في موسم الانتخابات.. يتذكرون معاناة الكادحين
نشر بواسطة: mod1
السبت 12-07-2025
 
   
طريق الشعب

مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، تتكرر مشاهد الحملات الدعائية التي تتغنى بآلام الناس، وتتحول معاناة الكادحين، لا سيما عمال الشورجة، إلى مادة استهلاكية على ألسنة المرشحين. تُطلَق وعود كثيرة، وتتكرر الزيارات الميدانية إلى الأسواق الشعبية، لكنها تنتهي مع انتهاء الاقتراع، تاركةً خلفها الفقر ذاته، والإهمال ذاته، والاستغلال ذاته.

في قلب بغداد القديمة، وتحديدًا في أسواق الشورجة، تعمل آلاف الأيدي المتعبة في مهنة "العتالة"، من شباب بعمر الزهور، وكهول دفعهم ضيق الحال إلى كدح لا يحتمله الجسد، تحت أشعة الشمس الحارقة.

يقول المواطن أبو أحمد، وهو أحد العتالين في السوق، في حديثه إلى "طريق الشعب":

"يوجد في الشورجة نحو 5000 عتال، تتراوح أعمارهم بين 8 و70 عامًا. جميعهم يعملون بأجور تتراوح بين 10 و20 ألف دينار يوميًا، ولساعات طويلة تبدأ منذ الفجر، تحت الشمس اللاهبة".

ويتابع: "نحن نتحمل أعباءً جسدية ونفسية كبيرة. يكفي أن نعلم أن أي ضرر غير متعمد، أو حالة سرقة تقع أثناء نقل بضائع المواطنين، يتحمل العتال تبعاتها كاملة. وغالبًا يضطر إلى دفع تعويض من جيبه، رغم ضيق حاله".

ويشدد أبو أحمد على أن "الكثير من التجار يستغلون العمال العتالين أبشع استغلال، دون رحمة أو مراعاة".

غياب الحماية القانونية

أبرز ما يؤرق هؤلاء العمال هو غياب أي غطاء قانوني يحميهم. يقول أبو أحمد: "لا ضمان اجتماعي، ولا تأمين صحي، ولا حتى أي شكل من أشكال الاعتراف الرسمي بنا كعمال. لذلك، نطالب بإنشاء صندوق خاص بالعمالة غير المنظمة، يكفل لنا الحد الأدنى من الكرامة والأمان في حياتنا".

ويُردد ذات المطلب زميله العتال علي خالد، الذي يقترح أن "يُدار هذا الصندوق من قبل وزارة العمل، أو جهة مستقلة تُعنى بشؤون العمال، وأن يُسمح للعمال بإيداع مبالغ شهرية فيه، لضمان رواتب شهرية عند العجز عن العمل".

وعن آلية عملهم في السوق، يشرح خالد أن "توزيع العمال يتم من خلال فرق صغيرة يديرها عتالون قدامى، يتولّون تنظيم العمل داخل السوق، وحل المشكلات التي قد تحدث سواء مع الزبائن أو التجار".

ويضيف أن "هذه المنظومة التنظيمية البدائية هي كل ما لدينا، في ظل غياب أي دور حكومي".

خريجو الجامعات على الأرصفة

تفشي البطالة جعل من مهنة العتال ملاذًا لفئات جديدة، خاصة من الخريجين.

مهيمن حسين، أحد هؤلاء العتالين، تخرج عام 2019 من معهد الفنون الجميلة وكان من الأوائل. يقول:

"لم أحصل على فرصة عمل واحدة ضمن اختصاصي، رغم محاولاتي العديدة. اضطررت إلى العمل كحمال بأجر لا يتجاوز 15 ألف دينار في اليوم".

ويضيف بحسرة: "رغم صعوبة هذا العمل، فهو أفضل من البقاء عاطلًا، وانتظار معونة لا تأتي".

الوعود الانتخابية لا تُطعم خبزًا

ليث الزبيدي، بائع في الشورجة وحاصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ، يقول لـ "طريق الشعب":

"العمال هنا لا يملكون أدنى حقوقهم. لا ضمان، لا قانون، لا رعاية. ومع كل انتخابات، تتكرر زيارات السياسيين والمرشحين، ويغدقون علينا وعودهم الزائفة التي تتبخر بمجرد فوزهم".

ويضيف الزبيدي أن أغلب العمال لا يعرفون حتى كيف يُشملون بالضمان الاجتماعي، مشيرًا إلى أن الكثير منهم بات يفضل الشمول بالرعاية الاجتماعية، رغم ضآلة مخصصاتها، على أمل أن تكون أفضل من لا شيء.

وينبّه الزبيدي إلى أن "العديد من الخريجين اضطروا للعمل كعتالين بسبب غياب الدعم الحكومي الحقيقي"، مؤكدًا أنه قدّم عدة مرات إلى وظائف حكومية، وكان آخرها التقديم على عقود محافظة بغداد، لكن "الأسماء لم تُعلَن حتى اليوم".

السياسات الحكومية عجز وتواطؤ؟

في خضم هذا المشهد، يبدو واضحًا أن الفشل في استيعاب الخريجين وتطوير سوق العمل بات سمة من سمات الأداء الحكومي. فلا مبادرات فاعلة، ولا إصلاحات جذرية، ولا مشاريع مستدامة تستثمر طاقات الشباب. كل ما يجري هو إعادة تدوير ذات الشعارات القديمة، التي يُستحضر فيها صوت العامل فقط حين يكون الصوت الانتخابي مطلوبًا.

إن ما يعانيه عمال الشورجة، كما الآلاف من نظرائهم في العراق، لا يمكن فصله عن سياسة ممنهجة للتجاهل، وأخرى أكثر سوءًا تقوم على الاستغلال الانتخابي.

هؤلاء لا يطلبون المستحيل، بل أبسط مقومات الكرامة: عمل آمن، أجر عادل، ضمان يحفظ مستقبلهم، وحكومة تفي لا تبيع.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





المهرجان العربي والكلداني
 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced