العمق الأسود
بقلم : د. صادق إطيمش
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يبدو ان رفاق الجريمة في القمامة البعثفاشية قد فقدوا آخر ما بجعبتهم من اوراق اللعب على الطائفية المغموسة بالفكر الإرهابي الذي كانوا يعتبرونه من مقومات مقاومتهم التي اطلقوا عليها مختلف المسميات التي لم نجد اي واحد منها يميل إلى الإنتماء العراقي او المواطنة العراقية. فحينما جعلوا من بعض الوجوه الدينية ستاراً يخفون وراءه اطروحاتهم الفكرية المتخلفة وعملهم على العودة إلى ممارسة انماط دكتاتوريتهم الساقطة، بكل ما تحمله هذه الممارسات من مآسي عاشها الشعب العراقي لأربعة عقود من تاريخه الحديث، فإنهم اثبتوا وبمرور الوقت بأن هذه الوجوه الدينية، حتى وإن إتخذت اسماءً تنظيمية كهيئة علماء المسلمين وكل ما تمخض عنها من تنسيق مع قوى الإرهاب، او التجمعات التي اختفت وراء اسماء الصحابة والأولياء وسلكت سلوكاً ممزوجاً بالتلاحم مع المشروع الإرهابي الموجَه ضد العراق وشعبه والذي تبنته قوى عراقية وغير عراقية تنظيماً وتمويلاً وتسليحاً، اثبتوا ان مثل هذه التوجهات غير قادرة على إيصالهم إلى ذلك الهدف الذي يخططون له لعودة دكتاتورية البعث ونشر افكارهم السوداء مرة اخرى على ارض وطننا والسعي لممارسة تلك الجرائم التي لا تزال آثارها ماثلة للعيان وعلى جميع الأصعدة. فكانت الخطوة الأخرى التي ارادت قوى البعثفاشية من وراءها التسريع في تحقيق اهدافها السياسية مع الإستمرار بتبني الفكر الديني الأكثر تطرفاً وهمجية ووحشية، فانبثق ذلك المسخ البشع الذي تمخض عن إلتحامهم بما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف تحت اسمه المختصر داعش واصبح هذا الإلتحام بالنسبة لقادتهم الكبار الموضوع الاساسي الذي يطبلون له واضعينه ضمن فصائل مقاومتهم التي اصبحت داعش تمثل واحدة من قواها الأساسية. وقد سمعنا الكثير من تصريحات قادتهم، خاصة بعد إحتلال الموصل، التي انطلقت من اربيل او من وراء الحدود وتقييمهم لإحتلال الموصل على انه الخطوة الأولى لما يسمونه بتحرير العراق والذي تقوده فصائل مقاومتهم بكل قواها، وقد عبر احد قادتهم الكبار ومن صالة احد فنادق اربيل الضخمة بان داعش تشكل جزءً من مشروعهم في تحرير العراق وليست لديهم اية مشكلة في ذلك. إلا ان حساباتهم قد إصطدمت هذه المرة ايضاً بمعوقات لم تستطع عقولهم الضامرة ولا فكرهم السياسي المتخلف ان يحسب لها ولو اقل حساب.

العائق الأول الذي واجه مشروع البعثفاشية هذا الملتحم مع الإرهاب هو الشعور الذي بدأ يظهر للوجود يوماً بعد آخر، وبمدة قصيرة جداً، بان داعش تقود البعثيين كالنعاج وانهم لا حول لهم ولا قوة امام إصرار قوى الإرهاب على تنفيذ اجندتها السيا ـ دينية المتخلفة التي لا متسع فيها لأي افكار اخرى دينية او غير دينية. لذلك دأبت قوى التخلف الهمجية على تشذيب زعانفها من قادة البعث واحداً بعد الآخر حتى استطاع الهرب مَن يهرب مقيماً في ارقى فنادق اربيل دون ان تتعرض له حكومة الإقليم ولكل لقاءاته ومؤتمراته الصحفية على صالاتها. وهذا ما يجعلنا، كأصدقاء للشعب الكوردي وقضيته العادلة ونضاله الصامد، ان نوجه اصابعنا بالإتهام لكل اولئك الذين جعلوا من المدينة الباسلة اربيل معقلاً لزعانف الدواعش اعداء الشعب الكوردي الذين لم يمض على تنكرهم لقضية هذا الشعب المناضل وحربهم الشعواء عليه وقت يمكن ان تذهب به ذاكرتنا بعيداً عن السنين الخوالي التي سخروها لقتل الشعب الكوردي بكل ما توفر لديهم من اسلحة دمار وتشريد وملاحقات. ومنهم من جعل من اربيل محطته الأولى إلى الدول الإقليمية المختلفة العربية منها وغير العربية، هذه الدول التي سخرت كل ما لديها من فكر تآمري وقوى عشائرية متخلفة دأبت على تمجيد، بل وتأليه جرذ جحور تكريت وكل عصاباته التي جعلت من هذه الدول موقعاً لإنطلاقاتها التآمرية ضد الشعب العراقي وتطلعاته لبناء وطن جديد على انقاض دكتاتوريتهم الساقطة. وبعد ان تكشفت لهؤلاء ما تضمره داعش الإرهابية لهم وبعد ان فروا بجلودهم وسقطت اجندتهم من خلال تحالفهم مع الإرهاب، بدأت تتكشف لهم ايضاً العوائق الاخرى التي تحول بينهم وبين تطبيق اجندتهم السياسية بالعودة إلى حكمهم الدكتاتوري البشع على ارض العراق التي لفظتهم إلى مزبلة التاريخ.

ولم يكن هذا العائق الآخر سوى رأي الشعب العراقي بالإرهاب وبكل قواه والذي تبلور من خلال المواجهات العسكرية التي تدور الآن في مناطق مختلفة من الوطن والتي لا يمكن للبعثفاشية إغماض العين عنها وهي تدور على ربوع بعض ما كانت تحسبه معاقلاً لها وحواضن لأفكارها البالية المتخلفة. من الطبيعي ان تستغل القوى الشريرة سواءً من إرهابيي الدولة الإسلامية او من مجرمي البعثفاشية بعض من سمح لنفسه بالتعاون مع هذه القوى إما خوفاً او ايماناً، إلا ان هذا العدد ظل يتناقص يومياً وبشكل جعل الإعتماد عليه في كسب معركة المصير على الأرض وبين الجماهير يكاد يكون مستحيلاً. لقد ادرك مجرمو البعث بعد كل ذلك ملامح هزيمتهم وما ينتظرهم من مصير مخزي ومسقبل اكثر خزياً ودابوا يفتشون عن مخرج لهذه الأزمة فلم يجدوا إلا ذلك الشعار الهزيل الذي سبق وان رددوه فترة غير قصيرة ثم رموه عرض الحائط حينما تاكدوا من سخفه وبطلانه على ارض الواقع الأليم الذي تعيشه الشعوب العربية التي ابتليت بعروش وكروش تسير بها من تخلف إلى آخر طيلة السنين التي تلت تقسيمها بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى كمخلفات للدولة العثمانية. لقد لجأوا إلى شعار ما يسمى بالعمق العربي واشتد نباحهم حول ابتعاد العراق عن هذا العمق، بعد ان ساهموا هم انفسهم من خلال جرائمهم سواءً ما كان منها اثناء تسلطهم المأساوي على وطننا واهله لأربعة عقود من الزمن، او من خلال تآمرهم الدنيئ بتحالفهم مع الإرهاب البشع، على جعل العراق ارضاً مفتوحة للتدخل الاجنبي من جميع الدول المجاورة للعراق العربية منها وغير العربية. وحينما يتحدثون عن هذا العمق العربي فإن الشارع العراقي يعلم تماماً مدى اسوداد هذا العمق وماهية المآسي التي تركها الأشقاء الأشقياء في قلوب العراقيين والتي تستمر آثارها حتى يومنا هذا.

العمق العربي هذا الذي يتمسك به البعثيون اليوم ويذرفون دموع التماسيح على ابتعاد العراق عنه لم يكن وليد الوضع المأساوي الجديد الذي يعيشه وطننا واهلنا تحت هذه الظروف التي يمارس فيها المجرمون جرائمهم على ارضه وبين اهله. ولم يكن العراقيون هم الذين إبتعدوا عن هذا العمق، بل ان العكس هو الصحيح حينما عاش العراقيون الذين عانوا من دكتاتورية البعث وتسلطه الجائر، كيف وقف الأشقاء الأشقياء تجاههم وكيف جرى التعامل معهم على ربوع هؤلاء العرب وبين ظهرانيهم. لقد برزت سخافات الوحدة العربية وعمقها الأسود بالنسبة للعراقيين في كل مرة يجد العراقي نفسه فيهاعلى حدود هذه الدولة العربية او تلك ليواجَه بتلك الوجوه البائسة المكفهرة التي تبدوا وكانها لم تر من قبل اي إنسان يحمل جواز سفر عراقي، او حتى احياناً مَن يحمل جواز سفر غير عراقي ولكنه من اصل عراقي. الأسئلة السخيفة المُكررة التي يواجهها العراقي على مطارات وموانئ ومداخل الحدود العربية تشير إلى مدى الحقد الذي يضمره هؤلاء لكل عراقي يشعرون بأنه من ضحايا نظام حبيبهم الدكتاتور البشع حينما كان على رأس السلطة، او من المؤيدين لسقوطه في جحور الفئران بعد هزيمته الجبانة. لقد اصبحت دول الجوار العربية وغير العربية محطات لتصدير الإرهابيين إلى وطننا وساهمت بقتل اهلنا ونهب مواردنا واستغلال ضعفنا لتحقيق مآربها الدنيئة السياسية والإقتصادية، لا يردها في ذلك إعتبار اخلاقي ولا إلتزام ديني وهي المدعية دوماً بانتماءها إلى خير امة اخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. فلم ير العراقيون من هذه الأمة العربية والإسلامية لا امراً بالمعروف يتجلى بمد يد العون حقاً وحقيقة لا كذباً وتزلفاً وتبجحاً في جميع المآسي التي مر بها العراق سواءً اثناء تسلط البعثفاشية على مقدراتهم او حتى بعد سقوطها باحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية التي اوقعت وطننا في محن ومآسي اخرى ظلت تنخر بهيكله وبناءه ومجتمعه واقتصاده وثقافته حتى يومنا هذا، ولا نهياً عن المنكر الذي لم يتبلور على شكل مرعب ومخيف كما تبلور في العراق وعلى مختلف الصعدة وذلك من خلال الإحتراب الطائفي واللصوصية التي يمارسها السياسيون المتسلطون على العملية السياسية.

هذا العمق العربي المظلم تاريخياً والذي تتباكى عليه شراذم البعث بعد ان واجهت موقف الشعب العراقي من الإرهاب الداعشي الذي كان يشكل حليف البعث فيما كان يدعيه من مقاومة، وازدياد الأمل بطرد فلول الجريمة والإرهاب من وطننا والمتمثل بمجرمي الدولة الإسلامية وفكرهم المتخلف، إن مثل هذا العمق الداكن الظلام الذي لم يترك في قلوب العراقيين اي موقف يستحق ذكره كموقف إنساني، بشكل عام وليس من اشقاء، لا يستحق اي ندم على فقدانه او الإبتعاد عنه، بل بالعكس من ذلك، فالمثل العراقي القائل " باب التجيك منه الريح سدَّه واستريح " ينطبق عليه تماماً.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 17-03-2015     عدد القراء :  2190       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced