تحقيق الذات في إزالة العورات ... أو ؟
بقلم : الدكتور صادق إطيمش
العودة الى صفحة المقالات

السلفيون على إختلاف مشاربهم ومواقعهم مساكين فعلاً ، إذ انهم مصابون بمرض مزمن لا يمكنهم ان ينجوا منه ، كما في كل الأمراض المزمنة الأخرى التي لم ينفع معها الدواء ولا امل يرجى في الشفاء ، إلا بإحدى طريقتين : فأما ان يقضي المرض على هذا المريض فيستريح إلى الأبد من عذاباته . أو يستعمل المريض آخر المبتكرات لديه والخاصة به للتخلص من هذا المرض باقتلاعه من جذوره والقضاء عليه نهائياً وليكن بعد ذلك ما يكن ، إذ تحقق للمريض في هذه الحالة راحة البال وعدم التفكير بهذا المرض بعدئذ أو بأسبابه ونتائجه . المرض الخطير هذا الذي يلازم السلفيين ويهد عليهم مضاجعهم ويعكر عليهم صفو حياتهم هو كثرة العورات في المجتمعات التي يعيشون فيها . والعورة ، كما هو معروف في قواميس اللغة ، " هي كل أمر يُستحيا منه ، ويستره الإنسان أنفةً وحياءً" (حسب قاموس المنجد ) . ففي حالة المجتمع الذي تشكل نصفه ، وفي كثير من الأحيان اكثر من نصفه عورات ، فإن المطلوب في مثل هذه الحالات ان يخفي النصف اللاعورة هذا النصف العورة الذي يسبب الخجل والإستحياء ويجعل النصف أللاعورة يعيش حالة البؤس والهوان والتفكير ليل نهار في كيفية معالجة هذه الظاهرة المُخجلة في مجتمعه الذي يريده ان يكون نظيفاً نقياً يتباهى به ولا يخجل منه او من إنتماءه إليه . المجتمع الذي يجب ان يكون في الصدارة دوماً ، مجتمع خير أمة أخرجت للناس . فكيف يمكن ان تكون الأمة خير أمة ونصفها عورات مُخجلة ، يجب إخفاءها بكل الطرق والوسائل المتاحة . فالنتصور ان إنساناً يعيش بنصف جسمه ، بعد ان إضطر إلى إخفاء النصف الآخر عن المجتمع خجلاً واستحياءً . فنصف الوجه عورة، وإحدى الساقين عورة ، واليد اليمنى عورة ، ونصف رأسه عورة ، وإحدى رئتيه بالرغم من انها مخفية ولا يراها أحد إلا انها تكدر عليه حياته ليل نهار بسبب ما يجول بداخلها من حركات لا يستطيع العيش معها براحة بال ، وهكذا يصبح نصف الجسم الظاهر منه والمستور كله عورة في عورة في عورة . مسكين أيها الورع الساجد العابد المُبسلم المحوقل الذي لا يسمح له دينه ولا تسمح له عباداته والتزاماته الأخلاقية ان يعيش في مجتمع نصفه أو اكثر عورة ، وهو القوي والمليئ بكل هذه القيم التي تطلب منه إتخاذ القرار الحاسم والتخلص من هذه العورات ، فتحقيق الذات لا ينسجم ووجود العورات .
ولكن كيف يقضي المرء على نصف المجتمع العورة هذا ؟ هناك مَن فكر بالمثل القائل " آخر الدواء الكي " والكي هنا يعني القضاء على العورة شكلاً ومضموناً فافتى بالعودة للوأد الذي مارسه الأجداد وإن كانوا قد تذرعوا بالفقر والعوز ، إلا انهم كانوا يفكرون ابعد من ذلك في مثل هذه العورات . وفعلاً مارس البعض هذا النوع من الدواء بعد ان إبتكر له اسماءً جديدة وبعد ان نفذه في غير الوقت الذي سار عليه الأجداد وبذلك إنتفت عن هذا الفعل المسؤولية التي يسمونها شرعية ، لأن هذا الفعل لم يكن وأداً ، بل غسلاً أو ما شابه ذلك من الأسماء التي تتناسب ومدنية العصر الجاهلي الحديث . إلا ان هذه الفكرة لم تشف الغليل تماماً المتلهف للمزيد والمزيد من التخلص من هذه العورات . وهنا تفتقت الأذهان عن سلوك الطريق الطبيعي بإخفاء مثل هذه العورات وعدم تحمل كل عواقب الخجل التي تحملها معها .
إنصرف الكثير من مؤيدي هذا الرأي للتفتيش عن الوسائل الناجعة لهذا الإخفاء وكيفية تحقيقه . ومن خلال دراساتهم وابحاثهم هذه إكتشفوا كثيراً من الحِكم والأقوال والفتاوى التي وضعتهم في حيرة من امرهم . وسبب الحيرة هذه هو إلتصاق العورة بما ينتج عنها إستناداً إلى " كل ما قام على باطل فهو باطل " او " كل ما يخرج من العورة فهو عورة " إلى غير ذلك من الأقوال التي إعتبرها هذا البعض قد لا تفي بالغرض المطلوب لإزالة او إخفاء العورات من المجتمع لأنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى إزالة أو إخفاء ما له علاقة مباشرة بهذه العورات والذي يشكل بالتالي منتجاتها التي لا يمكن الشك فيها باي شكل من الأشكال . فالقاصي والداني يعلم ان هذه العورات هي التي ساهمت بتكوين المجتمع وهي التي عاصرت وتفاعلت مع جميع مراحل التطور فيه منذ ان وُجد على الأرض وحتى بعد ان بدأ يزحف عليها ثم نهض ليقف على اسرارها ومشى يفتش عن خفاياها ثم عاش عليها سوية مع هذه العورات التي لم تفارق حياته في يوم من الأيام . وهنا حلَّت الطامة الكبرى والنتيجة المرعبة التي توصل إليها هذا البعض ، إلا انه ظل يكتمها حتى لا يشذ عن بني قومه فينطبق بعدئذ عليه القول " مَن فارق الجماعة فأقتلوه ". هذه النتيجة التي تقول : القضاء على العورات في المجتمع أو إخفاءها يعني القضاء على المجتمع برمته . فالمجتمع الذي نشأ من العورة وتربى بين أحضانها وشرب وأكل معها ومنها وظل يعيش معها طيلة عمره ، راغباً او مُكرهاً ، لابد ان يكون هو عورة ايضاً ، إستناداً إلى القاعدة الفقهية " الباطل لا ينتج إلا الباطل ، والعورة لا ىتنتج إلا العورة " . أو أن هناك مَن يعطي تعريفاً آخر للمجتمع ، أي مجتمع ...؟

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 24-01-2012     عدد القراء :  1740       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced