تتضمن الدورة الثانية لمهرجان بغداد السينمائي الذي سوف تنطلق فعّالياته بين 15 - 21 / 9 / 2025 أربع مسابقات رئيسة وهي على التوالي: مسابقة الفيلم الروائي الطويل، ومسابقة الفيلم الروائي القصير، ومسابقة الفيلم الوثائقي الطويل والقصير، ومسابقة أفلام التحريك "الأنيميشن". وقد بلغ عدد الأفلام المتنافسة 67 فيلمًا تمّ اختيارها من بين 423 فيلمًا وصلت إلى المهرجان خلال شهر أغسطس / آب المنصرم وتم فحصها من قِبل لجنة المُشاهدة والتقيّيم. ومن اللافت للنظر أنّ حصة مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة هي الأقل في المسابقات الأربع المذكورة سلفًا؛ إذ بلغ عددها 5 أفلام وثائقية طويلة فقط بينما وصل عدد الأفلام الوثائقية القصيرة 13 فيلمًا. لقد صادف أن شاهدت من بين هذه الأفلام الوثائقية الخمسة فيلمين وهما "من عبدول إلى ليلى" للمخرجة الفرنسية ليلى البياتي في مهرجان الجونة السينمائي سنة 2023 وفيلم "حكايات الأرض الجريحة" للمخرج الفرنسي من أصول عراقية عباس فاضل الذي شاهدته على موقع مُشفّر وكتبتُ عنه في صحيفة عراقية معروفة. أمّا الأفلام الثلاثة الأخرى فقد قرأت عنها العديد من الدراسات النقدية لأصدقائي من نقاد السينما من بينهم الناقد السينمائي الجزائري عبدالكريم القادري ونديم جرجورة وأحمد شوقي وآخرين لا يسع المجال لذكرهم جميعًا.
على الرغم من وثائقيته يجمع فيلم "من عبدول إلى ليلى" للمخرجة الفرنسية ليلى البياتي بين تقنية الفيلم الوثائقي والروائي ولا تجد مُخرجته حرجًا في الاستعانة بتقنيات الرسم والڤيديو والغناء لتقدّم لنا سرديتها الغنيّة بالمواقف والأحداث وخاصة بعد تعرّضها لحادث مروري مُدبّر يتسبب في فقدانها للذاكرة. تسعى "ليلى" وهي امرأة فرنسية من أصل عراقي للتواصل مع عائلتها في جنوب فرنسا في محاولة جديّة ومحمومة لمعرفة هُويتها وجذورها الثقافية والاجتماعية حيث تنتقل بين عدة بلدان عربية وأجنبية مثل العراق الذي ينحدر منه الأب، ومصر التي تُقيم فيها شقيقتها، والجنوب الفرنسي الذي تعيش فيه أمها، إضافة إلى انتقالها إلى برلين لكي تتغلب على الصدمات التي تعرضت لها في عقر دارها. يمكن أن يُصنّف هذا الفيلم بـ "الغنائي أو الموسيقي" أيضًا حيث تسرد الراوية قصتها بأكثر من لغة تكشف لنا تعقيدات الهوية العراقية في المنفى الأوروپي. كما يسلّط الفيلم الضوء على والدها المعارض للنظام الدكتاتوري السابق في العراق وهروبه إلى المنفى الفرنسي بغية تحقيق الحلم الديمقراطي الذي يغازل مخيلته المتوهجة. فاز هذا الفيلم بجوائز عديدة من بينها جائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان تطوان للأفلام المتوسطية.
يتمحور فيلم "حكايات الأرض الجريحة" للمخرج الفرنسي من أصول عراقية عباس فاضل على الحرب الأخيرة التي شنّها الكيان الصهيوني الغاصب على الجنوب اللبناني وخاصة مدينة النبطية والبلدات والقرى المجاورة لها. وقد صوّر عباس فاضل سواء بكاميرته السينمائية أو بهاتفه النقال وقائع هذه المعركة التي استعمل فيها الجيش الإسرائيلي قوة مفرطة وغير مسبوقة أفضت إلى مسح مدن وقرى بكاملها. يصور الفيلم لحظات اندلاع الحرب ونزوح المدنيين إلى بيروت ومدن لبنانية أخرى ثم العودة إلى ديارهم التي دمّرها القصف الوحشي. وعلى الرغم من الخراب الذي حلّ بمدن الجنوب وقراه إلّا أنّ الإصرار على البقاء والمقاومة هو الذي منح الفيلم أهميته. إذ يمكن للقوة الإسرائيلية الغاشمة أن تقوّض مدن الجنوب اللبناني برمتها لكنها لا تستطيع أن تكسر إرادتهم أو تقلل من رغبتهم وتشبثهم بالحياة الحرة الكريمة. لا يخلو الفيلم من الطابع الشخصي فقد صوّر المخرج زوجته نور بلوق وابنته الصغيرة كامي التي كانت حاضرة منذ مستهل الفيلم حتى نهايته. جدير ذكره بأنّ هذا الفيلم قد حاز على جائزة أفضل إخراج في الدورة الثامنة والسبعين لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي في سويسرا.
لم تكن المخرجة اللبنانية ميريام الحاج على عجلة من أمرها وهي تصوّر ما يقارب الـ 300 ساعة منذ عام 2018 وحتى عام 2022 لتنتقي منها أحداث فيلمٍ وثائقي يحمل عنوان "متل قصص الحُب" مدته 110 دقائق لا غير. كما ينضوي الفيلم تحت عنوان أجنبي مفاده "يوميات من لبنان"؛ ذلك لأن المخرجة تروي عبر تقنية اليوميات أو الاستذكارات أربع سنوات عاصفة من تاريخ أمة متنوعة الأعراق والديانات والمذاهب تغرق في العنف المفرط والفوضى العارمة التي لم تتوقف منذ خمسة عقود أو يزيد. وقد اختارت المخرجة أن تسلّط الضوء على ثلاث شخصيات رئيسة وهي على التوالي: جمانة حدّاد وهي شاعرة وكاتبة وناشطة لبنانية معروفة قيل إنها ترشّحت للانتخابات البرلمانية وفازت لكن الطبقة السياسية أسقطتها وحرمتها من هذا الفوز، وپيرلا جو معلولي وهي فنانة وناشطة شابة. أمّا الشخص الثالث فهو جورج مفرج المُلقب بـ "أبي الليل" الذي مارس العمل السياسي وشارك في الحرب الأهلية اللبنانية. يشترك هؤلاء الثلاثة برغبتهم الجدّية في التغيير لكنهم فشلوا جميعًا رغم ما يتميزون به من حماس وروح ثورية لا تستكين. تعتقد المخرجة أنّ هذه الشخصيات الثلاث تمتلك عنصر الأمل فلا غرابة أن تكون غاضبة ومنفعلة على الدوام. أنجزت ميريام بضعة أفلام وثائقية من بينها "لم أرَ الحرب في بيروت" عام 2009، و "هدنة" 2015.
لا يختلف فيلم "سودان يا غالي" للمخرجة الفرنسية من أصول تونسية ومغربية هند المدب عن سابقه "متل قصص الحُب" لجهة تمحوره على قضية الوطن حيث يركِّز الفيلم على أحلام المواطنين خلال "الفترة المضطربة التي سبقت الانقلاب العسكري في السودان سنة 2019، حين اندلع صراع على السلطة بين الجيش والمجموعة شبه العسكرية التي تُمثِّلها "قوات الدعم السريع"، التي أحكمت قبضتها على ثروات البلاد، وأجبرت الملايين على مغادرته بسلوك طريق المنفى". كما يعتمد الفيلم ثلاث شخصيات ناشطة يحلمون بتحقيق نظام ديمقراطي جديد بعد الإطاحة بالنظام العسكري الشمولي وهذه الشخصيات هي: شجن سليمان، ومها الفقي، وأحمد مزمّل الذين ينضالون من أجل تحقيق الحرية المُرتقبة للبلاد والعباد. أنجزت هند المدب ثلاثة أفلام وهي: "إلكترو - شعبي" و "صِدام تونسي" و "باريس ستاليننغراد".
أمّا الفيلم الوثائقي الخامس والأخير فهو "السنعوسي وداعًا" للمخرج الكويتي علي حسن الذي يسلّط الضوء من خلال فيلمه على الإعلامي الراحل محمد ناصر السنعوسي الذي يُعدّ أبرز صنّاع التنوير في الإعلام الخليجي، وهو مؤسس التلفزيون الكويتي، والمنتج لفيلميّ "الرسالة" و "عمر المختار" وشغل منصب وزير الإعلام. يضم الفيلم (29) شخصية عاصرت السنعوسي ومنهم سعاد عبدالله محمد المنصور وماما أنیسه وغنام الديكان وأحمد ناصر السنعوسي وزياد محمد السنعوسي عبدالوهاب الهارون وفهد المعجل ووزير الإعلام عبدالرحمن المطيري. أنجز علي حسن عددًا من الأفلام الوثائقية نذكر منها "سنة 90" و "معركة السماء والأرض" و "من الكوت إلى الكويت".