واحدة من اكثر مهمات الدراما هي تسليط الضوء على ما هو مسكوت عنه، او مخبأ في زوايا المجتمع، خاصة المجتمعات الريفية في منطقتنا، وحيث تسيطر العشيرة وافكار القرية والذكورية، ليست على مجريات الامور فحسب، بل حاى حيوات الاناث، النساء، فالرجل منيقرر كل شيء عنها ونيابة عنها ايضا، ويتمادى الى ان يستخف بحياتها وينهيها عندما يقرر ذلك مستخدما واقيات مثل: الدين والعشيرة والعيب وآراء الناس.
مخرج الافلام القصيرة الكوردي العراقي سهيم عمر، حول الوثيقة الى رواية وصيرها فيلما سينمائيا روائيا، اعني بالوثيقة هنا هي القصص والوقائع الحياتية التي تحدث ويتم تغيير حقائقها وصياغتها لتكون لصالح الجاني ضد المجني عليه.
هذا ما انجزه عمر في فيلمه الروائي الاول "زاكروس"، انتاج 2017، والذي عرض اليوم الاربعاء، 2 تموز 2025، للمرة الاولى جماهيريا في اربيل. الفيلم من تاليفه و بطولة حليمة إلتر وفياض دومان وداريا هاشم محمد وبرادر موسيكي وانتاج مشترك بين بلجيكا وهولندا، ومنتجا الفيلم هما دريس فاليبو وسهيم عمر، وكتب السيناريو جين- كلود وفان ريتشهام، وتمت أعمال التصوير والصوت والمونتاج من قبل سينمائيين بلجيكيين وهولنديين.
يتناول سهيم عمر خليفة، في فيلمه "زاكروس" موضوع اضطهاد المرأة الكوردية وما تتعرض له من ظلم، خاصة في القرى البعيدة عن المدن، ليضع قصة واحدة من بين قصص كثيرة تحت مجهر السينما من خلال قصة راعي الأغنام زاكروس الذي يعيش حياة هادئة في قرية صغيرة بإقليم كردستان، من دون ان يذكر اسم المدينة او القرية او تاريخ الاحداث، مع زوجته هافين، التي التقاها ذات مرة، لا نعرف متى وكيف، في المدينة، اسطنبول وتزوجها وجاء بها الى قريته شبه المعزولة، ولها الان طفلة (ريحانة).
ومنذ البداية يفضح مولف القصة ومخرج الفيلم ، خليفة، الاحداث القادمة، حيث نرى في المشاهد الاستهلالية، زوجته ريحانة الانيقة بمظهرها وكانها تتمشى في احدى شوارع المدينة، لكنها في الحقيقة ترافق مع ابنتها، زوجها وهو يرعى الاغنام بين صخور الجبل القريب من بيت العائلة، هنا اراد المخرج ان يعطي انطباع عن اختلاف ريحانة عن نساء القرية ومجتمعها سواء بمظهرها او تصرفاتها وبافكارها المتحررة ورصانتها في ذات الوقت، خاصة لقائها بزميل دراستها، علي، الذي يصادفها بسيارته ويطلب منها ايصالها لبيتها لكنها ترفض.
ريحانة، الزوجة المتحررة في أفكارها وعاداتها على الأوضاع الراكدة تدفع زوجها زاكروس، وبالحاح لترك القرية ومهنة الرعي والعيش في المدينة حيث آفاق الحياة افضل وفرص العمل اكثر والمدارس متوفرة لابنتهما، لكنها تقابل بالرفض، وسوف نعرف منذ هذه الحادثة قوة شخصية الزوجة وتاثيرها على زاكروس حيث تنفذ ما تفكر به حتى دون موافقته، وهذا يعد في مفهوم العشيرة خروجا عن الطاعة الزوجية والعشائرية، يحدث هذا مع انتشار شائعات بوجود علاقة بين الزوجة وعلي، الذي سنعرف تاليا انه اغتصبها في فترة ما دون موافقتها وخشت ان تخبر عائلتها وزوجها الذي ستعترف له فيما بعد عندما يحاصرها بالاسئلة، مع تاكيدها بحبها واختيارها له كزوج وحبيب.
قصة حب لم تدم
خلال تواجد زاغروس في الجبل، مع اغنامه، وغيابه هناك قد يطول لاسبوع، تتعرض الزوجة لضغوط من عائلته، تسمع كلمات نابية من والدته، تتلقى صفعة من شقيقه، مما يضطرها الى الهروب عن طريق احدى الوحدات النسائية المسلحة، ليسو البيشمركة، الى بروكسل بتشجيع ابن عمها ديار المقيم هناك، والذي سيشك زاكروس بانه على علاقة من هفين قبل ان يعترف له الاخير بانه مثلي (شاذ جنسيا) ولكن بعد فوات الاوان.
يحسم الزوج قراره سريعا بالسفر خلف أسرته رغم معارضة أهله الذين اعتبروا الزوجة متمردة تستحق القتل، ويرفض والده منحه جواز سفره مما يضطره للسفر بطريقة غير شرعية عابرا النهر وقاطعا المسافات الى تركيا، حيث يلاحقه كلبه المخلص الذي يرفض العودة الى القرية لنفاجأ بقيام زاغروس بقتل الكلب كي يتخلص من ملاحقته، مشهد قتل الكلب الوفي كان صادما للغاية حتى وان كانت نيته طيبة. وبالفعل يتسلل الزوج بطريقة غير شرعية إلى بلجيكا ويعثر على الزوجة ويسامحها ويستقر معها هناك.
يظل الماضي يطارد الأسرة وتتصاعد الشكوك في رأس زاكروس الذي يحمل افكار القرية والعشيرة في راسه بالرغم من انه وجد عمل مناسب في بروكسل، حيث يضغط على زوجته حتى تعترف له بأنها ضحية اغتصاب تعرضت له من زميل دراستها السابق علي الذي اتهمها أهل القرية بإقامة علاقة معه لكنها تكتمت الأمر خشية كلام الناس. وما يضيف الزيت على النار هو وصول والد زاكروس إلى بلجيكا في زيارة مفاجئة ويعثر على ابنه ويغذي الشكوك في قلبه حتى أنه يشككه في نسب ابنته إليه، ويظل الصراع يتصاعد داخل الراعي القديم الذي تخلى عن قطيعه من أجل زوجته وابنته حتى ينتهي بقتل زاكروس لزوجته هافين بمشهد وقرارمفاجئ للغاية.. قرار مصادرة حياة زوجته وان ابنته بسبب شكوك واوهام زرعتها عائلته براسه، فهو مهما تنقل من القرية الى المدينة، اسطنبول ومن ثم الى اوربا، بروكسل، لكنه بقي يحمل القرية وقوانينها في راسه.
مخرج مؤلف فيلم زاكروس، سهيم عمر خليفة قال في تصريحات صحفية: "قررت صنع هذا الفيلم لسببين، الأول أننا نعيش في مجتمع لا نستطيع فيه اتخاذ قراراتنا بأنفسنا، نعيش تحت ضغط الأهل والعادات والتقاليد والدين، وبعد أن نتخذ قراراتنا نكتشف أن هذا ليس ما نريده".
وأضاف "السبب الآخر هو أنني أردت تسليط الضوء على النساء الكرديات وحجم الظلم الذي يفرضه المجتمع عليهن. فرغم إحراز الحركات النسوية تقدما كبيرا خلال العقود الثلاثة الماضية لا تزال النساء في القرى تخضع لسيطرة الرجال الذين يتحكمون في مصائرهن"، مضيفا "رأينا في السنوات الثلاث الماضية دورا أكبر للمقاتلات الكرديات خاصة في كوباني في سوريا وهذا بالفعل حسن من وضع المرأة لكن بسبب تقاليد عمرها آلاف السنين تشكل المرأة المقاتلة الكردية تهديدا للرجل التقليدي لذلك أردت صنع هذا الفيلم للتأكيد على دور المرأة، المرأة التي تكون ضحية في كثير من الأحيان".
وعن الصعوبات التي واجهت الفيلم قال المنتج دريس فليبو :"لم نتمكن من التصوير في المناطق الكردية بتركيا بسبب الظروف السائدة، لذلك صورنا في اليونان لتشابه الطبيعة ."
وأضاف "كذلك كثير من الأحداث تدور في بلجيكا لكن السلطات البلجيكية رفضت منح الممثلين الأكراد تأشيرة دخول فتعين علينا التصوير ثلاثة أيام في اسطنبول".
وختم حديثه قائلا "موضوع الفيلم عالمي ويمس كل إنسان رغم كونه يتناول الحالة الكردية.. لا شك عندي إنه سيلف العالم".
ان الانتقال من فن صناعة الافلام القصيرة الى الروائية الطويلة مهمة صعبة ومعقدة، انجاز فيلم روائي يعني تماما كتابة رواية، وخليفة متمرس ومبدع في اخراج الافلام الوثائقة الروائية القصيرة، وهي: "ميسي بغداد" و"أرض الأبطال" و"الصياد السيء"، والتي نال عنها اكثر من 100 جائزة. وتوفق كثيرا في انتقالته للفيلم الروائي الطويل.
بقي ان نذكر ان فيلم زاكروس شارك في العديد من المهرجانات الدولية وفاز بالعديد من الجوائز من بينها "غراند بريكس" في الدورة 44 لمهرجان غينت الدولي للأفلام في بلجيكا، وجائزتين في مسابقات الدورة 18 لمهرجان آرس الدولي للأفلام في فرنسا، وجائزتين في الدورة السادسة لمهرجان دهوك الدولي للأفلام.