دخلت المرأة العراقية في اغلب جوانب الحياة العامة وعملت في مختلف مجالات العمل وقطعت أشواطا فـي طريـق التحرر من قيود البيت والتقاليد والعادات البالية الموروثة، ولمقتـضيات التطـور والتحولات الجذرية في نواحي الحياة في بلدنا ولانجاز هذه المهمـة الكبيرة يتطلب تعبئة كل الجهود لدعم قدرات المرأة العاملة الى جانـب الرجـل وتهيئة العوامل لإظهار الابتكار والإبداع. لقد حظي عمل المرأة باهتمام منظمـة العمـل الدولية التي قامت باعتماد معايير دولية لحماية وتأمين شروط وظروف عمل لائقة وملائمة وكريمة لها .
وفي إطار هذا الاهتمام أخذت مسألة مساواة المرأة والرجل وعـدم التمييز بينهم في شروط وظروف العمل تنال تركيزاً واهتماما خاصاً على مختلف المستويات. باعتبار ان المساواة حق من حقوق الإنسان وأحد أهـم المبـادئ والحقوق الأساسية اللازمة لتوفير الحماية الملائمـة للمـرأة العاملـة والارتقـاء والنهوض بأوضاعها المهنية. وقد انعكس هذا الاهتمام في جهود وأنشطة منظمـة العمل الدولية والتي عملت على تعزيز تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين فـي مختلف مسائل العمل والتي عززتها الأمم المتحدة بإصدار مجموعة من المواثيـق والاعلانات التي تؤكد ذلك وصاغتها دساتير الـدول وتـشريعاتها الخاصـة بالعمل.
وللدور المهم الذي تضطلع به المرأة العاملة في ميـادين العمـل والانتـاج وتنمية الثروة الوطنية يجب التفكير الجاد في مـشاكل المـرأة العاملـة ومعالجـة قضاياها المادية والاجتماعية وخصوصاً عبر تشريع القوانين والأنظمة التي تـوفر ظروف عمل أفضل للمرأة العاملة وتحقق لها المزيد من الضمانات لتؤمن تكافؤ الفرص أمامها وإلغاء أي تمييز ضدها. باعتبارها كانت ومازالت عنصراً فعـالاً فـي غمـرة المعارك الطبقية و النضالات المطلبية وفي كثير من الحالات برزت في المقدمـة وتعرضت إلى كل ما تعرض إليه الرجل العامل حتى التحمت مطالبها بمطالب رفيقها العامل بحيث أصبحت وحدة لاتتجزأ من مطالب الطبقة العاملة بشكل عام .
وثمة إشكالية يثيرها العمل بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فـي مجال العمل، وهي إشكالية الفجوة بين القانون والواقع، ذلك أنه على الـرغم مـن ضمان المساواة في مبادئ الدستور ونصوص التشريع إلا أنها لـم تتحقـق بعـد بصورة ملائمة أو كافية على أرض الواقع.
أعطت الأمم المتحدة اهتماماً كبيراً لقضايا المرأة من خلال فعاليات وأنشطة متنوعة وصدرت في إطارها مجموعـة مـن الوثـائق والإعلانات واعتمدت عددا من الاتفاقيات التي تضمنت النص علـى مبـادئ أحكام المساواة بين الرجل والمرأة ومناهضة صور وأشكال التمييز التي تمـارس ضـد المرأة في مجال العمل. حيث صدر ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته ونصوصه التي تشير إلى عدم التمييز قانوناً ولأول مرة في التأريخ الحديث تلاه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 الذي أكد على مبدأ المـساواة فـي الحقوق بين الرجل والمرأة كحق أساسي للإنسان والذي يشكل الركيزة الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، حيث اسـتهل بـالنص (إن جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق والحريـات المقررة فيه دون أي تمييز بما في ذلك التمييز بسبب الجنس).
وفيما يتعلق بالعمل فقد نص على:(إن لجميـع الأفراد دون أي تمييز الحق في أجر متساوٍ على العمل المتساوي) إضافة إلى النص على الحق في الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية كما تناول أوجه وضع المرأة وذلك بحقها في تلقي التدريب المهني وفي العمل وفي حرية اختيار المهن والعمل والترقية في المهنة والعمل وحق تقاضي مكافأة مساوية لمكافأة الرجل والتمتع بمعاملة متكافئة عن العمل ذي القيمة المتكافئة وحق التمتع بالأجازات التي تمنح بأجر والاستحقاقات التقاعدية والضمانات الاجتماعيـة المؤمنة ضد البطالة أو المرض أو الشيخوخة أو غير ذلك من أسباب العجز عـن العمل وفي تطور مهم أضاف العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عـام ١٩٦٦ ،أحكاماً قانونيـة محددة تعزز مبدأ المساواة في مجال العمل وتقضي بأن : لكل شخص الحق فـي ان تتاح له أمكانية كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية وتوفير برامج التوجيه والتدريب المهني وتقنيات من شأنها تحقيق تنمية اقتـصادية واجتماعيـة وثقافيـة مضطردة وعمالة كاملة ومنتجة، وكذلك تقضي بأن ( لكل شخص حق التمتع بشروط عمل عادلة ومرضية تكفل على الخصوص أجرا منصفاً، وإمكانات متساوية لـدى تساوي قيمة العمل دون أي تمييز على ان يضمن للمرأة خصوصاً تمتعها بشروط عمل لا تكون أدنى من تلك التي يتمتع بها الرجل وتقاضيها اجر الرجـل، لـدى تساوي العمل وظروف عمل تكفل السلامة والصحة وتساوي الجميع فـي فـرص الترقية داخل عملهم والحق في الاستراحة وأوقات الفـراغ والتحديـد المعقـول لساعات العمل والأجازات الدورية المدفوعة الأجر وكذلك المكافآت وفي عام 1977 صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أول وثيقة تاريخية تتناول بشكل محدد موضوع المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة (إعلان القـضاء علـى التمييز ضد المرأة) ويطالب الاعلان بكفالة الاعتراف العالمي قانوناً وواقعاً بمبـدأ تساوي الرجل والمرأة ويؤكد من ناحية ثانية ان التمييز ضد المـرأة يتنـافى مـع كرامة الإنسان وخاصة فيما يتعلق بالعمل فأنه يهدر خير الأسرة والمجتمع ويحول دون مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في مجالات العمل ويشدد الإعلان على إسهام المرأة العاملة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وفي عام ١٩٧٩ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقيـة الأمم المتحـدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمعروفـة باتفاقيـة كوبنهـاجن أو سيداو (CEDAW) والتي وصفت بأنها بمثابة (اعلان حقوق المرأة) فهـي تحـدد الحقـوق المدنية للمرأة ومساواتها القانونية للتخلص من التمييز تجاهها وترسي ركـائز جديدة تؤدي الى مساواة حقيقية للحقوق بين الرجل والمرأة وتعزز هذه الاتفاقيـة ذات المعايير الدولية للعمل الصادر عن منظمة العمل الدولية فيمـا يتعلـق بعـدم التمييز في مسائل العمل وبموجب أحكام هذه الاتفاقية يتوجب على الدول الأطراف فيها اتخـاذ جميـع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل وفيما يتعلق بحق العمل وفي التمتع بنفس فرص العمل وحرية اختيار المهنة ونوع العمل والترقيـة وجميع مزايا وشروط العمل وتلقي التدريب وبما في ذلك التلمذة الحرفية والتدريب المتواصل والتدريب المهني المتقدم والحق في المساواة في الأجر والضمان الاجتماعي والصحي.
وفي الدستور العراقي الذي يعتبر الوثيقة الشرعية الأبرز في مجتمعنا، فهو أساس الحياة ويحمي حقوق المواطنين باعتباره الضمانة الأساسية لمجتمع ديمقراطي حـر ينعم به جميع العراقيين وقد جاء ببعض الضمانات الدسـتورية للمرأة العاملـة وتعزيز مكانتها في العراق ، ويكفل الدستور للعراقيين الحق في العمل باعتباره واجبا على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخيـر في العمل العام. ولكل عراقي الحق في العمل و في اختيار نوعه وفقا للنظام العام والآداب، و بهذا يكون قد ألقى على الدولة واجب توفير فرص العمـل وبـشكل متـساوٍ ومتكافئ بين الأفراد وترك تفاصيل تنظيم علاقة العامل بصاحب العمـل إلى قانون يصدر لاحقا، ولكن ألزم الدستور القانون اللاحـق بـان يراعـي الأسس الاقتصادية في تنظيم العلاقة ومن ضمنها الضمان الاجتماعي وتعويض العامل عن إصابات العمل وكذلك أعطى حقاً للعمال بإنشاء نقابات تراعي مصالحهم حيث يكفل لهم حق تكوين النقابات والاتحادات المهنية وتضمن الدولـة انتقـال العمال وضمانة العمل والاستثمار في العراق بأكمله وكفل عدم وجود حواجز تعيق انتقـال الأيدي العاملة والبضائع ورؤوس الأموال بحجة اختلاف الأقاليم والمحافظات.
وكفل الدستور المحافظة على الأسرة وحق الأمومة وواجب منح المرأة إجازات الأمومة والولادة وغيرها من الأمور التي تساعد المرأة على القيام بواجباتها الأسرية حيث ركز الدستور على مسالة التنظيم الاجتماعي . فقد قدم حماية اجتماعية واقتصادية وصحية للمرأة بما يضمن لها حياة كريمة وذلك باهتمام الدستور بالضمان الاجتماعي لشرائح معينة من العراقيين والذين يمرون بدور الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التـشرد أو اليـتم أو البطالة بما يفرض على الدولة زيادة دور كبار السن. إذن يضمن الدستور للمرأة العاملة العراقية الحـق فـي الاسـتحقاقات كالعلاوة والزيادة والمساواة في الأجر، وكذلك الحق في أجازة الأمومة مدفوعة الأجر لحماية الإنجاب والحق في اختيار العمل المناسب لها بمـا يـضمن سلامتها وشرفها .
أما بالنسبة لواقع المرأة العاملة في مسودة دستور إقليم كوردسـتان العـراق بصورة خاصة فقد وضع أيضا مبادئ ثابتة اسـتهلها علـى ان المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب الجـنس أو العرق أو اللون أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو الدين أو المذهب أو الوضـع وكذلك نص على تكافؤ الفرص الاقتصادية أو الاجتماعية وتناول الدستور مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بصورة عامة حيث نص على ( تتمتع المرأة بالمساواة مع الرجل ويمنع التمييز ضدها وتكفل حكومة الإقليم تمتعها بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا الدسـتور فـي العهود والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل دولة العراق وعليها إزالة كل ما يعتبر عقبة تحول دون المساواة في الحيـاة الاجتماعيـة والثقافيـة والاقتـصادية والسياسية).
ولتعزيز مكانة المرأة العاملة العراقية يجب تحديد حاجات النساء العراقيات إذ من المهم اعتبارهن جزءاً من المجتمـع، فعزلهن في مواقع العمل يضعف من فكرة المساواة بما لايثمر عن فوائد ايجابية بالنسبة للنساء والأطفال في العراق وحسب،بل يعود بالفائدة علـى تطـور الـبلاد، فإذا خلت شروط القانون العراقي وتطبيقه من الحماية ضد التمييز الجائر بناء علـى خـصائص كـالنوع (الجنس) مثلا فان شريحة كبيرة من المجتمع ستعاني الحرمان مما يضر بالتطور لذا يتطلب مراعاة مجموعة من المعايير لمعرفة مكانة المرأة العاملة في المجتمع العراقي ومنها:
1- حرية المرأة ومدى تمتعها بحقوقها الكاملة وبيان مكانتها الى جانب الرجل في المجتمع.
٢ - مدى سيادة الدستور ومستوى الحياة الديمقراطية لغرض بيان مـدى تمتع مواطنيها بصفة عامة والعاملين بصفة خاصة بحقـوقهم وفقـا لمبادئ حقوق الإنسان.
٣ - علاقات الإنتاج السائدة في البلد وطبيعتها بما في ذلك مستوى تطـور التـدريب المهني والمهارة الفنية في مواقع العمل والتعليم المتواصل.
٤ - دور الاعلام في إبراز مهارة المرأة العاملة وتشجيعه عن طريق برامج بنـاء القدرات وتفعيل دورها في المجتمع واحترام حقوق المرأة العراقية.
ولتمكين النساء من النهوض بدورهن وحقهن في البناء الاقتـصادي والاجتمـاعي وتعزيـز مكانتهن بما يتناسب وطاقتهن في العمل نحتاج الى آليات صحيحة منها:
١ - منع التمييز في العمل والتوظيف وتحقيق الأجر المتساوي للعمل المتساوي.
٢ - احتساب مخصصات أولاد الأم العاملة وتخصيص مخصصات للعاجزين مـن افـراد عائلتها إذا كانت هي المعيل الوحيد في الأسرة.
٣ - شمول المرأة العاملة وأفراد عائلتها بالضمان الصحي والوقاية الصحية وتوفير السكن الملائم.
٤ - منح المرأة العاملة أجازة الحمل والولادة مدفوعة الأجر بغض النظر عن مـدة التحاقها بالعمل.
٥ - منح المرأة العاملة إجازة مدفوعة الأجر في حالة دخول طفلها المستشفى.
6- توفير دور حضانة ورياض أطفال قرب محلات العمل.
7- تيسير حصول المرأة على عمل لحسابها الخاص، وتحسين إنتاجية الأنشطة التقليدية للمرأة وتحسين نوعية عمل المرأة ومعيشتها.
8 - فتح معاهد للتدريب والتطوير المهني للنساء لأصناف العمـل كافة لرفـع مـستوى المهارة المهنية لديها أسوة بالرجل.
9- إعادة فتح مراكز محو الأمية الوظيفية في مناطق العمل وأحياء السكن وتقـديم المساعدات المادية والمعنوية عبر منظمات المجتمع المدني.
10- ضمان العمل لكل امرأة قادرة ومستعدة له ومنع الفصل من العمل منعا باتا إذا لم تسبقه إجراءات لإعادة التشغيل الفوري.
11- ضمان مشاركة المرأة العاملة في عضوية وانتخاب وقيادة اللجان والهيئـات النقابيـة ذات النشاط الفني والاجتماعي والاختصاصي.
12- تعديل التشريعات والأنظمة لغرض توسيع حقوق المرأة العاملة وإلغاء النـصوص التي تسمح بالتجاوز على هذه الحقوق من قبل الإدارات وأرباب العمـل.
13- شمول قانون العمل والضمان الاجتماعي عمـال الخدمـة المنزليـة باعتبار إن هذا القطاع يحتاج الى حماية لعمالـة لاتتـوفر حالياً في القوانين النافذة.
إذن فدرجة تحرير المرأة العاملة واحترام حقها في مشاركة الرجل في بناء الغد الأفضل وبناء علاقات إنسانية خالية من استغلال الجـنس والاضـطهاد الطبقـي وتعزيز مكانتها كعاملة في بناء العراق يكون في محصلته مقياساً لتطور المجتمع ومعالجة الانعكاسات السلبية المؤثرة على عمل النساء مثل:
١ - ضعف إمكانات النساء الأقل تعليما ومهارة علـى التكيـف مـع التحـولات الاقتصادية التي تحد من فرص العمل في قطاعات الأعمال اليدوية أو تلك التي لا تتطلب سوى تعليم مهني محدود وتتركز فيها العمالة النسائية.
٢ - محدودية قدرة النساء بصفة عامة على الانتقال من عمل الى آخر والحـصول على فرص عمل أخرى.
والمسؤولية تحتم علينا كمدافعين عن حقوق المرأة مهمة تسهيل حصول العاملات على المعرفة وتمكينهن من الوصول إلى مراكز الخدمات والمصادر التي تساهم في دعم حقوق المرأة العاملة، كذلك توعية العاملين من الجنسين بحقوقهم ورصد ومراقبة مدى الالتزام بتنفيذ أحكام قانون العمل، وتحويل المخالفين من أرباب العمل إلى القضاء للحد من الاستغلال.