لم يبقَ على انطلاق العام الدراسي الجديد في العراق سوى 17 يوماً، وسط استعدادات يشهدها القطاع التعليمي على مستويات مختلفة تشمل تهيئة المباني المدرسية، وطباعة المناهج وتسوية الملاكات التعليمية والتدريسية، وغيرها، لكن في المقابل لا تزال ملامح الأزمات البنيوية في هذا القطاع جلية، من نقص الأبنية المدرسية واكتظاظ الصفوف بالطلبة والتلاميذ وارتفاع أسعار مستلزمات الدراسة ونفقاتها في ظل ظروف معيشية صعبة تُرهق أولياء الأمور الفقراء وذوي الدخل المحدود.
ويواجه قطاع التعليم في البلاد تحديات تتكرر سنويا، ما يشغل الكوادر التدريسية والطلبة على حد سواء، في تساؤلات مقلقة قبيل انطلاق العام الدراسي: هل ستتكرر المشكلات ذاتها، أم سيكون هذا العام مختلفا؟!
ومع بدء العد التنازلي تبرز تحولات لافتة، من بينها إطلاق مدارس ذكية في تجربة جديدة يُتوقع أن تنعكس إيجاباً على أداء الطلبة، إضافة إلى إنجاز مشروع الأبنية المدرسية النموذجية أخيرا، إلا أن ازمة اكتظاظ المدارس والصفوف لا يبدو انها حُلت.
في حين لا يزال أولياء الأمور متذمرين من غلاء أسعار المستلزمات الدراسية وضُعف التدريس الذي يُرغم الطلبة على الانتظام في دورات تقوية مكلفة، فضلا عن النفقات الدراسية اليومية المُرهقة.
وعن تفاصيل الاستعدادات، يقول المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد، ان الهيئات التعليمية والتدريسية باشرت الدوام منذ 1 أيلول الجاري، على أن ينطلق العام الدراسي يوم 28 من الشهر نفسه.
ويوضح في حديث صحفي، أن الوزارة بدأت مبكرا طباعة المناهج، مبينا أن الكتب ستكون كاملة باستخدام المسترجعة من العام الماضي والجديدة المطبوعة هذا العام.
فيما يشير إلى تهيئة الأبنية والقاعات الدراسية والمدارس وتسوية الملاكات التعليمية والتدريسية، مؤكدا أن ملف الأبنية من أولويات الوزارة "حيث تم إدخال أكثر من 1700 مدرسة إلى الخدمة خلال العامين الماضيين، ويجري العمل حالياً على 500 مدرسة أخرى".
وعن المدارس الكرفانية، ينوّه إلى أن الوزارة وجّهت بالإسراع في التخلص منها ومنع استخدام مادة السندويتش بنل. بينما يلفت إلى ان المدارس الطينية ستُزال "فهناك مشاريع جديدة يتم العمل عليها بالقرب من هذه المدارس وسيتم نقل الطلبة إليها حال إكمالها".
ومن المقرر أن يساهم مشروع الأبنية المدرسية النموذجية المنجز أخيرا، في الحد من الدوام المزدوج والثلاثي وفي غلق المدارس الطينية والكرفانية في عدد من المدن - وفقا للمتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد.
إذ يوضح في حديث صحفي، أن مواقع مشروع الأبنية النموذجية "سُلّمت إلى مديريات التربية في بغداد والمحافظات، وتمت المباشرة بتأثيث هذه المدارس بأجهزة التكييف والأجهزة المكتبية والرحلات والسبورات"، لافتا إلى أن هذه المدارس حديثة وتنفذ لأول مرة في العراق من ناحية المساحات المستخدمة والتصاميم الهندسية والمعمارية.
وينّوه إلى "تحويل 50 مدرسة نموذجية في بغداد والمحافظات إلى مدارس ذكية، وذلك بالتعاقد مع شركة عالمية رصينة متخصصة في التقنيات"، مبينا أن هذه المدارس تحتوي على شاشات ذكية تفاعلية بديلة عن السبورات، تعمل بالألواح الشمسية، وانه تم تجهيز وتهيئة أكثر من 8 آلاف جهاز لوحي ستوزع على الطلبة، تحتوي على جميع المناهج الدراسية الخاصة بكل مرحلة.
وبينما يذكر مجيد في حديث صحفي سابق أن "العراق يحتاج الى 12 ألف مدرسة، وفق أرقام وزارتي التربية والتخطيط، لإنهاء الاكتظاظ الحاصل"، يرى عضو لجنة التربية البرلمانية جواد الغزالي، أن البلاد تحتاج إلى نحو 10 آلاف مدرسة.
هل تُطبق مدارسنا المعايير الدولية؟!
يرى الخبير التربوي حيدر الموسوي أن "المعايير الدولية تنص على ألا يزيد عدد التلاميذ في الصف الواحد على 25 تلميذا. في حين يضم بعض الصفوف في العراق أكثر من 70 تلميذا، ما ينعكس سلباً على جودة التعليم والتحصيل الدراسي".
ويؤكد في حديث صحفي أن "التوجه نحو التعليم الحديث يتطلب خفض العدد إلى 10 طلبة في الصف، وهو ما يستدعي مضاعفة عدد الأبنية المدرسية الحالية عشرات المرات. في حين لا يزال نظام الدوام المزدوج معمولاً به في معظم المناطق، بل أن العمل يجري أيضا على الدوام الثلاثي".
عبء على أولياء الأمور
يشكل نظام الدوام المتعدد عبئاً إضافياً على أولياء الأمور. إذ يعرب المواطن أبو بنين من بابل، عن معاناته اليومية بسبب تعدد أوقات دوام أبنائه في المدارس، ما يُجبره على إيقاف عمله كسائق "ستوتة" مرات عدة في اليوم ليوصل أبنائه إلى مدارسهم أو يعيدهم منها.
ويقول في حديث صحفي أن "كثرة المشاوير وتكاليف الوقود تُشكّل ضغطاً إضافياً على ميزانية العائلة"، مطالباً الجهات المعنية بـ"تقليل نظام الدوامات المتعددة أو توفير خطوط نقل مدرسية مجانية لتخفيف الضغط عن الأسر العاملة".
تحديات تُنهك الفقراء
تواجه الأسر الفقيرة وذات الدخل المتدني وحتى المتوسط، تحديات اقتصادية عديدة مع اقتراب موعد العام الدراسي، كما هو الحال مع المواطنة أم رند من بغداد. إذ تعاني، وهي أم لثلاث بنات في مراحل دراسية مختلفة، ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية وأجور النقل.
وتقول في حديث صحفي أن تجهيز بناتها بات يكلف أكثر من نصف دخل الأسرة، مضيفة قولها أن "أجور خطوط النقل ترتفع كل عام حتى أصبحت عبئاً كبيراً متزايداً على الأسر، خاصة ممن لديها أكثر من طالب أو تلميذ".
وتدعو أم رند، شان أبو بنين، إلى "توفير خطوط نقل مدرسية مجانية أو بأسعار رمزية، لتخفيف العبء عن العائلات، إلى جانب وضع تسعيرة موحدة للمستلزمات المدرسية وتشديد الرقابة على الأسواق".
تفاوت في أسعار المستلزمات
وعن أسعار المستلزمات الدراسية، يقول علي كاظم، وهو صاحب مكتبة في كربلاء، أن "الأسعار شهدت تفاوتاً واضحاً هذا العام حسب المرحلة الدراسية ونوعية التجهيزات: "حيث تزداد متطلبات المراحل المتوسطة والإعدادية مقارنة بالابتدائية، ما يرفع الكلفة".
ويضيف في حديث صحفي قوله أن تنوع التصاميم واختلاف جودة المنتجات في السوق توفر خيارات متعددة تلبي جميع الأذواق "لكن الأسعار ترتفع مع المنتجات ذات الجودة العالية، فيما تبقى الخيارات الاقتصادية متاحة".
ويشير إلى أن قدرة الأسر الشرائية هي العامل الأهم في اختيار المستلزمات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.