أعياد حزينة.. والكنائس تكتفي بأجراس السلام
بقلم : وائل نعمة
العودة الى صفحة المقالات


"الأمن أهم من كل شيء" بهذه العبارات الخجولة ابتدأ موريس منصور كلامه متحدثا عن اختفاء مظاهر الاحتفال بالعام الميلادي الجديد. ويقول منصور بينما كان يزيح الغبار من فوق دمى تمثل شخصية بابا نؤيل المشهورة من أمام محله بمنطقة الكرادة وسط بغداد

"عام بعد آخر تخلو بغداد من مظاهر الكريسماس فقط نسمع الأجراس وربما يأتي يوم ولا نسمعها".
وغادرت المئات من العائلات المسيحية مناطق سكناها إلى مدن كردستان وبعض البلدان الأوروبية طلبا للامان منذ أن أعلن تنظيم القاعدة أن الطائفة باتت "هدفا مشروعا" لهجماته بعد أيام من الهجوم على كنيسة سيدة النجاة في بغداد. ويقدر عدد المسيحيين الذين تم استهدافهم في العراق منذ سقوط النظام السابق في العام 2003 بنحو 905 قتلى على أيدي جماعات مسلحة.
واستهدفت العمليات المسلحة أيضا 54 كنيسة في المحافظات التي تضم المكون المسيحي ومنها ما تم استهدافها ثماني مرات كان آخرها قبل شهرين في كركوك.  وكان عدد المسيحيين قبل عام 2003 يبلغ نحو مليون نسمة ولم يبق منهم سوى نحو نصف مليون موزعين في المحافظات الشمالية والعاصمة بغداد.
وأضاف منصور لوكالة كردستان للأنباء (آكانيوز) "ماذا يريد هؤلاء. هل الفرح حرام؟ هل السعادة حرام؟. وين (أين) السياسيون ورجال الأمن؟. ماكو (ألا يوجد) شرفاء يستطيعون أن يرجعوا ضحكتنا؟. لو (أم أن) الكل شاغلتهم العركات (الخلافات)". وأوقفت الطائفة المسيحية جميع الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية لتزامنها مع مناسبات دينية حزينة بالنسبة للمسلمين الشيعة وأبرزها مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. وقال منصور "أصبحنا لا نفكر بالفرح فقط نريد الأمان".وكانت جهات مسيحية إقليمية ومنها الرابطة السريانية في لبنان قد أعربت في السابق عن مخاوفها من أن يكون إيقاف الاحتفالات مقدمة لاضطهاد الأقلية المسيحية. وقضت اغلب دول العالم ليلة أمس الأول في الشوارع في ظل استقبال للعام الجديد بخلاف بغداد التي اكتفى المسيحيون فيها وسكانها بشكل عام ببقائهم في المنازل ومشاهدة شاشات التلفاز.
واقتصرت احتفالات المسيحيين في البيوت وتبادل الزيارات بين الأقارب أو تقديم التهاني من خلال الهاتف الجوال وعبر الـ"فيسبوك". ولم تعد أجواء أعياد الميلاد كما كانت قبل العام 2003 بسبب الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها البلاد والاستهداف المستمر للكنائس ومنازل العائلات المسيحية. واقبل العام الجديد إلى العراقيين بلا وجود عسكري أميركي لأول مرة منذ نحو تسع سنوات من الغزو الذي أطاح بنظام صدام حسين.
ونظرا لاختفاء مظاهر الاحتفال بأعياد رأس السنة يصعب على السكان شراء هدايا بسبب قلة المحال التي تبيعها بحسب ما يقول علي سامر. وقال سامر متحدثا بحسرة لـ(آكانيوز) "لا طعم لأعياد الكريسماس هذا العام. صحيح أن الأمن موجود لكن الاحتفال اختفى. لم يعد مثل السابق. كل شيء تغير".
وأضاف وهو يعرض الهدايا أمام محله في زقاق ضيق بوسط الكرادة "اشترينا بضاعتنا منذ وقت طويل. كنا نتوقع الأفضل. لاحظنا (لاحقا) قلة الإقبال. الناس نسوا الأفراح بسبب القتل والعنف. الحزن يخيم على بغداد بل كل العراق".
لكن إقليم كردستان الذي يتمتع بوضع امني مستقر وإدارة شبه مستقلة شهد احتفالات واسعة بلغت ذروتها مساء أول أمس السبت. وكانت حكومة إقليم كردستان العراق دعت المسيحيين في مختلف أنحاء البلاد إلى إحياء احتفالات عيد الميلاد في مدن الإقليم.
وخصصت السلطات في كردستان موازنة كبيرة لرعاية هذه الاحتفالات وقامت مديريات البلديات بتزيين الأشجار والشوارع والحدائق والساحات العامة. وأعلن معظم كنائس العراق في العام الماضي وقف جميع أنواع الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة اثر استمرار أجواء التهديدات.  وتقول معلمة تدعى هناء إبراهيم لـ(آكانيوز) "الاحتفالات صعبة لأنها تصادفت مع شعائر محرم. من الصعب الاحتفاء بهذه المناسبة في هذا العام".  في بعض مناطق بغداد  لم يكن الامر معدا له بالسابق ،ولم يتفق اهالي المنصور وزيونة مع اهالي الكرادة ...جاء الامر عفويا،وربما الاستعدادات  التي ظهرت على شاشات الفضائيات من قبل دول عالمية واخرى مجاورة لاحتفالات رأس السنة شجعت اهالي بغداد على الخروج الى الشارع والتعبير عن فرحتهم بهذا اليوم بشكل بريء...منبهات السيارات على اختلافها واصوات صافرات سيارات الشرطة الممزوجة مع صراخ الشباب المحتفل شكلت كرنفالا شعبيا عراقيا بامتياز..اختفت التنظيمات الحكومية ولم تكن هناك بوادر من جهات شعبية لاعداد احتفال، وانما الامر كان اشبه بالسلسلة التي سحبت الواحد تلو الاخر واخرجتهم  الى الشارع بدون ترتيب مسبق.
يستغرب الاهالي في مناطق شرقي العاصمة وجنوبها من وجود "شبه احتفال " في الشارع ...سكان تلك المناطق ناموا مبكرا،بعد ان ضغط "ابو المولدة " زر الاطفاء وغطت المنازل بظلام كثيف زادته الغيوم التي حجبت ضوء القمر –الكهرباء السماوية- وابعد الاهالي فكرة الخروج الى الشارع لاسيما مع هطول زخات مطر احتجبت عن السقوط طوال فترة الاشهر الماضية وقررت النزول في رأس السنة،فأسهمت في احتجاز السكان في منازلهم.البعض الآخر الذي مازال  يفكر بالاحتفال على الرغم من حجم المآسي التي كان آخرها في الخميس الماضي والذي حصد ارواح عشرات الابرياء اختار حجز "كيكة الميلاد" قبل ايام بسبب كثرة الطلبات لاسيما في المحال المشهورة في هذا الجانب، ووفروا جوا عائليا بسيطا واحتفلوا بالاعتماد على الجهود الشخصية.
الاحتفالات العفوية كانت محصورة في مناطق معينة،ولم تخرج عن اطار شارع الربيعي والكرادة والمنصور ،وعلى الرغم من التدافع الشعبي للاحتفال في الشوارع قامت بعض الجهات –غير الرسمية – بتحويل مظاهر الاحتفال الى اماكن اخرى عن طريق اغلاق بعض الشوارع ،كما حدث في منطقة الكرادة داخل –على حد وصف الشهود- واكدوا ان بعض الجهات منعت السيارات والمارة من الدخول الى الشارع معتمدة على بعض العناصر الامنية الموجودة في المنطقة، واوعزتها للاسباب الامنية، بينما الشهود شددوا ان الدوافع كانت مختلفة عن ذلك وتتلخص في انزعاج بعض الجهات في الكرادة من وجود الاحتفالات.ويعتقد البعض ان جهات حزبية ودينية بتصرفات فردية واجتهادية قد تقوم في بعض الاحيان باغلاق الشوارع كما حدث في ليلة رأس السنة مع  المحتفلين.
ويحزن الاعلامي والاكاديمي كاظم المقدادي كما باقي العراقيين من رؤية مظاهر الفرح ومشاهد المفرقعات النارية تغزو سماء الامارات ولندن واستراليا واليابان بينما الاجواء شبه حزينة في بغداد. المقدادي يعتقد بان المناسبات الدينية هي من منعت اقامة الاحتفالات بشكل شبيه بما يحدث في العالم من حولها ،ويضيف " علينا ان نحترم المناسبات الدينية ولكن لا يمنع هذا اقامة احتفالات شعبية عفوية لا تستغرق سوى ساعة او اثنتين "،مشددا بان مظاهر الفرح لا تؤثر على الوضع العام بل انها تعكس حالة الشارع العراقي الذي تخلص من مفردات الارهاب والكراهية والقتل وقرر الاحتفال ،متمنيا من الجهات المسؤولة عن العاصمة ان توفر فسحة من التعبير عن المناسبات في العام القادم.
بالمقابل شاعت بعض الاخبار عن تعرض نادي الصيد والعلوية وبعض النوادي الاجتماعية الراقية في العاصمة الى تهديدات من قبل جهات متطرفة غير معروفة في حالة اقامة احتفالية بمناسبة اعياد رأس السنة،وفي هذا الشأن اوضح المقدادي وهو عضو فعال في نادي العلوية الاجتماعي ان التهديدات مستمرة ،وعلى الحكومة ان تضع حدا لهذا الموضوع وان تفكر بان خروج العراقيين الى الشارع يعني ان –الحكومة – استطاعت ان تفرض الامن وتحقق انجازات امنية حقيقية دعت الجمهور للخروج من دون خوف. فيما نفى حسنين معلة مدير نادي الصيد الذي تحدث الى "المدى " من اربيل تعرضهم لتهديدات واكد " النادي كان مفتوحا للاعضاء ولم تغلق الحدائق ولا المطاعم،ولكننا لم نقم احتفالا". مشددا ان النادي يشبه الشارع البغدادي الذي لم يشهد هو الآخر أي احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية.والمعلة الذي احتفل بالمناسبة في اقليم كردستان اوضح ان الاحتفالات هناك كانت رائعة ،والمحتفلون مبتهجون على الرغم من الامطار الكثيفة.
ومن جهتها بررت رئيسة لجنة الثقافة والاعلام في نادي الصيد سناء اموري عدم اقامة احتفالية في النادي بالحداد الذي أعلنه اعضاء النادي على ارواح الضحايا الذي سقطوا في الخميس الدامي الأخير،وشددت اموري على ان النادي لم يتلق اي تهديدات ،مضيفة " كان لدينا نية في اغلاق النادي في ليلة رأس السنة تنديدا بالتفجيرات الاخيرة التي حصدت ارواح الشباب ...والنادي اختار هذا اليوم ليكون ردة فعل قوية موجهة الى الحكومة لتشديد الاجراءات الامنية والحفاظ على ارواح المدنيين".واوضحت اموري ان اعضاء مجلس الادارة قرروا في النهاية و بالإجماع فتح النادي  بدون اقامة احتفالية .
فيما طالب رائد فهمي وزير العلوم والتكنولوجيا السابق بان تقف الدولة بشكل متساو من جميع مكونات الشعب العراقي .فهمي شدد على ان الشهر الحزين والطقوس الدينية الممارسة فيه اضطرت الجميع لاخفاء مظاهر الفرح او إظهارها بشكل مهذب ,مؤكدا ان على الدولة احترام الاطراف في حرية التعبير عن المناسبات والاعياد. فهمي وهو عضو الحزب الشيوعي الذي منع في يوم السبت الماضي من قبل الجهات الأمنية من إقامة فعالية بمناسبة يوم العراق في ساحة التحرير وبدل اتجاهها الى ساحة الفردوس للعذر المعروف –اسباب امنية – حيث يقول عضو الحزب " لا نستخف بالاجراءات الامنية ولكن لا يجب ان تكون سيفا مسلطا على الحريات العامة وحرية التعبير ". الجدير بالذكر ان الكثير من اهالي بغداد والمحافظات الاخرى توجهوا الى اقليم كردستان للاحتفال برأس السنة ،وشهدت الساحات والمطاعم والنوادي احتفالات شعبية بمشاركة عدد من المطربين العراقيين والعرب الذين جاءوا للاحتفال بهذه المناسبة ،واكد عدد من المحتفلين في اربيل والسليمانية بان الفنادق قد امتلأت بالوافدين من كل محافظات البلاد...بسبب فقدان مظاهر الفرح في مناطقهم.
المدى

  كتب بتأريخ :  الأحد 01-01-2012     عدد القراء :  1855       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced