المدى تفتح ملف.."العاصمة الأسوأ"..مدن (التنك) بديلٌ عن ناطحات السحاب!
بقلم : إيناس طارق
العودة الى صفحة المقالات

كل يوم من بزوغ فجر جديد في بغداد يعرض أمامك عزيزي المواطن شريط متعدد المشاهد والأحداث، أكوام النفايات  في كل مكان من العاصمة بدلاً من الحدائق المزروعة بأجمل أشكال وأنواع وألوان الزهور ، برك ماء مليئة بالوحل والقاذورات بدلاً من النافورات .

نساء وأطفال، شيب وشباب يتجولون قرب السيطرات الأمنية ونقاط التفتيش للتسول وبيع كل ما يحتاج إليه السائق الذي سئم الانتظار لشدة الزحام المروري .

شوارع مزدحمة خالية من كل شيء مفعم بالحياة ، الكآبة تعمّ العاصمة بسبب إهمالها وكثرة الأسلاك الشائكة التي تعانقها أكياس نفايات متطايرة مختلفة الألوان وكأنها ترسم صورة جديدة "لبغداد أجمل"! جدران كونكريتية إن رفعت من منطقة أو زحفت قليلاً إلى الخلف تبقى ترسم ملامح معتقل دائم لا تغيّر فيه .
مناطق تشكو الإهمال والتخلف الخدمي والبيئي من كل ناحية ، شوارع غير مبلّطة ،أرصفة محفرة فلا يكاد يخلو شارع في العاصمة من هذه المناظر.. الشريط  يستمر بالعرض والآن يبدأ بمناطق أحياء التنك التي لا بداية ولا نهاية لها .
الطريق المؤدي إليها استولت على جانبيه شاحنات النقل ، ورش حرفية لا يُعلم ماذا تعمل أو تصنع ! تلال من الرمال والأتربة..، وصلنا (حي معسكر الرشيد) الذي يبدأ بشارع كأنه نهر قديم أكل عليه الدهر وشرب، وأفضت ضفتاه إلى أرض يباب مقفرة خلت من النبت والشجر ، أكداس نفايات وتلال من الأنقاض ، عند ولوجنا فيها يتوجب علينا أن ننحدر ببطء شديد كي نعبر مطباً وعراً ونتحاشى ارتطام أسفل السيارة.. هكذا وجدنا شارعا ترابيا كثير الوعورة والحفر.
تتألف الأحياء العشوائية من عشرات المنازل ضمن ما يطلق عليه بالأحياء المتجاوزة وسط أكوام هياكل الحديد المتناثرة والمخلفات وبرك المياه الآسنة.
كريم أحد ساكني هذه العشوائيات الذي كان يبيع الفواكه والخضار "بستوته "صغيرة، استطاع بواسطتها عبور الوحل والمياه المتراكمة نتيجة طفح مياه حمامات منازل الصفيح،يقول إن السكن في الصفيح أفضل من الإيجار، ويؤكد أن السكن هنا أفضل من  تأجير بيت  بمبلغ كبير وهو بالكاد يستطيع أن يوفر مستلزمات الطعام بما يجنيه  من بيع الخضار الذي يتقاضى عن كل ما يبيعه خمسة آلاف دينار من صاحب العلوة في جميلة، ويتابع كريم الحديث: بنيت بيتي من هياكل السيارات وسقفه من الخشب والطين، وأطفالي الأربعة تعلموا على العيش فيه والتأقلم مع أبناء الحي ، ومضى  على بقائنا  خمس سنوات.
أم سلام المرأة الخمسينية التي كانت تجلس على حجر كبير وتلاعب مسبحة سوداء بيدها علّقت قائلة : هذه المنازل أفضل من العيش في بيوت تبنى من الحجر لأنها تهدم على رؤوسنا في أي وقت بسبب تفجير عبوة ناسفة أو أي شيء آخر ، تطلق حسرات  من صدرها وتقلب المسبحة بين كفيها وتستدرك قائلة : البيوت هنا باردة والأطفال دائما يصابون بالزكام ومياه المجاري والحمامات تجري بين البيوت،وقد أشارت إلى حفرة عميقة حفرها السكان لتجميع المياه، وإن ما يجنيه هم هو الحشرات الطائرة والزواحف من الحيوانات، وقبل فترة من الوقت قتل الأهالي  في الحي أفعى كبيرة كادت تلدغ طفلاً في فراشه.

الشتاء واللعب خارج الصفيح
بالرغم من برودة الجو إلا أن الأطفال هناك يلعبون خارج البيوت مع الحيوانات ويركضون حفاة الأقدام، شيء عجيب وغريب في هذا البلد أطفال بعمر الزهور (حفاة وعراة) وشباب يجلسون من دون عمل، نساء يخرجن إلى العمل لبيع (علب الكلينكس أو التسول) شباب يشربون السكائر والنرجيلة ويتبادلون الأحاديث عن المسلسلات المدبلجة وألعاب كرة القدم وأحدث أجهزة الموبايل ماذا تحوي هذه الأحياء من خفايا يا ترى؟ فهي بعيدة عن السمع والنظر ومن يريد التجاوز والبناء في هذا الحي لابد من أن يحصل على تصريح من الساكنين، وخصوصا شبابه، وأن يعرض "السيفي" عليهم  للتأكد من معلوماته .
يقول سيف الملقب "بالطيار" لسرعته في التقاط الأخبار، يعمل في نصب ومد شبكات الماء، إن الماء المسحوب من منطقة الزعفرانية  نتج عنه تسرب المياه الثقيلة إلى الشبكة، ما أدى الى ظهور إصابات بأمراض التايفوئيد والتهاب الكبد الفيروسي، فضلا عن التهاب الأمعاء، وذلك بسبب حاجة الناس إلى الماء.
الحاج أبو مرتضى قال بصوت عال أهالي البيوت ظامئون  ويريدون الماء الصالح للشرب ويستصرخون أصحاب الضمائر الحية عسى أن يستجيبوا لمعنى بقائهم وحقهم في الحياة  هناك، وما يتم توزيعه في بعض الأوقات من صهاريج ماء لا تكفي (10) بيوت، التي يتجاوز عددها هنا 30 منزلاً ، أما حالة تلك الأنابيب البلاستيكية (الصوندات) التي تمد إلى مسافات بعيدة من اجل سحب الماء من الأنابيب الرئيسة التي تقع قرب نقطة التفتيش فإنها تتكسر أغلب الأحيان، وخصوصا في فصل الشتاء بسبب البرودة  أما الآبار التي تم حفرها من قبل أمانة بغداد فقد تم ردمها من قبل الأمانة ذاتها ولا يعلم السكان لماذا.
أما (العتاكة) فهم أغلبهم يسكنون بيوت الصفيح ويعتاش عدد من العوائل على (مكبات) النفايات في العاصمة ، حيث تعتبر مساكنهم حسب تعبيرهم (تجارية) لقرب مكب النفايات من منازلهم.. أم ستار مع أطفالها الثلاثة تقف  لاستقبال وصول الشاحنات التي تحمل النفايات الطازجة! وينتظرون بفارغ الصبر تفريغها! على الرغم من رائحة الأوساخ غير المحتملة.أما حميد البالغ من العمر 13 عاماً ، فإنه يعيل أسرته  المكونة من 6 أفراد ، معتمدا على استخدام زجاجات البلاستيك وعلب الألمنيوم الفارغة التي تبقيهم ( هو وعائلته ) على قيد الحياة.
تنتشر أسراب الرجال والنساء والأطفال وتتزاحم على أكوام من القمامة النتنة، العاملون من الأطفال مع الكبار يبيعون كل كيلوغرام من الزجاجات البلاستيكية أو علب المعدن بمبلغ 250 ديناراً ، ويكسبون ما بين 2000 إلى 4000 دينار يوميا.
ودّعنا حي الصفيح على أمل ألا نرى هذا الشريط ثانية لكن كيف ومدن
الصفيح والعشوائيات وبيوت الطين تتوسع  في أطراف معظم مدن العراق، وعلى جوانب الطرق الرئيسة التي تربط بمراكز المدن، فإنها بدأت تشكل معلما غير حضاري من معالم الفقر، الذي مازال يحاصر المدن التي تنوء تحت أزمة السكن والهجرة من الريف، وغياب ضوابط التوسع العمراني.
ومنذ عام 2003، لم تضع الحكومات المحلية في العراق قضية توفير السكن الملائم في سلّم أولوياتها، على رغم ما ينشر في وسائل الإعلام عن الميزانيات الضخمة التي أعدت لبناء الشقق والمجمعات السكنية.
ويعاني العراق تفاقم أزمة السكن منذ عام 1980، حين أوقفت القروض العقارية للمواطنين، بسبب نشوب الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988) وتوجه اقتصاد العراق إلى المجهود الحربي.
ومنذ عام 2003 زاد الأمر تعقيداً حين هُجّرت آلاف العائلات من مناطق سكنها بسبب الصراع الطائفي. واضطرت الأسر التي لا تمتلك سقفاً يؤويها منذ ذلك العام إلى احتلال بنايات المؤسسات والدوائر الحكومية ومعسكرات الجيش السابق وتحويلها إلى مساكن لها.
والعائلات التي لا تمتلك دارا سكنية في العراق اليوم لا تتمتع بسبل العيش الكريم، كما تعاني الفوضى في معيشتها وتربية أبنائها بسبب تنقلها بين الحين والآخر من مكان إلى آخر، وما يترتب على ذلك من أمراض نفسية تتولد في نفوس الأفراد، لاسيما الأطفال.
ومدن الصفيح معلم بارز في الكثير من الدول الفقيرة، وتقدر إحصائيات منظمة تابعة للأمم المتحدة أن عدد سكان مدن الصفيح سيبلغون في العالم نحو أكثر من مليار نسمة في 2020.

اتهامات المجلس
محافظة بغداد
في تصريحات سابقة لرئيس مجلس محافظة بغداد السابق يذكر "أنه تم تخصيص موازنة تنمية الأقاليم لمحافظة بغداد لعام 2011 (645) مليار دينار، وقد منح منها مجلس المحافظة إلى أمانة بغداد (200) مليار دينار، لتمويل المشاريع المستمرة منذ الدورة الأولية 2006- 2008 ، وبقي ما يقارب الـ(300) مليار دينار لتنفذ مشاريع جديدة في محافظة بغداد".
وأكد أن" محافظة بغداد توقفت طيلة السنتين الماضيتين بسبب انشغالها بتمويل المشاريع المستمرة منذ الدورة الأولية حسب ادعائها".
ومجلس المحافظة صادق بداية هذا العام على خطة المحافظة التي تضمنت قطاعات مختلفة، أكدنا حينها ضرورة تحقيق هذه الخطة، واليوم نرى عجز المحافظة عن استهلاك هذا المبلغ الصغير قياسا بما تتطلبه المحافظة، مما يدل على عدم جدية المحافظ في تنفيذ المشاريع المفيدة لمدينة بغداد في وقت الذي تعيش فيه كثير من المناطق وهي بأمس الحاجة للمشاريع الخدمية، وخصوصا النواحي والأقضية التي هي من مسؤولية المحافظة حصرا".

البلديات تعمل
مع قيادة عمليات بغداد
أشار المتحدث باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة إلى  أن البلديات تعمل مع قيادة عمليات بغداد، لإزالة القمامة ، كما أنها أبرمت عقودا مع شركات من تركيا والإمارات العربية المتحدة لإزالة القمامة وضغطها في شرق بغداد. وسوف توفر أيضا الشركات مقالب نفايات للسكان المحليين ، فضلا عن تنظيف الشوارع ومحطات المياه.  وقال عبد الزهرة سيتم عقد اتفاقيات  إضافية بحلول نهاية السنة مع شركات نمساوية مسؤولة عن معالجة القمامة.  وقال إن المشاريع الجديدة حول هذا القطاع ستزداد في بغداد .
يشار إلى أن أمانة بغداد والجهات البلدية ترفع يوميا بما يقارب 500 طن من القمامة ، بينما مدينة نيويورك تزيل تقريبا 25،000 طن من القمامة من المنازل والمحال التجارية في اليوم الواحد.
من جانب آخر، تقوم الجهات البلدية بإطلاق حملات إعلامية بشكل دائم  لتوعية المواطنين حول المخاطر الصحية من القمامة ، وكيف ينبغي التصرف فيها . ويعتقد مسؤولو المدينة أن المبادرة ربما سوف ترفع الوعي وتقلل من حجم انتشار النفايات .
بالمقابل، الجهات المحلية في العاصمة لا تملك رقما محددا في المبالغ المصروفة ، وليست لديهم أرقام محددة حول المشاريع المستقبلية في حقل إدارة النفايات ، لكن أوضح عدد من المسؤولين في دوائر البلدية " أن العراق لا ينفق الكثير من المال على النفايات بالمقارنة مع البلدان الأخرى ".
وفي شأن تدوير النفايات والتعامل معها وازدياد حالات الحرق في بعض المجمعات،  يوضح عبد الزهرة أن المحطات الموجودة لتجميع النفايات في داخل العاصمة،هي محطات تحويلية مؤقتة،وتوجد أوقات معينة لتصفيرها.

مجلس النواب
وكان قد  أقر البرلمان في 2009 قانونا يفرض على المواطنين وضع القمامة في أكياس بلاستيكية لمنع انتشار الأمراض. ووزعت الحكومة في بغداد أكياسا لمعظم المنازل والمحال التجارية ، لكن هذه الخطوة أثبتت عدم فعاليتها. وفي عام 2007 ، تم تجاهل برنامج آخر أيضا وهو وضع حاويات صفراء كبيرة للنفايات.

تقرير أميركي
الجدير بالذكر أن مسؤولاً أميركياً ذكر في وقت سابق أن الولايات المتحدة قد استثمرت 33 مليون دولار لتحسين نظام إدارة النفايات في بغداد. وهذا يشمل بناء مدافن النفايات والتبرع بالمعدات الإزالة.معترفا انه لا تزال أمام مسؤولي البلديات في العاصمة مصاعب يواجهونها  في إزالة القمامة وأن نسب التقدم في هذا المجال متدنية في ما يخص بغداد ، فضلا عن وجود مجموعة من المشاكل الأخرى مثل توفير المياه النظيفة والكهرباء محدودة.
والجدير بالذكر أن مجلس بلدية قاطع 9 نيسان في بغداد كشف في وقت سابق  عن وقوع وفيات بين الأطفال حديثي الولادة في منطقة المعامل القريبة من مناطق الطمر الصحي بسبب تأثرهم بتدهور الوضع الصحي في تلك المنطقة.
والمجلس البلدي أكد أن الطمر يجري بأسلوب غير علمي ما يضر بالبيئة وصحة المواطنين، ولا يمكن لأحد الاقتراب من المكان لأن هناك حراساً يمنعون أحداً من الدخول فلا يمكن أن تعرف ماذا يحدث في الداخل، فيتم حرق النفايات بمساحات واسعة ما يساعد بدوره على نشر السموم القاتلة والمسرطنة، ولاسيما مخلفات البلاستك التي ينتج عن حرقها سم الدايوكسين ويتطاير ليختلط مع الهواء."
فيما كشف الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات في وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي في وقت سابق عن أن كمية ما تطرحه المستشفيات الحكومية والأهلية من النفايات الطبية الخطرة خلال ستة أشهر بلغت أكثر من مليون كغم.
من جهته، يشير مصطفى حميد مسؤول الإعلام في وزارة البيئة إلى أن مناطق الطمر الصحي يجب أن تعمل على أساس  دفن النفايات ومن ثم اكسائها بطبقة من التراب ومن ثم تحويلها إلى مناطق خضر. منوها في الوقت نفسه بأن بعض الأشخاص والجهات التي يطلق عليها بـ"العتاكة"،ومجاميع أخرى  تدخل الى تلك المناطق وتقوم بفرز النفايات وتأخذ القطع المعدنية والزجاجية،وتقوم بحرق الباقي.
المدى

  كتب بتأريخ :  الأحد 11-12-2011     عدد القراء :  3071       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced