كشفت لجنة متابعة الأمراض السرطانية في مجلس محافظة ذي قار عن تسجيل 10 آلاف و500 مصاب بالسرطان في مركز الأمراض السرطانية بالمحافظة، وعزت ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض إلى التلوث الناجم عن انبعاث الغازات السامة من الحقول النفطية وحرق النفايات وأثر المخلّفات الحربية المشعة.
وسجلت محافظة ذي قار خلال الأعوام القليلة الماضية ارتفاعًا مقلقًا وغير مسبوق في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية، إذ ارتفعت معدلات الإصابة من 4 آلاف إصابة عام 2018 إلى 8 آلاف إصابة حتى مطلع عام 2024، لتكشف في منتصف 2025 عن 10 آلاف و500 إصابة، فيما بلغ عدد حالات الوفاة المسجلة في المحافظة (3172) في المدة من بداية عام 2013 وحتى نهاية عام 2017، في حين يرى أطباء وباحثون أن مرض السرطان هو واحد من أخطر ثلاثة أمراض تؤدي إلى الوفاة في المحافظات الجنوبية.
وقالت رئيس لجنة متابعة الأمراض السرطانية في مجلس محافظة ذي قار، الدكتورة نغم الإبراهيمي إن “قاعدة البيانات التي تسلمناها من مركز الأورام السرطانية في ذي قار تشير إلى تسجيل 10 آلاف و500 مصاب بالسرطان خلال السنوات الأربع الأخيرة”، واستدركت “غير أن هذه البيانات لم تذكر أعداد المتعافين أو أعداد المتوفين من المصابين خلال الأعوام الثلاث الأخيرة”.
وتجد الإبراهيمي أن “الأعداد المسجلة في الدوائر الصحية هي أعداد تراكمية ولم تحدد تفاصيل وأعداد الإصابات في كل عام أو أعداد المتعافين أو المتوفين منهم أو من سافر إلى خارج البلاد لأغراض العلاج”، مشيرة إلى أن “البيانات التي تسلمناها تؤشر حالة الإصابة فقط من دون ذكر ما يحصل بعدها”.
وأضافت “وبالمقابل طرحنا استمارة لحصر أعداد المصابين بالسرطان عبر إدارات الأقضية والنواحي فتبين لنا أن هذه الأعداد مبالغ فيها مقارنة بما ورد من استمارات من الوحدات المذكورة”، وأردفت “إذ لا تتجاوز أعداد الاستمارات التي وصلتنا حتى الآن الخمسة آلاف استمارة”.
وبينت أن “الغرض من طرح الاستمارة لا يقتصر على حصر أعداد المصابين وإنما لأغراض أخرى من بينها شمولهم بمنحة شبكة الحماية الاجتماعية وقطع الأراضي والعلاج وغيرها من المنح المالية”.
ورغم هذا التباين الواضح بالأرقام ترى الإبراهيمي أن “أعداد الإصابات السرطانية في تزايد”، وأوضحت أن “الأسرة الواحدة التي كانت فيها إصابة واحدة باتت اليوم تعاني من 3 أو 4 إصابات”.
وعزت الإبراهيمي أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان إلى التلوث البيئي الناجم عن توسع عمل الشركات النفطية في حقول المحافظة، وأضافت “ففي السابق كانت الشركات تعمل في حقلين فقط أما الآن فهناك ما يقرب من 7 حقول”.
وأشارت إلى آثار الطمر الصحي ومكبات النفايات غير النظامية في ارتفاع عدد الإصابات السرطانية، مشيرة إلى ما ينجم عن حرق النفايات وما ينبعث منها من دخان وعوالق سامة أو مسرطنة”.
وتطرقت رئيس لجنة متابعة الأمراض السرطانية إلى أثر المخلّفات الحربية المشعة الناجمة عن الحروب التي شهدتها المحافظة طيلة الأعوام السابقة.
وعن تقييمها لمستوى الرعاية الصحية التي يتلقاها المصابون بالأمراض السرطانية في ذي قار، قالت رئيس لجنة متابعة الأمراض السرطانية إن “مركز الأورام السرطانية في ذي قار هو مركز معدم وفي حال يُرثى لها”، واسترسلت “فالمركز يقع وسط مكب نفايات ولا يقدم سوى العلاج ولا تتوفر فيه الرعاية الصحية المطلوبة”، وأردفت “تعطيه العلاج من جهة وتقتله من جهة أخرى بسبب عدم تلقي العناية المطلوبة”.
وتشير الإبراهيمي إلى أن “أسر المصابين الذين التقت بهم شكوا من سوء العناية في المركز المذكور بحيث إن من يدخل إلى المركز من المصابين تتراجع حالته نحو الأسوأ”، وخلصت إلى القول إن مناعة المصاب ومقاومته للمرض تهبط بدلًا من أن ترتفع.
وكشفت الإبراهيمي “وعندما استفسرنا عن سبب ذلك أجابونا بأن هذه هي الإمكانيات المتاحة”.
وأشارت رئيس لجنة متابعة الأمراض السرطانية إلى بناية بديلة قيد الإنشاء وشبه منجزة لمركز الأورام السرطانية، غير أنها كانت تعاني من تلكؤ العمل لعدة أشهر بسبب أخطاء تصميمية لم تُحسب حساب الارتفاع المطلوب لمنظومة التبريد المركزي في الطابقين الثالث والرابع”، واستطردت “وقد تدخلنا لمعالجتها في الأيام الأخيرة بتغيير اللجنة المشرفة والتي اقترحت أن تكون منظومة التبريد جانبية في الطابقين المذكورين بدلًا من منظومة التبريد المركزي”.
وتوقعت الإبراهيمي إنجاز المركز البديل خلال الأشهر القادمة بعد تجهيزه بالأجهزة المطلوبة من واردات البترو دولار.
وأشارت رئيس لجنة متابعة الأمراض السرطانية إلى مساعٍ لشمول جميع المصابين بالأمراض السرطانية بقطع الأراضي وفق منحة رئيس الوزراء”، إذ تجد الإبراهيمي أن “قطعة الأرض يمكن أن يستفيد المصاب من ثمنها عند بيعها لتغطية وتأمين الأموال اللازمة للعلاج”.
يُذكر أن العشرات من مرضى السرطان احتشدوا يوم (11 حزيران 2024) أمام ديوان محافظة ذي قار للمطالبة بتوفير الرعاية الطبية والأدوية وأجهزة الفحص الطبي، وفيما أشاروا إلى اضطرار الكثير منهم إلى بيع مساكنهم والاقتراض لتأمين تكاليف العلاج، شددوا على ضرورة التعجيل بتوزيع قطع أراضٍ سكنية لهم وزيادة رواتبهم بما يتناسب مع النفقات المطلوبة لعلاجهم.
وكانت مديرية بيئة ذي قار كشفت في (منتصف تموز 2024) عن توجيه إنذارات وفرض غرامات مالية على حقول نفطية مخالفة للمتطلبات البيئية، وذلك بالتزامن مع إعلان لجنة الصحة والبيئة في مجلس المحافظة عن تسجيل أعداد كبيرة من حالات الإصابة بالأمراض السرطانية في المناطق السكنية القريبة من الحقول المذكورة.
يُشار إلى أن رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة ذي قار كشف في الـ (20 أيار 2024) عن اتخاذ مجلس المحافظة عدة قرارات لدعم مرضى السرطان الذين تُقدّر أعدادهم بثمانية آلاف مصاب في المحافظة.
وكانت دائرة صحة ذي قار كشفت يوم الثلاثاء (15 كانون الثاني 2019) عن تسجيل 4 آلاف حالة إصابة بمرض السرطان في مختلف مناطق محافظة ذي قار من بينها 749 إصابة جديدة خلال عام 2018.
وفي (24 نيسان 2019) كشف مصدر مطلع في دائرة صحة ذي قار عن تسجيل أكثر من ثلاثة آلاف حالة وفاة بسبب أمراض السرطان في محافظة ذي قار خلال خمسة أعوام، مبينًا في تصريحات صحفية إن عدد حالات الوفاة المسجلة في المحافظة في المدة من بداية عام 2013 وحتى نهاية عام 2017 بلغت 3172 حالة وفاة.
وكان أطباء وباحثون قد كشفوا في (مطلع 2019) عن “ارتفاع ملحوظ” في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية في المنطقة الجنوبية من العراق، وبيّنوا أن “مرض السرطان هو واحد من أخطر ثلاثة أمراض تؤدي إلى الوفاة في المنطقة المذكورة”.