عمل الأطفال عنف فرضته الحاجة!
بقلم : إيناس طارق
العودة الى صفحة المقالات


قبل عدة أسابيع اتصلت بي صديقتي من إحدى الدول الأوربية التي تقطن فيها، بعد أن حصلت على حق الإقامة.. كانت منزعجة جدا بسبب تدخل حكومة تلك الدولة في تربية أولادها، ففي الأسبوع الأول من إقامتهم هناك كشفوا الكثير من الأمور التي كانت غائبة عنهم من حيث التربية والتعايش مع تلك المجتمعات،

ولم يفكروا يوماً بأن تأنيب أطفالهم يعتبر جناية ويحاسب عليها القانون ، تقول الصديقة: إنها عندما قامت بضرب ابنها البالغ من العمر 5 سنوات بسبب تصرفات خاطئة قام بها في البيت، أدت إلى كسر شاشة التلفاز ، الطفل كان يتكلم مع معلمته عن ضرب والدته له، المعلمة بالمقابل قامت بتعليم الطفل كيفية الاتصال بالشرطة عن طريق رقم هاتف يتكون من 4 أرقام، ولكي لا ينسى الطفل الرقم أخبرته أن يتذكر عينيه وانفه وفمه؛ فالمجموع أربعة أي "2و1و1"، عندما كانت تتكلم الصديقة أصبت بخيبة أمل، وانتابني الحزن لقاء ما يتعرض له أطفالنا من عنف اسري وكبت اجتماعي وإرهاب سياسي، ومن الضروري جدا أن نقدم الاعتذار لأطفال العراق لأنهم لا يعتقدون ان رقم هذا الهاتف سيخدمهم لتخليصهم من عنف عوائلهم ومدارسهم وكذلك ما يعكسه الإرهاب المنظم.
وسردت لي قصة أخرى لفتاة جارتهم - تحمل الجنسية الأوربية - عاقبوها أهلها بعدم الخروج ليلاً، وقد اتصلت بالشرطة وأخبرتهم بما قررت العائلة ، الشرطة أخذت تعهدا بعدم التعرض إلى الفتاة إضافة إلى تلبيسها سوار خاص لتعقب حركتها، وفي حالة تعرضها للخطر تستطيع الشرطة الوصول إليها فورا، علما أن مفتاح هذا السوار يكون محفوظا في مركز شرطة المدينة.

مقارنة العنف
لا نريد أن نقارن بين العنف الذي يتعرض له أطفالنا وبين الحماية التي توفرها الدول الأخرى لأطفالهم لان كفتهم هي الراجحة في الغالب، العنف مطلوب لكن بشكل يجب أن يكون خفيف العقوبة وان يقوم الأهل بضرب أولادهم بالعصا، كما المثل القائل "العصا لمن عصى"، أطفالنا يعانون قلة الحب والاحترام وتلبية الرغبات والكبت النفسي الذي زاد بعد عام 2003، فالأعمال الإرهابية التي يتعرض لها المواطنون بمختلف شرائحهم تركت نوعا من الخوف والرغبة في الانتقام من المجهول، فهم أطفال كبروا على أصوات الانفجارات وسماع أخبار القتل العشوائي . وان الطفل في العراق يتعلم العنف ، لذا فهو قريب من طريق الانتحار، وأيضا حمل البندقية وخصوصا في أيام العيد السعيد، حيث نشاهد مناظر كريهة جدا في شراء الطفل لبندقية أو مفرقعات أو سيوف وغيرها، وبعذر أن له الحق في اللهو او اللعب، كما أن الطامة الكبرى هو ما يشاهده على التلفاز وما تعرضه القنوات الفضائية من أفلام كارتون كلها قتل ومتفجرات وأسلحة مدمرة وحرب عصابات فلا تشاهد لقطة في الدقيقة إلا وان الشجار والمعارك تستمر . فإن الطفل لدينا ينشأ نشأة معظم أسفارها العنف والضرب، وتنمو خاصية العنف مع الطفل حتى يشب على هذا الأسلوب، تماشيا مع المثل القائل "من شب على شيء شاب عليه".

رأي الطب النفسي
يقول الدكتور سرمد محمد طبيب نفسي : إن مجتمعنا العراقي على وجه الخصوص يفتقر إلى الثقافة والوعي في كيفية التعامل مع الأطفال، وهذا يعود الى اختلاف طبقات المجتمع من حيث التربية والبيئة المعيشية، إضافة الى أن الكبت المجتمعي والاحتلال هما اللذان يولدان الاضطراب للمجتمع ككل، وللأسف مجتمعاتنا العربية هي أكثر المجتمعات الموبوءة وبيئة سيئة للأطفال لأنها بيئة مرتكزة على العنف الذي يلاقيه طوال اليوم، والمصيبة انه لا توجد هيئات ولا مؤسسات حكومية تعنى بحماية الطفل من ذويه او من الغرباء، والشيء المؤسف فعلا أن العنف ضد الطفل من موروثنا العربي، ويجب إزالة اي شيء مخل من موروثنا، واهم شيء العنف ضد الطفل لبناء اللبنة الأولى لمجتمع صحي ومنتج، وأضاف أن انعكاس عمليات العنف التي تجري على مرأى ومسمع من الأطفال وسفك الدماء والخراب ستترك في المستقبل أثراً سلبياً في نفسية وشخصية الطفل العراقي، مبينا أنه من الصعب أن ينشأ الجيل الحالي من الاطفال في ظل هذه الظروف وهو معافى وسليم ما لم تتوفر له المناخات المناسبة .

ما ينتج عن العنف
إن ما ينتج عن العنف ضد الطفل احد أمرين؛ إما أن يتعلم أن يكون ضحية طيلة حياته أي مستسلم وخاضع، وبالتالي تكون شخصيته اقرب للانطوائية، أو انه يريد أن يثور على العنف ويتحول الى معتد، او كما نطلق عليه شخص سيكوباتي أو انه يكون شخصية مضادة للمجتمع، وفي كلاهما يكون الشخص عدوانيا وعنيفا.

البدء من الطفل
إن الأمة التي تريد بناء المستقبل وتضمن النجاح فيه، عليها أن تبدأ بالطفل ولا طريق بديل غير الطفل، إذا استعرضنا الواقع العراقي سنرى أن الطفل يعاني الكثير مثل حرمانه الصحة في المدرسة وحرمانه من اللعب مع أقرانه وحرمانه من التعبير عن رأيه.
ويشار إلى انه "عدد غير قليل من الأطفال يتعرضون للكثير من الاعتداءات الجسدية والجنسية وبعضهم يضطر للعمل بمهن شاقة لا تناسب سنه، ومنهم من يضطر للتسول نتيجة الفقر والظروف الصعبة المحيطة به".

لجنة المرأة والطفل
عضو في لجنة المرأة والطفل بالبرلمان تنظر لمستقبل الطفل العراقي نظرة "يشوبها التشاؤم"، بسبب انعكاس العنف المسلح على أوضاعه، وقالت إن لجنتها اقترحت قوانين تحمي الطفولة في العراق سيتم طرحها على البرلمان.
وتقول النائبة نادرة عايف، أحمل نظرة تشاؤمية لمستقبل الأسرة العراقية نتيجة للأوضاع المتفاوتة التي يعيشها الأطفال بسبب التهجير والعنف والفقر والتفكك الأسري. وتابعت: أن من نتائج هذا العنف وصول عدد الأطفال الأيتام والمشردين إلى نحو أربعة ملايين ونصف المليون طفل، إضافة الى وجود 800 طفل، يقبع الآن في السجون الأميركية والعراقية.

تقارير عالمية
وفي تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية ذكر ان ما لا يقل عن 150 طفلا عراقيا يباعون سنويا مقابل مبالغ تتراوح ما بين 200 و4000 جنيه إسترليني، مشيراً إلى أن بعضهم يتحول إلى ضحايا للاستغلال الجنسي. إضافة الى  ان  إحصاءات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي  تؤكد أن عدد الأطفال الأيتام في العراق بلغ نحو أربعة ملايين ونصف المليون طفل، بينهم الآلاف المشردون في الشوارع.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين وهيئات إغاثة قولهم إن الفساد المالي والتهاون في تطبيق القانون وسهولة اختراق الحدود العراقية تضافرت كلها لتفاقم أزمة الاتجار بالأطفال العراقيين ، ما أدى إلى خطف أعداد كبيرة منهم سنويا وبيعها خارج العراق أو داخله. في عددها الصادر في الخامس من أيلول 2009 قالت الغارديان: إن العصابات الإجرامية تحقق أرباحا كبيرة من الأسعار الرخيصة للأطفال والفوضى الإدارية التي تجعل نقلهم خارج البلاد أمرا سهلا نسبيا.
ومن الصعب تحديد الحجم الحقيقي لهذه التجارة لغياب نظام مركزي لجمع البيانات حول هذا الموضوع، لكن المنظمات الخيرية والشرطة العراقية تعتقد أن العدد زاد بالثلث بين عامي 2005 و2008 ليصل الى 150 طفلا سنويا. الصحيفة نقلت عن ضابط كبير في الشرطة العراقية قوله إن 15 طفلا عراقيا يباعون شهريا، بعضهم خارج البلاد وبعضهم داخلها وبعضهم من أجل التبني والبعض الآخر للاستغلال الجنسي. ويعتقد المسؤولون العراقيون أن 12 عصابة اتجار في الأطفال تنشط بالعراق، وأنها تدفع ما بين 200 و4000 جنيه إسترليني مقابل الطفل حسب محيطه الذي ينحدر منه ومدى غناه وفقره.
أما البلدان التي يباع فيها هؤلاء الأطفال فهي الأردن وسوريا وتركيا، وكذلك بعض البلدان الأوروبية كسويسرا وأيرلندا وبريطانيا والبرتغال والسويد.

رأي البحث الاجتماعي
بينما أشارت الباحثة الاجتماعية سارة المنصور - أستاذة جامعية - إلى أن الأطفال ما بين ( 5 - 12) سنة غالبا ما يتعرضون للعنف الجنسي، من كل مَن يمكن أن يختلط بهم دون رقابة من الأهل مثل الأصدقاء وأبناء الجيران والغرباء ، ومن الأطفال الذين يتعرضون لهذا العنف المشردون في الشوارع الذين يكونون هدفا سهلا لهذا العنف بسبب فقرهم وصغر سنهم .
وقد يتم إغراء الطفل بالمال او الهدايا او الحلوى ، او عن الطريق التهديد بالضرب او العقاب او القتل إذا باح لأحد، او بتخويفه بان الوالدين قد يعاقبانه أو يؤذيانه إذا علما بالأمر . وتترتب أيضا على الأطفال آثار نفسية. وهو العنف الموجه نحو الطفل بهدف إيذائه إيذاءً معنويا وقد يحدث على يد شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون القوة والسيطرة لإيذاء الطفل مما يؤثر على وظائفه السلوكية والوجدانية والذهنية .

وزارة حقوق الإنسان
وأعلنت وزارة حقوق الإنسان العراقية عام 2011 بان العراق يضم الآن النسبة الأكبر من الأيتام في العالم العربي. وأكدت أن أعداد الأيتام في العراق بدأت بالازدياد خلال السنوات الأخيرة، نتيجة لأعمال العنف وجرائم القتل التي طالت مئات الآلاف من العراقيين وهم بذلك يعدون ضحايا للعنف مرة أخرى.

إحصائيات منظمة الامم المتحدة
أعلنت منظمة الامم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن 872 طفلاً عراقياً قتلوا وأصيب أكثر من 3200 بجروح جراء أعمال عنف وقعت في العراق ما بين عام 2008 و2010، وأشارت إلى أن تقارير أصدرتها الحكومة العراقية أفادت بان 376 طفلا قتلوا وجرح 1594، جراء أعمال عنف وقعت عام 2008، كما قتل 362 وجرح 1044، آخرون في عام 2009 . وأشارت إلى أنه قتل 134 طفلا وجرح 590 آخرون، جراء أعمال عنف وقعت خلال الأشهر التسعة الأولى من عام .2010  وتمثل حصيلة الأطفال القتلى خلال الأعوام الثلاثة الماضية حوالي 8,1 بالمئة من مجموع الضحايا الذين قتلوا في ثلاث سنوات. وأكدت المنظمة الدولية في تقريرها أنها "ما زالت تشعر بالقلق ازاء العنف العشوائي الذي يستمر في انتهاك حقوق الاطفال في العراق". وشددت على أنها "تواصل مع شركائها رصد الانتهاكات ضدهم بما فيها التجنيد والقتل والتشويه والاختطاف والاعتداء الجنسي والهجمات على المدارس والمستشفيات."
وتعاني الغالبية العظمى من الأطفال في العراق الذي شهد عدة حروب خلال العقود الأخيرة بينها الاجتياح الأميركي عام 2003، من نقص في الخدمات بشكل عام وبينها الحاجة لمستلزمات التعليم والخدمات الصحية ومستلزمات الحياة الأخرى.

حقوق الطفل
يشار إلى أن لائحة حقوق الطفل لسنة 1989، تتضمن اعتراف الدول الأطراف، بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفي الفنون. كما تنص أيضا على أن تحترم الدول الأطراف حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية وتشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمامي وأنشطة أوقات الفراغ.
وتعترف الدول الأطراف بحسب اللائحة، بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي.
ومنذ بدايات القرن الماضي وتحديدا منذ عام 1924 توالت التشريعات المتعلقة بهذا الأمر حيث صدر أول إعلان لحقوق الطفل في جنيف يحظر تشغيل الأطفال دون السن القانوني تلتها خطوات أخرى كان من أبرزها الإعلان الخاص بحقوق الطفل الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20/ 11/ 1959 الذي استند الى إعلان عام 1924، والذي دعا الدول إلى احترام الطفولة وعدم المساس بحقوقهم وتهيئة أجواء مناسبة لكي ينعموا بحياة سعيدة ويهيئوا لهم بخطوات قانونية وغيرها من الوسائل والتسهيلات اللازمة لإتاحة فرص نمو جسمي وعقلي وخلقي وروحي واستمتاعي، وان تعمل جاهدة من اجل أن ينمو الطفل طبيعيا وان يتمتع الأطفال بخيرات المجتمع في أجواء الحرية والكرامة وان تحتل قضيتهم الاعتبار الأول في سن القوانين والتشريعات المحلية والإقليمية.
وأوصت الوثيقة بضرورة العناية بالأطفال وأمهاتهم وان يشملوا بفوائد الضمان الاجتماعي والصحي وان يحصلوا على كميات كافية من الغذاء وتهيئة المأوى وتحسين أجواء اللهو واللعب وأرفع مستويات الخدمات الطبية. إن العنف ضد الأطفال ظاهرة اجتماعية لدينا في العراق والبلاد العربية بشكل عام، بل لا يتعدى يوم على العائلة من دون ان ترتكب هذا الجرم . حيث أن العنف يبدأ من داخل الأسرة ومن المدرسة ومن رب العمل، وبالتالي من الشارع، فالأمر بسيط جدا وذلك لما يشاهدونه هؤلاء الأطفال من إجرام ومن مشاهد القتل والسلب والنهب.
المدى

  كتب بتأريخ :  السبت 21-01-2012     عدد القراء :  1715       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced