في ظل الإقصاء المستمر للنساء عن مواقع صنع القرار، اندلعت شرارة نضال نسوي قادته نادية قوبيع التي آمنت بأن التغيير لا يصنع من المركز فقط، بل من الهامش أيضاً.
في جبال الريف المغربي، حيث يتقاطع التهميش مع العزلة، برز اسم نادية قوبيع كصوت نسوي يقاوم الصمت، ويصوغ من الهامش فعلاً نضالياً مستمراً منذ أكثر من ثلاثة عقود.
تسترجع نادية قوبيع لحظات البدايات الأولى في بيئة محافظة، وتقول "انطلقنا من واقع صعب، وكانت النظرة إلى المرأة الناشطة مريبة أحياناً، لكننا واجهنا ذلك بالعمل الميداني والتواصل المباشر مع النساء، من خلال التوعية بالحقوق والسعي إلى تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي".
جمعية نسوية الأولى من نوعها
تأسيسها لجمعية "ملتقى المرأة بالريف" عام 1990 لم يكن فقط إعلاناً عن انخراطها في العمل الجمعوي، بل كان أيضاً خطوة لتوفير إطار نسائي هو الأول من نوعه في إقليم الحسيمة.
ومع مرور السنوات، تحولت الجمعية من مبادرة محلية إلى فاعل مدني له امتداد وطني، وذلك بفضل الشركات التي ربطتها مع عدة جمعيات نسوية أبرزها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، وأوضحت أن "التنسيق مع الجمعية الديمقراطية كان محورياً، فقد تلقينا عبرها تدريباً مهماً، وشاركنا في ديناميات للترافع، واطلعنا على دراسات ألهمتنا على المستوى المحلي".
وشددت على ضرورة كسر العزلة عن أصوات النساء في الجبال والهوامش "هذا الصوت لا ينبغي أن يظل محصوراً في الجبال، بل يجب أن يكون حاضراً في قلب النقاشات السياسية ومواقع القرار".
القوانين تكرس التمييز بدل أن تنهيه
ورغم ما تحقق من مكاسب منذ الاستقلال، ترى نادية قوبيع أن المساواة الحقيقية لا تزال مؤجلة "صحيح أن هناك تعديلات مهمة مثل مدونة الأسرة ورفع شعارات المساواة، لكنها شعارات ما زالت ترفع لأن الواقع لم يتغير جذرياً"، مشيرةً إلى أن القوانين ما زالت في كثير من الأحيان تكرّس التمييز بدل أن تنهيه.
بالنسبة لها، لا تطالب الحركة النسوية بامتيازات، بل بحقوق أساسية "أن تكون النساء حاضرات، ممثلات، ومؤثرات في كل مستويات القرار سواء داخل المؤسسات المنتخبة أو في مفاصل المجتمع".
وتؤمن نادية قوبيع بقوة التشبيك كمدخل حقيقي للتغيير، وهو مبدأ رافق مسار جمعيتها منذ التأسيس "جمعيتنا انطلقت من مبادرة لطالبات عدن إلى المنطقة بعد التدريب، مستلهمات من تجارب جمعيات وطنية، نحن نعمل في الميدان، وهن يعملن على المستوى الوطني، وهكذا نشأ تلاقٍ بين المستويين المحلي والمركزي".
ومن خلال هذا الانخراط، شاركت نادية قوبيع ورفيقاتها في المسيرة النسائية لعام 2000، وأسهمن في نقل صوت نساء القرى إلى صناع السياسات، وفي المطالبة بمراجعة مدونة الأسرة ومواءمة القوانين مع المواثيق الدولية.
ورغم محدودية الموارد، تفتخر بعضوية جمعيتها في التنسيقية الوطنية لمراجعة مدونة الأسرة، وعدد من التحالفات التي تطالب بمواءمة التشريعات المغربية مع التزاماتها الحقوقية الدولية "هذه مجرد نماذج من مساهماتنا"، مؤكدة أن الجمعيات المحلية تمتلك صوتاً وتأثيراً عندما تتوفر الإرادة والرؤية".
وحذرت نادية قوبيع من الاكتفاء بالعمل الجمعوي دون سياسات عمومية حقيقية "نحتاج إلى مقاربة شاملة تدمج النوع الاجتماعي في كل القطاعات، من التعليم إلى الصحة، ومن الاقتصاد إلى السياسة"، لافتة إلى أن الحضور النسائي لا يجب أن يكون عددياً فقط، بل مؤثراً في القرارات.
وفي ختام حديثها طالبت الناشطة نادية قوبيع بخطاب يحمل روح النضال والإيمان بالعدالة "التغيير لا يبدأ من القمة فقط، بل من القاعدة، لذلك نؤمن بأن التشبيك يجب أن يشمل الجميع، جمعيات محلية، وجهوية، ووطنية، فوحده هذا التلاقي قادر على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتمكين النساء من لعب أدوارهن كاملة في بناء المستقبل".