توصيفات رثة
بقلم : عبد المنعم الاعسم
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في ادب مراحل الاضطراب وضياع البوصلة والانحطاط السياسي تقوم العقول المعتلة واليائسة ومن فرط الولاء الاعمى بتسويق توصيفات فجة لسياسيين يمسكون ببعض اللعبة، مثل “الرقم الذي لا يقهر" أو “المنقذ الوحيد” و”من دونه تنهار البلاد ويتقاتل العباد" وهي من بعض الاوصاف الرثة لـ" القائد الضرورة ".

ولا تتورع هذه العقول، في حمية هذا الولاء، عن ان تنسب لهذا السياسي اعمالا ومعجزات فوق ما يتحمله العقل، وخلاف ما ترخصه دروس الماضي القريب. يوما جاء احد مريدي الصوفي (الذي اشتهر برجاحة العقل) سهل التستري المتوفى عام 886 ميلادية حائرا ليسأله قائلا: ان الناس يقولون ان بمقدورك ان تمشي فوق الماء، فكان رد الرجل الحكيم بان طلب من سائله الذهاب الى مؤذن في المدينة معروف بصدقه كي يسأله عن الامر، وحين ذهب المريد الى المؤذن تلقى الجواب الشافي منه إذ قال له: انا لا اعلم إن كان شيخنا التشتري يمشي على الماء، ام لا، لكن ما اعلمه هو ان الشيخ الجليل حين قصد حوض الماء ذات يوم بغية الوضوء سقط فيه وكاد ان يموت غرقا لو لم اسارع الى نجدته وانقاذه.

لا تحترم هذه العقول دروس الماضي وعبرها وآياتها، بل ادخلت الخرافة الى سوق السياسة، وهي تردد "واحد يصلح لانقاذ العراق.. لا غيره" وكأن العراق ثوبُ فصل على طول هذا "الواحد" وعلى مقاس هذه الخرافة التي طبخت في غرف مظلمة، والغريب ان مصنع الخرافة هذا انتج منقذا لكل جماعة، تتمسك به حتى الموت، حتى ان "المنقذ" نفسه صدق الكذبة مثلما صدق اشعب كذبته يوم قال للاولاد ان ثمة وليمة باذخة في منعطف اقصى البيوت، وحين هرعوا الى صوب الوليمة المزعومة ركض وراءهم وهو يردد: ربما الامر صحيحا فانال وجبة دسمة.

الجدل الدائر حول قيادة هذه المرحلة واهلية الزعامة المطلوبة لا يأخذ بالحسبان العقاب الذي نزل باولئك الذين بالغوا حساب قوتهم فينزلق شيئا فشيئا (وهي عاهة شرقية) الى التقليل من شأن العقل الرشيد وجدوى وضرورة وشرط مبدأ العمل الجمعي، كما يتجاوز حقيقة ان مشاكل العراق الكبيرة اكبر من ان يستوعبها عقل لوحده، أو ارادة شخص واحد، او رئيس حكومة بعينه، وانه لا صحة في الواقع لوجود "المنق" الذي سيأتي بالحلول، وبالامن والكهرباء وراحة البال، بوصفه الوحيد الذي يعرف فوق ما يعرفه الاخرون، ويعمل ما لايستطيع ان يعمله غيره، ويخطط ما لم يكتشفه احد من المخططين والاستراتيجيين من الخطط.

والمشكلة،ان كثرة المنقذين تحملنا على الخوف من ان تندلع ما يمكن تسميته بحروب المنقذين، وهي آخر مهزلة سنعيش فصولها.

“ لا يمكن السماح ولو لأكثر البشر عدلا أن يكون حكما على قضيته”.

بليز باسكال – فيزيائي فرنسي

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 04-03-2014     عدد القراء :  3233       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced