جسر العطيشي يفضح فساد المشاريع ويكبّل المنتقدين بالأصفاد!
نشر بواسطة: mod1
الأحد 14-09-2025
 
   
بغداد / تبارك عبد المجيد - المدى

حرية التعبير في العراق «أعراف غير مكتوبة»

في الوقت الذي ما يزال فيه جسر العطيشي في كربلاء يثير جدلاً واسعاً بعد انهياره وما خلّفه من خسائر بشرية ومادية، يلاحظ غياب التسليط الإعلامي الذي يوازي حجم الكارثة التي مست حياة المواطنين وكشفت عن خلل إداري وهندسي كبير.

وبينما تتابع اللجان البرلمانية التحقيقات وسط وعود بالمحاسبة، تبدو مساحة النقاش العام محدودة ومحاطة بالقيود، الأمر الذي يجعل من حادثة الجسر مثالاً صارخاً على تراجع حرية التعبير في العراق، حيث يُنظر إلى الانتقادات والمساءلات الشعبية باعتبارها تهديداً بدلاً من كونها وسيلة للكشف عن الفساد وحماية المصلحة العامة.

حادثة الجسر والاعتقالات

يقول أحد الناشطين المدنيين من مدينة كربلاء، علي محمد، إن حرية الرأي والتعبير في المحافظة ما تزال محدودة وتواجه مشكلات متكررة، بينها ضغوط رسمية واعتقالات تستهدف مواطنين وأكاديميين على خلفية منشوراتهم أو آرائهم النقدية.

ويضيف لـ «المدى» أن عدداً من المشاريع التي تُنفذ في كربلاء، خصوصاً تلك المتعلقة بالإنارة أو ما يُعرف بـ«المشاريع الضوئية»، تُحاط بتكتم إعلامي رغم ما يعتريها من مشاكل، مؤكداً أن من يحاول التعبير عن اعتراضه يواجه تهديدات رسمية أو غير رسمية أو ملاحقات.

وأوضح أن أبرز مثال على ذلك وقع مؤخراً فيما عُرف بـ«حادثة جسر العطيشي»، حيث تطورت مشادة داخل غرفة الانتظار بعد منع الحاضرين من الخروج بسبب وجود المحافظ، ما تسبب بحدوث اعتداء على عدد من المتواجدين. وبيّن أنه تمكن من الهرب من الدورية التي حاولت اعتقاله، فيما بقي أصدقاؤه رهن التوقيف إلى أن تدخلت نقابة المهندسين في كربلاء، كون أغلبهم من الكوادر الهندسية. وأضاف أن محافظ كربلاء أرسل توصية بإبقاء المعتقلين حتى الصباح، مع التوجيه باعتقال أي شخص يحاول الوصول إليهم داخل المركز.

واضاف إن من لا يملك علاقات أو وساطات قد يبقى رهن التوقيف لأيام، مؤكداً أنه حتى قبل يومين من حديثه ما يزال بعض المعتقلين محتجزين. ووفقاً لروايته، فإن نحو تسعة أشخاص جرى اعتقالهم بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقدوا فيها المحافظ على خلفية الحادثة، موضحاً أن الاعتقالات نُفذت عبر «خلية الصقور»، وبطريقة لا يعتقد أنها استندت إلى أوامر قضائية أصولية.

ولفت إلى أن التضييق لا يقتصر على المواطنين العاديين فحسب، بل يطال الأكاديميين والشخصيات البارزة أيضاً. وذكر مثالاً على ذلك ما تعرض له د. حيدر ناجي، أستاذ قسم العمارة، بعدما نشر انتقاداً لأعمال التطوير العمراني في شارع سوق العلاوي، حيث تلقى اتصالات مباشرة من المحافظة ورئاسة الجامعة تطالبه بحذف منشوره.

وبحسب أحمد، فإن كل شخصية عامة أو مؤثرة في كربلاء «قد تواجه ضغوطاً، أو حتى اعتقالاً» إذا ما أبدت رأياً مخالفاً، مضيفاً أن القيود على حرية التعبير لا تقتصر على الحكومة المحلية فحسب، بل تشمل أيضاً العتبات الدينية.

لجنة تبحث عن الأسباب!

ذكر النائب زهير الفتلاوي، في تصريح صحفي، إن «مجلس النواب شكّل لجنة برلمانية واسعة تضم عدداً من اللجان المختصة، وذلك للوقوف على جميع الملابسات المتعلقة بسقوط الجسر الذي خلّف خسائر بشرية ومادية كبيرة وأثار استياءً شعبياً واسعاً»، مؤكداً أن «اللجنة تتابع عن قرب جميع التقارير الفنية والإدارية الخاصة بالمشروع، وهي بانتظار النتائج النهائية التي سترفع إليها خلال الفترة القريبة المقبلة».

وأضاف أن «البرلمان جاد في محاسبة جميع المتورطين في تلكؤ المشاريع وعدم مطابقتها للمواصفات، خاصة وأن جسر العطيشي كلف خزينة الدولة أموالاً كبيرة، إلا أن التنفيذ جاء مخالفاً للشروط الفنية والهندسية المعتمدة». وشدّد بالقول إن «الموارد المالية التي تُصرف على مشاريع خدمية يُفترض أن تنعكس إيجاباً على حياة المواطنين، لكن الفساد وسوء الإدارة جعلا هذه المشاريع تنهار سريعاً».

وأكد النائب زهير الفتلاوي لمراسل «المدى» أن اللجنة التحقيقية التي يشارك فيها ما تزال تواصل عملها، مضيفاً: «ننتظر انتهاء أعمال اللجنة ورفع تقريرها النهائي مع التوصيات، ليتم عرضه والبتّ فيه وفق السياقات القانونية».

غياب التشريعات

في خضم هذا المشهد العراقي بالتجاذبات السياسية والاضطرابات الأمنية، يجد ملف حرية التعبير نفسه في دائرة التراجع والقيود. ويرى ناشطون حقوقيون أنّ الواقع الحالي يكشف عن «وضع محرج» لا يوفّر الضمانات الكافية لممارسة هذا الحق الأساسي، فيما تتخذ السلطات جملة من التدابير التي توصف بأنها أكثر تشدداً من السابق.

يؤكد أحمد البياتي، ناشط في مجال حقوق الإنسان، لـ «المدى» أن الأزمة الحقيقية تكمن في غياب تشريعات واضحة وصريحة تحمي حرية التعبير والتظاهر، مشيراً إلى أن ما هو معمول به اليوم أقرب إلى «أعراف غير مكتوبة» تستند أحياناً إلى المادة (38) من الدستور، لكنها تبقى فضفاضة وقابلة للتأويل. وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام «المزاجيات» في التعامل مع الناشطين والصحفيين والمتظاهرين، بل ويتيح للسلطات استخدام مبررات مثل «الإساءة للمقدسات» أو «تهديد السلم العام» لتقييد أي مساحة للنقد أو الاعتراض.

في المقابل، يشير إلى أن مبادرات تشريعية سابقة كانت قد طُرحت بهدف تنظيم الحق في التظاهر والتجمع، لكنها واجهت انتقادات بسبب بعض المواد المثيرة للجدل. ومع ذلك، يرى أن تمرير مثل هذه القوانين مع وجود ملاحظات يبقى أفضل من غيابها التام، إذ يمكن تعديلها لاحقاً بما يضمن حماية الحقوق بنسبة معقولة، بدلاً من ترك الأمور عرضة للفراغ القانوني. أما عن الاعتقالات الأخيرة بحق ناشطين وإعلاميين، فيصفها بأنها رسائل من الحكومة تهدف إلى «ضبط الإيقاع» ومنع أي تصعيد ضد مشاريعها أو سياساتها. لكنه يحذر في الوقت ذاته من أن الاعتماد على «السلطة والعنف والقوة» لا يؤدي دائماً إلى تحقيق الأمن، بل قد يخلق ردود فعل عكسية ويزيد من فجوة الثقة بين المواطن والدولة.

البياتي يشدد على أن المطلوب اليوم هو مكاشفة صريحة وتعاون حقيقي بين السلطات والمنظمات المدنية لصياغة قوانين تحمي الحقوق والحريات، بعيداً عن النظرة الأمنية الضيقة. ويضيف أن الدفاع عن حرية التعبير لا يصب في إثارة الفوضى كما يُروَّج أحياناً، بل يتيح للمواطنين التعبير عن مشاكلهم بطرق سلمية سواء تعلقت بالخدمات أو بمكافحة الفساد، وهو ما يساهم في تصحيح المسار وتعزيز الاستقرار بدلاً من تهديده. ويتابع بالتنبيه إلى أن بعض الجهات تحاول تشويه صورة منظمات المجتمع المدني وإضعاف صوت المدافعين عن حقوق الإنسان، الأمر الذي يعمّق القطيعة بين هذه المنظمات وبين الرأي العام. لذلك، فإن الحاجة ملحة اليوم للعمل على مبادرات وتشريعات رصينة تكفل حرية التعبير، وتمنح الشعب العراقي «المساحة الآمنة» للتعبير عن آرائه، باعتبارها ركيزة أساسية في بناء دولة عادلة وقادرة على مواجهة التحديات.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced