نشر الكاتب كريم زكي مقالاً في موقع "الحوار المتمدن" بتاريخ الأول من تشرين الثاني 2014 تحت عنوان " محطات من السفر النضالي لقوى اليسار العراقي (الكفاح المسلح )"، (رابط المقال مرفق). وكتبت تعليقاً تعذر عليّ نشره، لأن الكاتب لم يسمح لا بالتعليق ولا بالتقييم المتوفران في الموقع المذكور، فاضطررت لنشره بشكل مستقل.
جاء في المقال ما يلي: "عاد (الرفيق خالد احمد زكي) من لندن بعد خط آب المشؤوم الذي انتهجته قيادة الحزب والذي حاولت من خلال هذا النهج التحريفي والخياني تذويب الحزب بالاتحاد الاشتراكي الناصري الذي كانت حكومة العارفين تنتهجه بعد انقلاب 18 تشرين الثاني 1963 كانت قيادة الحزب الشيوعي العراقي تعمل جاهدة لحل الحزب وتذويبه في حزب السلطة ، مما اثار سخط وهيجان كل كوادر الحزب وتنظيماته في عموم العراق ، مما حفز الرفيق الشهيد خالد احمد زكي للعودة للعراق..."
بصفتي شاهد عيان، حيث كنت كادراً متقدماً عند إقرار اللجنة المركزية خط أب 1964، كما حضرت اجتماع اللجنة المركزية، بصفتي مرشحاً للجنة المركزية، المنعقد في نيسان 1965 والذي تخلى فيه الحزب عن خط آب ورفع شعار إسقاط سلطة عارف. كما كنت حاضراً في الاجتماع الموسع، الذي حضره عدد من كوادر الحزب المتقدمة إلى جانب أعضاء اللجنة المركزية الموجودين في الداخل، والذي أدان خط آب اليميني وتبنى نهج الكفاح المسلح. بإمكاني أن أنفي نفياً قاطعاً إدعاء الكاتب بأنْ "كانت قيادة الحزب الشيوعي العراقي تعمل جاهدة لحل الحزب وتذويبه في حزب السلطة". لم أقرأ أية وثيقة تتضمن ذلك، ولم أسمع من أي قائد حزبي، لا تصريحاً ولا تلميحاً، ما يدعيه الكاتب. فهذا الادعاء عار عن الصحة. وإذا لم يرد الكاتب على اعتراضي بأدلة موثقة، فإن ادعاءه سيدخل في باب التشويه المتعمد لتاريخ الحزب الشيوعي العراقي المجيد وتاريخ العراق المعاصر، شاء ذلك أم أبى.
لقد شاع استخدام مصطلح "تصفوي" في إدانة خط آب في حينه. كان استخدام المصطلحات مثل : تصفوية، يمينية، يسارية، ذيلية، مارتوفية، تيتوية، تروتسكية و...الخ، شائعا سابقا لوصم سياسة هذا الحزب الشيوعي أو ذاك، أو الآراء المخالفة داخل الحزب. ولم تعد تلك المصطلحات مستخدمة في حزبنا منذ مؤتمره الخامس المنعقد في عام 1993 والمسمى " مؤتمر الديمقراطية والتجديد". وهذا ما انتهجته جميع الأحزاب الشيوعية التي جددت نفسها ودمقرطتها. فتلك المصطلحات كانت تستخدم لقمع الأفكار والسياسات المخالفة.
لا اعتراض لديً على وصف خط آب بالتصفوي واليميني، ضمن تلك الظروف التاريخية، أما في حقيقته فهو نهج سياسي وفكري خاطئ وطارئ على الحزب الشيوعي العراقي. ولكن هذا شيء، وادعاء الكاتب بأن "كانت قيادة الحزب الشيوعي العراقي تعمل جاهدة لحل الحزب وتذويبه في حزب السلطة"، شيء آخر.
وكان الحزب، عندما تبنى النهج المذكور، قد خرج للتو من مذبحة انقلاب شباط الفاشي، الذي صفى قيادة الحزب وشبكة واسعة من كوادره، ودمر معظم منظماته وخلف ردود فعل سياسية وفكرية واسعة ومتباينة وحادة شملت الحزب كله، وهذا ما يحصل عادة لكل حركة سياسية أو حزب سياسي كبير يتعرض إلى انتكاسة كبيرة.
إنني على قناعة بأن اجتماع اللجنة المركزية الذي عقد في آب 1964 في براغ لو كان قد عقد في العراق وضم جميع قادة الحزب، لما تبنَ خط آب، بدليل أن أبرز قادة ذلك الخط ما أن وطأت أقدامهم الواقع، واقع العراق وواقع المنظمات، حتى أخذوا يعيدون النظر بتقديراتهم الخاطئة. وما أن اجتمع شمل عدد منهم، حتى كتبوا وثيقة تؤسس لخط سياسي وفكري جديد طرح للمناقشة على اللجان المحلية. كما أن اجتماع اللجنة المركزي المنعقد في نيسان 1965 والذي تخلى عن خط آب ضم عشرة رفاق ستة منهم كانوا حاضرين في اجتماع آب وهم كل من بهاء الدين نوري، عامر عبد الله، صالح دكلة، ناصر عبود، حسين سلطان وآرا خاجدور.
وإضافة إلى ذلك، فمن غير الصحيح اعتبار خط آب كان محفزاً لعودة الشهيد خالد احمد زكي إلى العراق، كما جاء في المقال. فقد عاد الشهيد إلى العراق في عام 1967، أي بعد ما يقارب السنتين من تخلي الحزب عن خط آب وإدانته وتبني الكفاح المسلح. فلماذا هذا الربط المفتعل؟ أترك الجواب لاستنتاج القارئ اللبيب.