يتناول تقرير "البحث عن العدالة: قوانين الاغتصاب في الدول العربية" بحثاً مفصلاً عن القوانين النافذة والمحدثة التي تتناول هذا الملف، وكذلك التوصيات الهادفة إلى تحقيق العدالة للناجيات والضحايا في الدول العربية.
لا يزال العنف الجنسي، ولا سيما الاغتصاب، أحد أكثر أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي التي لا يتم الإبلاغ عنها بشكل كافٍ في الدول العربية، حيث تقتصر معظم الأطر القانونية الوطنية في تعريف الاغتصاب ومقاضاة مرتكبيه والتصدي له.
ملخص عن التقرير
يتناول تقرير "البحث عن العدالة: قوانين الاغتصاب في الدول العربية" القوانين المتعلقة بالاغتصاب والاعتداء الجنسي في الدول الـ 22 الأعضاء في جامعة الدول العربية، وهي: الجزائر، البحرين، جزر القمر، جيبوتي، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، موريتانيا، المغرب، عمان، دولة فلسطين، قطر، المملكة العربية السعودية، الصومال، السودان، سوريا، تونس، الإمارات العربية المتحدة، واليمن.
أما الهدف الرئيسي من التقرير، فهو تحديد مدى توافق هذه النظم القانونية الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخصوصاً فيما يتعلق بتعريف الاغتصاب على أنه ممارسة الجنس دون رضا، بغض النظر عن استخدام القوة من عدمه، ويكشف التقرير كيف تختزل الأطر الوطنية تعريفات الاغتصاب بمصطلحات ضيقة لا تعترف بهذا الجرم إلا إذا وقع بين رجل وامرأة، ولا يشمل الاغتصاب بين رجل ورجل أو المتعلق بالأطفال، وذوي الاحتياجات الخاصة والفئات المهمشة.
كما ولا يعترف بالاغتصاب الزوجي كاغتصاب، ويعطي لمحة عامة عن كيفية تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع، والذي غالباً ما يكون على حساب الناجيات، كما يتطرق إلى عبء الإثبات من الناجيات والإبلاغ عن اغتصابهن بسرعة وتقديم أدلة على الإصابة الجسدية كما تتطلبه القوانين.
ويختم التقرير بتوصيات منها إصلاح التعريفات وإزالة الحواجز القانونية المتعلقة بالاغتصاب بحيث يشمل الاغتصاب الزوجي، وإلغاء متطلبات الإثبات في القانون أو في الممارسة العملية التي تضع عبئاً غير عادل على الناجين، وحظر الممارسات التمييزية مثل اختبار العذرية واستخدام التاريخ الجنسي السابق للضحية في المحاكم، وتعزيز الوصول إلى العدالة وخدمات الدعم للناجيات مثل المساعدة القانونية، والرعاية الصحية، الملاجئ، الدعم النفسي والاجتماعي، توفير آليات للتبليغ بسرية، أو تراعي احتياجات الأطفال، وحماية الفئات الضعيفة والمهمشة وضمان المساءلة والمراقبة.
ثغرات قانونية وإجرائية
وتزامناً مع إطلاق التقرير الذي أعده فريق منظمة "المساواة الآن" Equality Now، تحدثت لوكالتنا الممثلة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتورة ديما دبوس في منظمة Equality Now حول هذا التقرير، وحول التطور في القوانين المتعلقة بهذا الملف الشائك.
وسلطت ديما دبوس الضوء على الثغرات القانونية والإجرائية في التعامل مع قضايا الاغتصاب في العديد من الدول العربية، موضحة أن تعريف الاغتصاب في هذه القوانين محدود ولا يشمل جميع أشكال الاعتداء الجنسي المعترف بها دولياً، مثل اغتصاب رجل لرجل، أو طفل، أو استخدام أدوات بدلاً من الأعضاء التناسلية، وتُعتبر هذه الفجوات في التعريفات القانونية معضلة كبيرة تعيق حماية الضحايا ومحاسبة الجناة وفق المعايير الدولية.
وأضافت "هناك ثغرة ثانية موجودة أيضاً في القوانين قبل الحديث عن الإجراءات وهي متمثلة في عدم الاعتراف بالاغتصاب الزوجي، وهذه مشكلة كبيرة جداً لأن هناك العديد من النساء تتعرضن للعنف الجنسي، في المنزل، في العائلة، ولا تتمكن المرأة من الحصول على حقها وعلى العدالة، ولا تتمكن من التخلص من هذا الوضع، وهناك الكثير من المشاكل التي تُبقي النساء سجينات وضعهن وهن غير قادرات على الوصول إلى العدالة".
وأوضحت أن هناك مشكلة الاجراءات التي ستتبعها الضحية التي تريد أن ترفع شكوى ضد مغتصبها وإذ لم تتقدم بشكوى بظرف يومين أو ثلاثة لا تعود الأدلة صالحة بالنسبة إلى الشرطة، ولا تأخذ بعين الاعتبار الوضع النفسي للضحية، متسائلة "ضحايا الاغتصاب ماذا يفعلن؟ يقفلن على أنفسهن ويتعرضن لصدمة، فكيف يمكن أن ننتظر من هذه الضحية أن تسرع إلى الشرطة؟ فضلاً عن عدم تقبل المجتمع أن تأتي فتاة وتقول أنا اغْتِصِبت، فيقوم بلوم الضحية، ماذا كانت ترتدي وماذا قالت، ولا يقترب من الجاني".
"نحو عدالة منصفة لضحايا العنف الجنسي في السلم والنزاعات"
كما أشارت إلى أهمية تنظيم دورات تدريبية وتقديم نتائج الدراسات للجهات المعنية مثل الشرطة والقضاة، مؤكدة على ضرورة وجود طبيبة نفسية في أقسام الشرطة لتسهيل الحديث عن هذه القضايا الحساسة، خاصة في المجتمعات المحافظة، منتقدة غياب الدعم النفسي للضحايا أثناء الفحص الشرعي، حيث غالباً ما يتم الفحص من قبل رجال دون وجود مرافق نفسي، مشددة على أهمية التوعية والتدريب لضمان استمرار الضحية في الإجراءات القانونية، لأن غياب العقاب للجناة يؤدي إلى استمرار هذه الجرائم.
وأكدت أنه رغم الظروف الصعبة التي تواجه ضحايا العنف الجنسي، هناك بوادر أمل وتحركات فاعلة من المجتمع المدني للضغط من أجل تعديل القوانين، معتبرة أنه من أهم الإنجازات القانونية في المنطقة هو إلغاء المادة التي كانت تتيح للمغتصب الإفلات من العقاب إذا تزوج ضحيته، وهو أمر غير مقبول أخلاقياً وإنسانياً، مشددة على أن إجبار الضحية على الزواج من مغتصبها هو شكل من أشكال إعادة الاعتداء عليها مدى الحياة "قامت دولاً مثل لبنان، الأردن، فلسطين، تونس، المغرب، البحرين، ومؤخراً الكويت، بإلغاء هذه المادة، ما يعكس وعياً متزايداً بالظلم الكبير الذي تتعرض له ضحايا الاغتصاب".
وأوضحت أن التقرير يسلط الضوء على التحديات التي تواجه النساء في أوقات السلم، لكنها تؤكد على ضرورة التركيز أيضاً على العنف الجنسي الذي يحدث خلال النزاعات المسلحة، حيث تصبح النساء والفتيات أهدافاً رئيسية لهذا النوع من العنف، بمعدلات تفوق تلك المسجلة في السلم بعشرة أضعاف، موضحة أن المرأة تُستخدم في هذه السياقات كأداة حرب لإذلال العدو، مما يزيد من فداحة الانتهاكات.
ولفتت إلى أن الوصول إلى العدالة في هذه الظروف "يكاد يكون مستحيلاً"، إذ تغيب المؤسسات القضائية، وتنعدم القدرة على جمع الأدلة أو تقديم الشكاوى، مما يجعل النساء المغتصبات محرومات تماماً من أي أمل في الإنصاف، داعية إلى ضرورة الضغط على الحكومات والأمم المتحدة لضمان أن تكون هناك آليات واضحة ومؤسسات داعمة للنساء بعد انتهاء النزاعات، كي يتمكنّ من المطالبة بحقوقهن والوصول إلى العدالة.
"آن الأوان لكسر الصمت عن العنف الجنسي في النزاعات المسلحة"
وقالت "هدفنا من خلال هذه الدراسة التي استغرقت عامين كاملين لإنجازها، تسليط الضوء على اعتداء يؤثر على حيوات النساء ويدفعهن للغرق في المشاكل النفسية وانسحابهن من سوق العمل ولا يعود بإمكانهن النهوض من جديد، فهذه مشكلة كبيرة جداً ويجب أن نتحدث عنها لأنه لا يجري الحديث عنها، وتناول هذه المشكلة الشائكة يصب في مصلحة المجتمع لأننا نريد مجتمعاً سليماً".
وفي ختام حديثها قالت ديما دبوس "خلال الحرب الأهلية في لبنان وما يحصل في غزة وفي العراق مع الإيزيديات والحرب في البوسنة، كان هناك اغتصاب ممنهج، واعتداءات جنسية حصلت في السويداء، وحتى الآن لم تنل النساء في هذه النزاعات العدالة المطلوبة، لذا هناك الكثير من المشاكل متعلقة بالنزاعات المسلحة وهذا الموضوع ما عاد بالإمكان التهرب منه ويجب مواجهته، أتمنى من خلال هذا التقرير أن نتمكن من البدء بهذا الخطاب والنقاش ونحسن مجتمعاتنا ونقلل من الظلم فيها".