للولائم في العراق طقوسها ، واذا كانت لدي بعض الشكوك عن اقدام حاتم الطائي على ذبح فرسه لأطعام ضيوفه ، فان المزيد من الشكوك تحوم الان بشأن نيات واهداف إقامة الولائم عراقياً وألا لماذا الاسراف في تعددها ، وضخاماتها ومفاضلاتها ،وتصديرها أعلانات مبوبة ، .
عن رصد موقعي ، هناك منصات علنية وسرية تتبادل فيها الانخاب بأضواءٍٍ خافتةٍ ، واخرى بزوايا مناطقية تحت وابل عناوين ساذجة مفادها لمْ الشمل ، ومزاعم الحفاظ على قربى ابناء المنطقة ،وتضميد جروح قطيعة وفق نظرية اجتماعية مزرية يعتقدونها ، إن الالتقاء على اطباق متنوعة من الطعام تغسل القلوب وتعزز الألفة .
اغلب الولائم ،تقام بمفاتيخ حصصية خالصة اذا اخذنا بحقيقة انه لايدعى لها إلا من تتلمذ على تلك النزعات المبيتة لأراقة حياء المعدة .
البعض يواصل هذه المهمة بالمزيد من الامعان على جبهتين ،الأولى ، يخصصها لشراء المواقف ، الثانية ، انك تستطيع تقيم فروض الطاعة من خلالها خاصة حين يتم تصوير تلك المناسبات وتبث عبر الانترنيت بأشادات (عفية ) ، أو( والنعم) ،أو( گدهه) .
اخرون يعطي للمفاضلة بين الولائم المزيد من الاهتمام ، فهو يعتذر عن تلبية بعضها في حين يكون في استنفار كامل لتلبية اخرى لأنها بمردودات نفع اكبر لنوعية المدعوين لها ، وفرص عقد الصفقات .
القائمة طويلة ، غداء عمل ، عشاء عمل ، أفطار عمل ، ولك ان تتصور حجم الطعام الذي يتطاير من الافواه حين يتم التداول في قضايا شائكة كتبادل العتب وتسطير المصالحات وتقاسم نفوذ ، أو تسديد شتائم ضد غائبين ، وانسب لنفسي انني وثقت (الورم العشائري) الذي تغذيه الولائم في اكثر من بحث ومقالة واحد نشرت بعضها في صحيفة (الزمان ) واخرى في صحيفة الوطن العمانية ،وفي بحث لي عن عيوب المصالحة الوطنية ألقيته في إحدى قاعات الجامعة الامريكية في بيروت عام 2018 ، وفي كل ما اجتهدت به في هذا الشأن ظلت مفارقة طريفة ، تحضرني غالباً ، وليمتا اللقلق والثعلب اللتان اقاماها في استدلال متناقض صارخ من خلال استخدام الجرة والاناء ، فلا اللقلق اكل من الطعام الذي قدمه الثعلب ، ولا الثعلب استطاع ان يأكل من الطعام الذي قدمه اللقلق .
بخلاصة تحليلية اخرى ، اضخم الولائم عراقياً رشاوى ، وتسديد أثمان ، لكنها تختلف عن الرشى المالية التقليدية التي تمنح عادةً من تحت الطاولات على غرار عادة موظف في الهند اقنع صديقه امين الصندوق ان يمنحه راتبه من تحت الطاولة تماشياً مع انتظام مد يده من تحتها خلال انخراطه مع مراجعيه لقبض الاثمان (المنصوص) عليها في قوانينه هو التي شرّعها لنفسه وليس بقوانين النزاهة
لقد تمنيت على أحد اصدقائي ان يكف عن اقامة الولائم الضخمة ويترفع عن نشرها ، وأن يقلل تلبيتها عند الاخرين ، هو ميسور الحال وقد أقترحت عليه ان يشتري مقاعد دراسية يهديها لاحدى المدارس التي تشكو من نقص فيها وسيظل التلميذ الذي يجلس عليها مدينا له بالفضل فصرف مقترحي الى النسيان بعد ان قال لي ، مَنْ يقبل الاكتفاء بفنجان قهوة ، ومادمنا في الحديث عن الورم العشائري يتملكني الغضب من الآليات المعتمدة في المضايف من الفرز الطبقي لجداول التقدم على الولائم الامر الذي يجبر البعض على انتظار (عليّة القوم ) أن يفرغوا منها ليحل دورهم عليها في تنظيم تراتبي مهين
بخلاصة حسابية مقترحة ، كم يمكن ان نجمع خلال سنة واحدة لو ان المبالغ المرصودة للولائم على الصعيدين ، الحكومي والعشائري وعلى صعيد الافراد لشراء ادوية لمرضى لا يستطيعون شراءها .
انا لست ضليعا بتقدير حجم المبلغ الذي يوفره مشروع دعم من هذ النوع ، لكني أكتفي بأجابة موظف خدمة في احدى مطاعم الدرجة الاولى ، .
فقد قال لي ان المطعم يكسب اكثر من مئة وخمسين مليون دينار عراقي في الشهر الواحد مقابل الولائم العامة التي تقام فيه لوجبات عشاء فقط ولكم ان تقيسوا على ولائم الفطور والغداء ايضاً …
عودة على بدء ، افترض الشكوك عن قناعة تحليلية بزعم أقدام حاتم الطائي على ذبح فرسه الوحيدة لإطعام ضيوفه ، الواقعة التي رويت لم تصدر عن شاهد إثبات وثّقَ شهادته ميدانيا ، ثم ان هذه الرواية تتناقض مع رواية أخرى تفيد ان حاتماً وأخوته حجروا على أمهم ، لأنها كانت تٌفرّط بممتلكات العائلة هبةً ، متهمين اياها بالخَبل ،، لكن ذلك لايلغي أحتمال ان الطائي كان على صفة كرم ما وليس يالتهويل الذي وصلنا
بالمجمل ، الاستفراغ العاطفي لم يغب عن الروايات المنقولة حسب القربى والمزاج وأستطعام المديح أو الذم ، ولك ان تقيس من بيت الشعر ( قوم اذا سمعوا بمكة أكلةً - هبوا اليها قبل الحجيج بعام ) ،كما لك ان تقيس على بيت شعر للأخطل ( قوم اذا أستنبح الاضياف كلبهم - قالوا لأمهم بولي على النارِ ) .
أمام ما جرى بين اللقلق والثعلب ، وفرس الطائي يظل الاسراف في الولائم تطويحاً مرضياً نفسياً لمزاعم كرم زائف لا ينسجم مع اصول الضيافة المتوازنة .