الربيع العربي مؤامرة أم ثورة ؟
بقلم : تحسين المنذري
العودة الى صفحة المقالات

ما إن بدت علامات الانهيار على نظام بن علي في تونس حتى إرتفعت أصوات عديدة سياسية واعلامية تشير الى فكرة المؤامرة في إسقاط بن علي ، ومن ثم تزايدت إثر الظهور القوي لشباب مصر المطالبين أولا بالكرامة،  ومع تصاعد شعاراتهم وصولا الى إسقاط النظام  تصاعدت أيضا قوة فكرة المؤامرة ، ومن بعد حيث اتساعها الى بلدان عربية أخرى ، تبنت الانظمة المهددَة بالسقوط واخرى تخشى على نفسها من ذات المصير تلك الفكرة وصارت تهاجم علنا حركات الشباب والقوى السياسية الرافضة لنهجها وتتهمها بالعمالة للاجنبي وتنفيذ مخططات الغرب وغير ذلك من التهم الجاهزة أصلا لتشويه صورة الحركات الاحتجاجية تلك .
ويستند دعاة فكرة المؤامرة الى مبررات قد تبدو للوهلة الاولى إنها مقنعة ، منها الانحياز العلني للاجهزة الرسمية الغربية والاعلامية مع الثورات والدعوات العلنية التي ظهرت من البيت الابيض وغيره من صناع القرار الغربي  لرموز الانظمة الدكتاتورية الى التخلي عن الحكم كما حدث مع بن علي ومبارك ، وأيضا حملات الدعم التي قامت بها في البداية ـ خصوصا ـ  قنوات إعلامية عربية معروفة بولائها للسياسات الغربية في المنطقة بل وحتى الصهيونية ، مما شوه من سمعة تلك الثورات الى حد بعيد ، ومن ثم تصدر قوى الاسلام السياسي لواجهة الاحداث . وبالتأني في البحث نجد إن دعم الغرب وأميركا لم يكن سوى تدخل سافر في شأن الشعوب المنتفضة ،  أدى الى  إنحراف الثورات عن أهدافها وبروز قوى لم تكن أبدا مبادرة أو حتى مشتركة في التخطيط والعمل المباشر لإنجاح هذه الثورات بل هي إستفادت من حجم التغيرات التي حصلت والضعف الذي ظهرت به الانظمة الدكتاتورية لتقفز على قمة الاحداث وتقود سير الثورات بإتجاه أخر يمكن أن نسميه بالثورة المضادة .
لقد فوجئت أميركا ومن خلفها الغرب الاوربي بالتطورات الدراماتيكية التي رافقت ثورة شباب تونس بداية ، فلم تكن تتصور إن مجموعة من الشباب الناقم على سياسة بن علي تتظاهر مؤدية الى سقوط نظام الحليف الستراتيجي بن علي ، فقد إعتاد العالم على وجود مظاهرات مناهضة للانظمة الاستبدادية وذات مطاليب أجتماعية إقتصادية وسياسية ايضا، يرافقها أحيانا العنف وأخرى بدونه تنتهي بإعتقالات وملاحقات وأحيانا تلبية لبعض تلك المطاليب ، لكن ضعف بن علي ونظامه وإنهياره كان نقطة البداية لتتوالى الثورات في بلدان عربية اخرى إمتد شعاعها ليشمل دولا عدة بما فيها الولايات المتحدة نفسها حيث إحتجاجات ( إحتلوا وول ستريت ) التي بدأت في نيويورك وإمتدت الى ولايات اخرى .
وفي حقيقة الامر فإن لهذه الثورات عوامل داخلية إجتماعية ـ إقتصادية ، بالاضافة الى مطاليب سياسية هامة ، فجميع هذه البلدان تعاني من تباين واضح في الدخول وخطط تنمية مشلولة أو معدومة ، بالاضافة الى تباينها من منطقة لاخرى إستنادا على عوامل شتى ، وتراجع في مستويات الدخول خاصة بالنسبة للفئات الوسطى مع إقتران ذلك بنسب تضخم متصاعدة ، وإزدياد دور البرجوازيات الطفيلية والكومبرادورية ، مع هيمنة كبيرة للاستثمار الاجنبي على حساب الرأسمال الوطني ( عام وخاص ) ، مما أدى الى زيادة سنوية تصاعدية في نسبة البطالة  مع هجرة واضحة لارباح الاستثمارات الوطنية والذي بدوره أدى الى تدني منسوب الناتج المحلي الاجمالي حيث إستثمار الارباح في الخارج ، وترافق كل ذلك مع هيمنة لانظمة دكتاتورية تزداد شراسة يوما بعد أخر وغياب أبسط الحقوق الانسانية المشروعة وتقليص متزايد للحريات الاساسية وتغليب دور ذوي القربى والحاشيات الفاسدة في مجمل التغيرات التي تطرا على البلدان وفي مختلف الاصعدة ، تلك وغيرها من العوامل أدت الى حراك جماهيري واسع انفجر في لحظة هامة من الزمن وشكل صدمة حقيقة ليس للانظمة الدكتاتورية فحسب بل ولاسيادهم في الغرب الاوربي واميركا .
لكن صدمة المفاجأة هذه لم تلاقيها أجهزة الغرب بأيادي مكتوفة فقد سارعت لشحذ كل طاقاتها من أجل الحيلولة دون إفلات هذه الدول من تحت هيمنها، فجندت الاعلام أولا ومن ثم الدبلوماسية والتلويح بالمساعدات الاقتصادية والتعكز على الديمقراطية وغير ذلك الكثير لترجيح كفة من يضمن لهم إستمرار المصالح والتبعية وتحجيم القوى الديمقراطية وبالتالي ضمان إستمرار نهج الانظمة المنهارة بتبديل جزئي في وجوه الحاكمين ، فكان الاسلام السياسي بمختلف تشكيلاته خير عكاز لاستمرار النهج السابق وبتشدد أكثر وإفراغ الثورات من محتواها التقدمي .
لقد كانت الثورات ذات أسباب حقيقية وداخلية ، وإن إستفادت من التقنية الحديثة فهذا ليس إستيرادا ولا إسقاطا غير مبرر لفكرة الثورة ، لكن الضعف الذي إعترى العامل الذاتي في الثورة هو الذي سمح لقوى أخرى بالتدخل وحرف الثورات عن مسارها ، ويتمثل هذا الضعف في كون الشبيبة التي حركت قوى الثورة إمتلكت الاساليب الحديثة في الاتصال والتحشيد مع ضعف في الخبرة وإدارة إستمرارة نهج الثورة في مقابل قوى سياسية تقليدية تمتلك الخبرة لكنها لا تجيد التحرك وفق الاساليب الحديثة التي اتبعتها الشبيبة ، ولم تستطع كلا الكتلتين من القوى ( الشبيبة والاحزاب التقليدية ) من الاتفاق على مسار واحد وربما لكل منها مبرراته ، لكن في جميع الاحوال كانت تلك الثغرة الاكبر التي إستفادت منها قوى الثورة المضادة وإجهضت المشروع التقدمي للثورات .
( الموضوع القادم سيكون عن ثورات الربيع العربي والاسلام السياسي )

  كتب بتأريخ :  الخميس 08-12-2011     عدد القراء :  1606       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced