ضياع المضمون الانساني والديمقراطي من نظمنا التربوية
بقلم : نعمة عبد اللطيف
العودة الى صفحة المقالات

في عام 1995 أصدرت (اليونسكو) الغرض الأعلى من التربية، وحددوا الطريقة التي تستطيع التربية من خلالها أن تغرس وتنمي الطاقات المبدعة في كل طالب وطالبة، وتساهم في الوقت نفسه، بتطوير تماسك المجتمع، في زمن يزداد تفككا وعولمة يوما بعد آخر، هادفة من وراء ذلك إلى جعل الإنسان محور عملها وغاياتها، وذلك بتفتح العقل الإنساني، ونضجه بأعلى درجات المرونة. وبهذا جعلت النظم التربوية المعاصرة موضع مراجعة وتدقيق شديد من قبل معظم الباحثين التربويين، وأصبحت فعالياتها موضع تساؤل، مثل: ماذا نفعل؟ وماذا نقدم من خدمات؟ ولمصلحة من؟ وهل يمكن مقارنتها بالنظم التربوية في العالم المتقدم؟ وهل التربية وأهدافها لصيقة بحاجات المجتمع وبمتطلبات المواطنين؟ هل لديها القدرة للمساهمة الفعالة في حل الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية؟
بعد سنوات طوال حلت ساعة مساءلة النظم التربوية في عراقنا وفي الدول العربية، عما فعلته وعما لم تفعله، وعما بقي عليها من مسؤوليات اجتماعية وأخلاقية للزمن المقبل. ومن المفترض أن تكون التربية أكثر الأجهزة في الدولة مساءلة، بسبب تقصيراتها منذ بدايتها وحتى الآن. فلقد أضرت التربية في الدول العربية وفي العراق بأمرين: أولهما: إنها ولدت نظاما مصابا بالعجز والعقم، وبما هو شر من ذلك، فقد عزل الأمة عن حضارة العصر، وأفسد نظم التفكير عند الأجيال التي تعاقبت، منذ الحرب العالمية الأولى، وحتى الوقت الحاضر. واتبعت التوجه الآتي:
أولا: بدأت عملية تحديث هذه التربية، بعد الحرب العالمية الأولى، ولم تخضع لأي عملية مراجعة أو تقويم، لا من جانب الاختصاصيين التربويين، ولا من السياسيين. ولم يتعرف أحد على جدوى النظام التربوي ولا نوعية افرازاته النفسية والفكرية والأخلاقية في عقول أجيال من الدارسين التي مرت خلال هذه المؤسسة، أو تخرجت منها.
إن أحدا من المربين العرب أو العراقيين، لم يطرح سؤالا مشروعا حتى الآن عن العلاقة بين الردة عن الممارسة البرلمانية الدستورية التي عرفها العرب بين الحربين العالميتين، وبين نوعية التربية التي كانت سائدة في تلك الحقبة. لقد كانت التربية تصر على تلقين كل الأطفال العرب على خطبة الحجاج عن "الرؤوس التي أينعت وحان قطافها" بنوع الارتداد السهل والسريع، عن التجربة الديمقراطية والفكر الإنساني المصاحب لها.
لقد ظلت هذه التربية، موضع مباهاة طيلة السنوات الماضية على إنها رمز تضحيات الأمة في سبيل أجيالها. فاستخدموا أعداد الطلبة وأرقام الميزانيات باعتبارها مؤشرات على امتيازات هذه التربية، ولكنهم لم يدركوا إن كل ذلك كان عاجزا عن إثبات أي مضمون إيجابي أو اجتماعي أو إنساني لمثل هذه التربية.
ثانيا: التسييس هو الأمر الثاني، الذي ألحق الضرر بالتربية خلال الثمانين عاما الماضية، لأنه فرض عليها التسييس وأبقاها في ظلاله حد الاختناق بالماضي. إذ جعل الماضي يشكل الحاضر، وصب التأكيد على معطيات الماضي الحقيقي والوهم. حتى اعتقد الدارسون جيلا بعد آخر، إن الحاضر الحقيقي هو الماضي الذي يجب استحداثه لتأخذ الأمة مكانتها في الحاضر.
إنه لأمر عجيب حقا. فقد تمت بالتمام والكمال عملية تزييف العقل، ولم تترك مكانا ذا معنى للديمقراطية، ولا لإنسانية المتعلم نفسه، ولا لقدراته وطاقاته وإمكاناته، وحريته وفرديته، وحقوقه الإنسانية.
أما احترام الحاضر الحضاري للإنسانية، فلم يكن له شأن في هذه التربية، فضلا عن إبداعات الإنسان، وما دامت التربية قد ولدت عقيمة، وأوصلت عقمها للدارسين، فقد تبخرت كل إبداعات الإنسان المعاصر في العلوم والفنون والنظم الاقتصادية والسياسية والقانونية والتفكير المستقل. إن مثل هذه التربية، ستكون مصدرا كبيرا للخطر الجاد على الوجود العربي والعراقي في القرن المقبل، إلا إذا أمكن من الآن إحداث تغييرات جوهرية في مضمونها الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي والسياسي والتربوي. ويمكن أن يتم ذلك حسب ما يأتي:
1- إعادة توجيه المؤسسة التربوية العربية، من الاهتمام والتركيز على الماضي، إلى العناية والتركيز على المستقبل والحاضر، لأن تسليط ضوء التربية على الماضي، جلب لنا العزلة عن حضارة العصر والابتعاد عن قيمها ومثلها. كما إن ما صوره لنا انه قد مات واندثر من النزاعات الطائفية والقبلية والقهر والاستبداد، ما زال يعيش بيننا، ويفعل فعله في مجتمعاتنا.
2- جعل الإنسان محور الفكر التربوي وغايته، وهذا يؤدي إلى تعظيم الاحساس بإنسانية البشر، وتعظيم فكر الإنسان العربي.
3- على التربية أن تنشئ الدارسين بمهارات وخبرات ومفاهيم، وتنظم تفكيرهم، وتساعدهم على منافسة الأمم الأخرى في ميادين الاقتصاد والعلوم والبحوث. إن الفرد العربي يجب أن يتصف بالصمود والتفوق في عالم العولمة، وتكوين قدراته على التفكير الجيد، وحل المشاكل بإبداع في مواجهة ظروف الحياة الجديدة.
4- إن دور المعلم الملقن، يجب أن يزول وإلى الأبد، ليحل محله دور المعلم المبدع والمبتكر، ففي الوضع التربوي الحديث يكون للعملية التربوية محوران (العمل/ والمعرفة) وإن تربية المستقبل هي (تربية العمل المبني على المعرفة). ويرى التربويون أن "هذا هو فن القيادة التربوية الحقيقية".
5- أما قضيتا الثقافة والهوية المركزيتان، فقد أشار تقرير اليونسكو حول ثقافة القرن الحادي والعشرين بأن التربية الأولية يجب أن تتم كما يلي:
أ- ان تساعد الاطفال والراشدين على تفهم افضل لثقافاتهم الخاصة.
ب- أن تكون هذه المساعدة، في نطاق مجتمعي أوسع – مجتمع أممي – وأن يعد فيه انفتاح الثقافات الخاصة، بعضها على بعض وحوارها فيما بينها، الوسيلة الوحيدة لازدهار أي منها، ومن الضروري أن نتعامل مع غيرها من الثقافات بشكل إيجابي فعال.

  كتب بتأريخ :  الأحد 22-01-2012     عدد القراء :  1740       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced