لاتوجد معادلة صفرية في عالم مابعد كورونا
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

أكثر من 185 إلى مايقارب 200 دولة يعيش سكانها في القرية العالمية استوعبوا دروساً مهمة بل وجارحة أحياناً لن تنسى من استمرار جائحة كورونا منها ما هو إيجابي وآخر سلبي يفترض أن يتم استبعاده كلياً من قائمة الدروس المستفادة من الجائحة.

قول الرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون Macron يلخص لنا الفكرة التي أود طرحها ومناقشتها ليس من المطلق الفرنسي بل من محور الاهتمام العالمي الإنساني لتداعيات الجائحة . أشار مكرون إلى ما يلي : " هذه الفترة الزمنية ستعلمنا الكثير. ثوابت وقناعات عدة ستزول كلياً. وعديد أخر منها كنا نفكر أنه من الاستحالة وقوعه أضحى حقيقة أو واقعا، إن اليوم التالي للانتصار (هذا إذا صحت في عرفنا مثل هذه الكلمة) لن تكن عودة لليوم السابق لاندلاع الجائحة ، سنكون أقوى معنوياً، سنستلهم الاستنتاجات كلها". صيحة قوية تحمل مقداراً عالياً من الثقة بالنفس .

ذاتها حملتها رياح هبت على دول أخرى بدءاً من الولايات المتحدة الاميركية إلى الصين مروراً بدول مختلفة ومنها في منطقتنا الشرق أوسطية شمالي أفريقيا معروفة ب"مينا “MENAفي جذورها وتقاليدها وأفكار حكمائها وفلاسفتها وساستها وما انتجوه من فكر إنساني أسفر عن تصورات ورؤى , وإنجازات حضارية نابعة من حقب تأريخية مرت بها هذه القوى العالمية تحتاج منا لسنوات وسنوات لدراستها مليا كي نتعرف كيفية بلورة وصياغة أنظمتها السياسية – الثقافية – الاجتماعية -الاقتصادية والعلمية –التقنية. ما هو جلي أمامنا أننا مرنا بكورونات عدة كشفت مدى ضعف البشر تجاه جوائح خطيرة مناخية ومرضية وغيرها لا حاجة للخوض في تفاصيلها معطيات ونتائج ولكن علينا أن نستل منها دروساً وعضات مهمة هذا إذا أردنا تجنب الوقوع في جوائح مماثلة لكورونا كما يردنا من منظمة الصحة العالمية World Health Organization حيث يتوقع ظهور موجات ثانية وثالثة للجائحة التي لم تنتهِ حتى الآن موجتها الاولى من دول عدة منها الصين التي وفي الأيام القليلة الماضية بدأت تعاني عاصمتها بكين من ظهور بؤر مستحدثة للكورونا فيها.

إن إعلان انتصار نيوزلندة على الجائحة يعد علامة فارقة في العالم برغم الاصابتين الاخيرتين اللتين حدثتا مؤخراً عقب مايقارب من شهر على عدم حدوث أية أصابة من كورونا. دول أخرى من حقها أيضاً أن تحفل عقب بعض النتائج الايجابية (اليونان ، البرتغال ، تونس وغيرها). في المانيا صرح وزير خارجيتها السابق من الحزب الديمقراطي الاشتراكي Sigmar Gabriel " أننا أرجعنا دولتنا 30 عاما للوراء ، لكننا نتنبأ من أن الجيل الجديد young generation سيكون أقل سذاجة عند تعامله مع العولمة". أما هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي الاسبق (في عهدي نيكسون وفورد) ومستشار أمنها الوطني العتيد فقد أشار من أن قادة العالم عليهم أن يستعدوا للانتقال ل"عالم مابعد كورونا". أما رئيس وزراء إيطاليا Matteo Renzi التي عانت بلاده الكثير "إنسانياً " كنتيجة لوفاة الآلاف بسبب الجائحة التي وبالتبعية أرجعت الاقتصاد الايطالي سنوات للوراء (تماما كدول أخرى ماثلتها في المعاناة) ، فقد دعى لتشكيل لجنة متخصصة بدراسة المستقبل نظراً لأهمية معرفة كيفية تعامل الدول مع تحديات خطيرة تهدد بقاء الدول وإستدامة تنميتها الاقتصادية - المجتمعية. وفي هونك كونك فقد أشارت إحدى كتابات الحائط من أنه "لاعودة للوضع الاعتيادي" لإن الأخير هو المشكل الأساسي لما عانته هونك كونك من إضطرابات جرت حالة من العنف السياسي في البلاد منذ ما يقارب عاماً كاملاً كنتيجة لشعور الكثير من سكان الإقليم الذي أضحى مذ 1997 جزءاً من الصين سيادياً ولكنه ذا استقالية كاملة "اقتصادياً –سياسياً" .

الصين من منظورها لم تعد تتقبل بقاء الاقليم منفصلاً عنها ولا بأية صورة كانت. علماً بإن الصين حاولت إغراء الاقليم البقاء تحت السيادة الصينية نظراً لأنها إنتهجت "ستراتيجية الطريق والطوق الواحد" التي تواجه حالياً تحديات جمة أقلها مدى توفر الثقة العالمية بالصين. من منظور أميركي – صيني فإن تداعيات الجائحة يمكن أن تغير في موازين القوى العالمية تبعاً لنتائج والآثار المترتبة على تعاملها الناجح أو الفاشل مع الجائحة. مسألة تحتاج للمزيد من المراجعة والتقييم في ظل تطورات أخرى جيوسياسية وجيو اقتصادية في أقاليم تتنازع القوتين فيهما مع حلفائهما على مصالح حيوية .

سيناريوهات حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين مازالت قائمة بل وقد تتصاعد خاصة مع استمرار حالة الشك والريبة حول مسببات ، منابع ونتائج الجائحة التي فتحت جرحاً إنسانياً لن يتدمل بيسر ليس فقط من منظور الدولتين الولايات المتحدة الاميركية والصين ولكن بالنسبة للقوى العالمية الأخرى كبيرها وصغيرها بل وللبشرية عموماً التي لابد أن تراجع خياراتها وتحالفاتها الجديدة .

بريطانيا التي خرجت للتو من الاتحاد الاوروبي وفقا لإتفاق بريكستBrexit مازالت تنتظر نتائج مستقبلية لكيفية تعامل القوى الاوروبية والولايات المتحدة والصين معها. هي الأخرى تقع خياراتها وسياساتها مابين قيادة محافظة لبوريس جونستون ومعارضة عمالية جديدة عقب إنتهاء حقبة جيرمي كوربن الأقرب لتيار اليسار التي مازالت تتلمس طريقاً خاصاً نسبياً قد يحمل بعداً إنعزالياً غير متيقن نتائجه رغم كون الجائحة عالمية الأبعاد والتأثيرات وستخلق نظاماً عالمياً جديداً نسبياً أو على الأقل فيه من المتغيرات ما ليس في غيره أولها تنمية النظامين الصحي – البيئي والاجتماعي – الاقتصادي وإقامته على أسس أكثر رصانة ونجاعة. الشيء الملاحظ برغم ذلك ، أن قوى اليسار البريطاني الجديدة ترغب بإحداث تغييرات جوهرية في النظام الاقتصادي – السياسي قد ينعكس إيجاباً على حالة التضامن المجتمعي بصورة يتم معها التوصل لإحداث عدالة إجتماعية – إقتصادية للقوى العاملة دون تحديد لأنواعها أو لمستوياتها المعيشية بدقة إذ أن الجميع ب"استثتناء قلة محدودة العدد" يعد حالياً متضرراً بنسب متفاوتة وإن تكن أقل من الفئات المحرومة التي لاتجد قوت يومها. من هنا أهمية الركون لتأهيل مستجد للدولة ولنظامها الاقتصادي – الاجتماعي – السياسي والثقافي – العلمي والتربوي حيث لابد من إعادة إعتبار فئات صغيرة من رجال الأعمال ومن أصحاب المصالح الاقتصادية المحدودة التي ولجت اقتصاديات السوق الحرة من خلال نوافذ ودكاكين للبيع صغيرة في الشكل والمضمون.

السؤال الحيوي المطروح كيف يمكن للدول أن تعالج الجائحة وتتجاوزها ؟ الإجابة يمتلكها طرفان في المعادلة السياسية – يفترض أن لاتكون صفرية تجلب الويلات ومزيداً من عواقب إنسانية - أولهما الأقل تسيّداً في الساحة السياسية للقوى المتحكمة بالنظام الدولي يركز على عقول وأذهان بل وقلوب الملايين قائلاً بضرورة تفعيل مسار التضام العالمي الحقيقي ليس فقط خلال مرحلة التوصل لمصل أو علاج شاف يقضي على كورونا بدرجة تجعل الجنس البشري مطمئناً للقادم من الزمن ولكن لحيوية وضرورة تنمية التضامن على المستوى "الكوني" لهدف حماية بقائنا وتنميتنا المستدامة إنسانياً في كوكب أزرق وأخضر واحد علينا الحفاظ على نقاوته من التلوث وهو أمر ليس من السهل تبين خريطته الذهنية على أرض الواقع طالما مرحلتنا الانتقالية ستطول ربما 3 إلى 5 أو أكثر من السنوات حيث قد يعيش العالم مايعرف بالانفصال المجتمعي Social Distancing والهيمنة المركزية لأنظمة الحكم مهما كان شكلها السياسي . إن إجراءات الحماية الصحية والعزل المجتمعي المستمرة رغم الانفتاح المحدود حالياً في العالم قد تدفع الطرف الثاني في المعادلة للمضي قدما للدفع بحضور مستقل نسبياً عن أوضاع العالم نظراً لإن هذه القوى تعتقد أن حماية ذواتها ومصالحها الخاصة أفضل من أية مسارات تضامنية قد تكلفها الكثير مادياً وبشرياً.

قوى كهذه لها مبرراتها الجيوسياسية ، النفسية – الاجتماعية بل والاقتصادية في المقام الأول كونها لاتود أن تقدم اية مبالغ إضافية لتعزيز الحماية الصحية عالمياً بينما هي ذاتها تعاني من فقدان جزءٍ جوهري من الأمن الصحي – البيئي والغذائي – المائي ما يجعلها تفضل إنتهاج سلوك يعطي الأولوية لمصالح بلدها. أما منظورنا كبشر فإننا جميعاً في مركب واحد إن بقي فهو نتيجة لجهود الجميع بالحفاظ عليه ومنعه من الغرق أو من الوصول لحافة الانهيار.

من هنا أولوية إعلاء شعار "الصحة – االعافية– الصحة". إذ من المنظور الانساني البحت لامجال لتأثيرات قوى لبرالية جديدة أو محافظة أو مابينها تسعى للحفاظ على حصتها الاقتصادية المهينة في السوق الاقتصادية فقط وإنما لابد من تكافل الجميع إنسانياً كل وفقاً لظروفه وإحتياجاته المادية والبشرية لإنقاذ ملايين البشر من مخاطر المرض ، الجوع ، البطالة والجهل .. شيء آخر على القوى العالمية إدراكه هو كيفية تعامل حكوماتها مع مواطنيها ، بدءاً من الولايات المتحدة الاميركية إلتي تشتعل حالياً شوارعها ومدنها غضباً شديداً كنتيجة لكيفية تعامل إدارة ترامب أو من يدور في فلكها من قوى يمينية "عنصرية" متطرّفة مع مواطنيها من غير اللون الابيض (أي من السنحة الداكنة السوداء أو السمراء). أما دولنا فقد أخذت هي الأخرى دروساً في ضرورة التواضع في تقدير الحالات والحكم على الأمور الاقتصادية - السياسية والمجتمعية والأخلاقية بصورة تؤكد مجدداً ضرورة تطبيبق منهج العدل الاجتماعي – الاقتصادي الذي يعد منهجاً أساسياً تطالب به الكثير من قوى العالم إنقاذاً للقوى الأضعف والأكثر تعرضا للأزمات الاقتصادية .

  كتب بتأريخ :  الخميس 25-06-2020     عدد القراء :  1272       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced