التطرف.. في كروموزوماتنا
بقلم : عبد المنعم الاعسم
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يضرب التطرف والعنف كل المكونات التي يتشكل منها الحاضر العراقي، ثقافة وسلوكا، وتبرز في كل مكون شرائح “حافات” تنزلق الى مستنقع التجييش والطائفية والشوفينية لجهة تدمير الآخر، كما تبرز الحاجة الى بحث هذه الظاهرة وترسيم مصادرها والاثر الذي ستتركه على مستقبل العراق على الخارطة، كدولة.

يقال، هنا، ان الجينات ليست مصدرا لـ “اصالة” هذا التطرف والعنف في ثقافتنا وسلوكنا، لكن شيئا من هذا صحيح، معبرٌ عنه في تجليات نقض النقيض، إذ نهرب من الحلول العلمية لمشاكلنا الى نقيضها، الخرافة، كما يتجلى ذلك المصدر في “طفرات” اجتماعية حدثت في امزجتنا في مجرى التاريخ. في هذا يذكر الطبري ان سلطانا قرر بناء مسجد له في دمشق فأمر ان يأتيه كل رجل (من سكان المدينة والمقيمين فيها) بلبنة واحدة، ففعلوا، إلا عراقيا كان يأتيه بلبنتين.. فقال له السلطان: “يا أهل العراق، تفرطون في كل شيء، حتى في الطاعة”.

امم كثيرة انخرطت في دوامات العنف، ولم يبحث علماؤها اثر تلك الدوامات في الكروموزومات، بل ولم يدخلوا (كما ندخل نحن) في مقارنات بين عدد الضحايا وعدد التفجيرات، مثل قولنا: حمدا لله، اليوم فقط تفجيران وقتيل واحد. “حميد جا” شاعر من سراييفو كان يردد في فزع من مشاهد الجثث: “كم هو غير لائق، وكم هو سخيف، ان نقارن بين درجات العنف واعداد الموتى” اما تقارير الامم المتحدة الدورية عن الاحوال الامنية في العراق، فان عبارة “تراجع اعداد الضحايا في الهجمات الارهابية” تثير فينا نوعا من الارتياح، على الرغم ان بين الضحيا (المتراجع عددهم) أمّ واب وثلاثة من ابنائهم، ولم يبق من العائلة غير طفلة بعمر اربع سنوات، فما هو معنى ارتياحنا ذاك؟.

“الجين الأناني” كتاب اصدره العالم البريطاني “ريتشارد دوكين” يذهب الى القول “ان كل شيء مكتوب في كروموزوماتنا” وتضمن رصدا عن تأثير الجينات على التكوين البشري، وقد انتُقد الكتاب على نطاق واسع في نقطة التأويلات التي سوّقها على ان التخلف لا يعدو عن جين من الجينات، لكن موجة جديدة من الكتابات غزت الصحافة الغربية عزفا على ايقاع “الجين الاناني” واشتهرت “نيوزويك” بالمانشيت الصارخ الذي خرجت به ويقول “اننا، نحن البشر جميعا، مبرمجون جينيا كيما يكون لدينا الذوق الجمالي نفسه” وتشرح ذلك بالقول “ان جيناتنا تحب التناسق، وتميل الى مواصفات متفق عليها للجمال”. وطبعا لم يطل الوقت ليكتشف محللون تقدميون الصلة بين هذه النظرية والفكر النازي الذي يصنف البشر على اساس لياقاتهم الشكلية، وكان هذا وراء التحريم النازي لفن بيكاسو حيث قضى وزير الثقافة النازي جوبلز “ان لوحات بيكاسو غير المتناسقة ليست فقط بشعة، بل تمثل العرق الأدنى”.

في كل الاحوال لا نستطيع القول بان الجينات بريئة تماما من عصبيات العنف والتجييش المنفلتة من الذات العراقية، في ظروف تتسم بالاضطراب والنزاعات والتدخل الخارجي واعمال الارهاب، لكن الكثير من المعاينات توصلت الى حل وسط يميز بين تأثير الجينات وتأثير البيئة، وهو ما توصلت اليه في تتبع الكثير من الدراسات التي قللت من مكانة الجينات في سلوك الانسان، واعطت للبيئة دورا في جملة مكونات الشخصية، من دون ان يحسم العلماء الاولوية في التأثير بين الجينات والبيئة.

“التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق” .

ابن خلدون

  كتب بتأريخ :  الجمعة 04-07-2014     عدد القراء :  2088       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced