعد 2003 حيث لا تزال حدود النفوذ السياسي تتسلل إلى كل زاوية من زوايا الفضاء العام، حتى وإن كان ملعباً صغيراً من العشب الصناعي في أطراف بغداد، وفق ما أوردته وكالة شفق نيور في تقرير تابعته (المدى).

على امتداد بغداد، من ملاعب حي العامل إلى مدينة الصدر، تتكرر المشاهد ذاتها: مستأجرون سياسيون يعيدون رسم صورة الملعب، طابور من الفرق الشعبية الشابة التي تلهث وراء دعم قد يضمن لها قمصاناً جديدة أو كرة أفضل، وشباب لا يزالون في مساحة رمادية بين الرياضة وبين الانجذاب القسري لحملات انتخابية ناعمة.

"لعبة الكل"

في بلد يفتقر إلى البنية التحتية الرياضية الحديثة، تعتبر الملاعب الخماسية المتنفس الأساسي لآلاف الشبان العراقيين.

يقول جعفر الشيخ، رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم المصغرة (سوكا)، إن "هذه الملاعب توفّر بيئة آمنة ومنظّمة لممارسة كرة القدم، بعيداً عن العشوائية والملاعب الترابية". لكنه يقرّ أيضاً بأن "الانتشار الكبير لهذه الملاعب، خصوصاً في المناطق الشعبية، جعلها محط أنظار فئات سياسية متنوعة". يوضح أن أنواع الملاعب المصغّرة تتراوح بين الخماسي، السداسي، السباعي والثماني لكن الملاعب الخماسية هي الأكثر شيوعاً. تكلفة استئجار الملعب في بغداد، بحسب الشيخ، تتراوح بين 20 إلى 50 ألف دينار عراقي للساعة الواحدة، ما يجعلها خياراً مناسباً للشباب، وأيضاً للمرشحين الذين يبحثون عن وسيلة رخيصة وفعالة للوصول إلى جمهور واسع.

تشهد الملاعب نشاطاً يومياً محموماً. يقول عبد الواحد علي، متعهد ملعب الصالحية، إن "المباريات هنا تبدأ من الخامسة مساءً حتى ما بعد منتصف الليل"، ويستضيف الملعب أكثر من 7 فرق يومياً.

لكن مع كل موسم انتخابي، تتغير ديناميكيات هذه الملاعب: "تأتينا طلبات من مرشحين لتنظيم بطولات رمزية، أو لرعاية بطولة قائمة"، يقول عبد الواحد. "نحن لا نمانع، فالاتحاد لا يفرض أي قيود، والتأجير يتم حسب الاتفاق مع المتعهد".

عبد علي موحان، متعهد ملعب آخر في الشرطة الرابعة، يؤكد هذا الغياب في الرقابة: "سبق لي تأجير الملعب لمرشحين سياسيين خلال الانتخابات. نحن نوفر الملعب فقط، ولا علاقة لنا بمحتوى الفعالية أو نوايا المستأجرين".

هذا الفراغ التنظيمي، كما يشير مراقبون، جعل الملاعب الخماسية بيئة خصبة للتوظيف السياسي لا توجد قواعد تمنع استغلالها، ولا معايير لضبط الرسائل التي تمر عبرها.

في المشهد العراقي الحالي، حيث يعاني كثير من الشباب من البطالة وغياب الفرص الرياضية الحقيقية، تصبح أي مبادرة من مرشح سياسي ذات وقع مضاعف.

"بطولة شعبية بسيطة لا تكلف أكثر من مليون ونصف دينار"، يقول اللاعب الشعبي حسن مصطفى من الزعفرانية. "بالمقارنة مع حملات انتخابية تُنظّم في قاعات فنادق كبرى، هذا خيار أكثر فعالية للوصول إلى أصوات الشباب".

حسن يؤكد أن الشبان يشعرون فعلياً بحاجة لهذا النوع من الدعم: "نحن نلعب من جيوبنا، فحين يقدّم لنا مرشح أطقم ملابس جديدة أو يدعم بطولتنا، يصعب ألا نميل إليه. وهذا هو ما يجعل الشباب هدفاً مباشراً وسهل التأثير في الملاعب".

ومع اقتراب كل موسم انتخابي، تتزايد هذه الأنشطة في الملاعب. في مناطق مثل حي العامل والجهاد والشرطة الخامسة، أفاد شهود عيان بأن مرشحين سياسيين يطلقون أسماءهم صراحة على الملاعب التي يستأجرونها، وينظّمون فيها مؤتمرات انتخابية غير رسمية وسط حضور جماهيري شبابي كثيف.

في ظل غياب قوانين واضحة تفصل بين النشاط الرياضي والسياسي، تبدو هذه الملاعب مرشحة لأن تظل أداة تسويقية مغرية للمرشحين. وفي الوقت ذاته، يواجه الشباب خياراً صعباً بين الحفاظ على المسافة من السياسة أو القبول بالدعم الذي يحتاجون إليه في غياب أي بديل مؤسسي. رغم ذلك، لا يزال كثير من الشباب العراقيين يطالبون بالحفاظ على الطابع الرياضي لهذه الفضاءات. "نريد أن تبقى ملاعبنا بعيدة عن السياسة"، يقول حسن مصطفى. "نحن نلعب كرة القدم لنرتاح، لا لنكون أداة في الحملات الانتخابية".

لكن في عراق ما بعد 2003 حيث السياسة تتداخل في كل تفاصيل الحياة اليومية يبدو أن حتى ملاعب العشب الصناعي الصغيرة لم تعد بعيدة عن هذا التمدد.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced