العقل النقدي
بقلم : فهد المضحكي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لعل أفضل ما قيل عن العقل النقدي هو عقل استكشافي مندفع تمامًا نحو الخلق والإبداع وإنتاج معرفة تمكننا من تحسين أوضاعنا في هذا الكون، ورفض كل ما هو متصادم مع مبادئ العقل والتشكيك فيه حتى تثبت صحته، على عكس العقل الاتباعي الذي يتسبب في الركود والجمود.

للمفكر السيد ياسين رأي عن تكوين العقل النقدي العربي خلاصته ان اهتمامنا منذ سنوات بمشكلة تكوين هذا العقل لأنه يعد إحدى المهام الرئيسة لأي ثقافة معاصرة، وقد سبقتنا الثقافة الأوروبية في تشكيل هذا العقل منذ رفعت شعار الحداثة (المصدر صحيفة الاتحاد الإماراتية) وجوهر رأيه في هذه المسألة الحيوية، أن العقل هو محك الحكم على الأشياء وليس النص الديني، كما كان شائعًا في العصور الوسطى بتأثير الجمود العقائدي الذي مارسته الكنيسة والذي أدى إلى تعطيل العقل الأوروبي ردحًا من الزمن، ومنذ أن أعلنت الثقافة الأوروبية ثورتها المعرفية ضد قيود التفكير وأرست مبادئ الشك الفلسفي الذي من تقاليده مساءلة كل الأفكار المسبقة وحتى المعتقدات الميتافيزيقية، إذ تم إرساء قواعد التفكير النقدي ويمكن القول بدون مبالغة إن ممارسة التفكير النقدي الأوروبي في مسائل السياسة وموضوعات الاقتصاد ومشكلات المجتمع والثقافة بواسطة الفلاسفة والمفكرين والسياسيين هو الذي دفع بالمجتمعات الأوروبية إلى آفاق التقدم.

ولا يعني ذلك أن التفكير النقدي بمفرده قادر على تطوير المجتمعات، فلابد أن تصاحبه – كما حدث فعلاً – نهضة صناعية وتكنولوجية وعلمية.

وهكذا حتى انتقلت أوروبا من نمط الإنتاج الزراعي إلى نموذج المجتمع الصناعي بكل ما يتضمنه ذلك من تطور تكنولوجي ونهضة علمية، انفتحت أمامها أبواب التقدم المجتمعي، وأصبح المجتمع الأوروبي ينضج بالحيوية بعد أن كان مجتمعًا سكونيًا جامدًا.

وفي سياق ثورة المعلومات يستدعي في المقام الأول عقلاً نقديًا يستطيع تصنيف هذا الفيض من المعلومات والتفرقة بين المعلومات الصحيحة والمعلومات الخاطئة، والمعلومات المتميزة والمعلومات الموضوعية، ولكن أهم من ذلك كله إن العقل النقدي هو الوسيلة الوحيدة لتحويل المعلومات إلى معرفة لأن المعلومات بذاتها لا تشكل معرفة، ومن هنا كما يوضح أصبحت تقع على عاتق المجتمعات العربية المعاصرة مسؤولية تشكيل العقل النقدي، وهذا التوجه ينبغي أن ينعكس على السياسة الثقافية بشكل عام، مع تركيز على التغيير الجوهري لنظام التعليم الذي يقوم على التلقين وليس على التحليل، وترشيد النظام الإعلامي ليصبح أداة للتفكير الخلاق، ويستدعي ذلك في المقام الأول تغيير نمط التنشئة الاجتماعية لكي يوم على أساس تنمية الإبداع وتشجيع الحوار الخلّاق، ولو تأملنا المشهد المعرفي العربي الراهن لاكتشفنا أننا لم نستطع كعربٍ أن نجتاز عتبات الحداثة الفكرية كما فعلت أوروبا وأعلنت أن العقل هو معيار الحكم على الأشياء وأخفقنا في تحقيق الحداثة على النمط الأوروبي وتركيزنا على تجارب التحديث العشوائية التي نجحت أحيانًا وفشلت أحيانًا أخرى هو الذي أدى إلى هيمنة النص الديني على جنبات المجتمع، وشيوع التأويلات الجامدة له والتي وصلت إلى درجة الانحراف في بعض الأحيان، مما أدى إلى تكوين الفكر الديني المتزمت، الذي عوق الحركة السياسية والاجتماعية بشيوع الفكر المتطرف الذي أدى في نهاية المطاف إلى الإرهاب.

والواقع أننا لو ألقينا نظرة شاملة على مسيرة التنمية العربية منذ الخمسينيات حتى اليوم، لاكتشفنا أنه تم التركيز على الأبعاد الاقتصادية والتي عنيت بالنهوض بالمجتمعات العربية، على حساب التطور السياسي والتقدم المعرفي.

وصف المفكر ياسين الثقافة العربية بأنها ثقافة تحت الحصار؛ وذلك لأنه لا يمكن لمجتمع ما مهما بلغت إنجازاته الاقتصادية أن يتقدم في ظل سيادة الوصاية الدينية الشمولية والسلطوية، التي من شأنها أن تمنع إطلاق المبادرات الخلاقة للأفراد والجماعات والتنظيمات السياسية والمؤسسات الاجتماعية والمشكلة تبدو خطورتها في السياق التاريخي الذي نعيش في ظله، حيث تنتقل البلاد المتقدمة من نموذج مجتمع المعلومات إلى نموذج مجتمع المعرفة، مما يستدعي فتح باب الإبداع واسعًا وعريضًا، ورفع القيود أمام حرية التفكير وحرية التعبير، وإذا كانت المجتمعات العربية المعاصرة قد نجحت في أن تلحق بالتطور العالمي في مجال إرساء قواعد مجتمع المعلومات العالمي وفي قلبه شبكة الإنترنت، إلا أنه تم تجاهل أن مجتمع المعلومات ليس مرادفًا لتكنولوجيا المعلومات!.

بعبارة أخرى لا تتعلق المسألة بعدد أجهزة الكمبيوتر في بلد معين ولا بالزيادة المطردة في عدد مستخدمي الانترنت وهي حقًا ظاهرة إيجابية، ولكن أخطر من ذلك تجاهل أن مجتمع المعلومات العالمي هو نموذج حضاري متكامل يتجاوز بقيمة تكنولوجيا المعلومات فهو يقوم أولاً على الديمقراطية، وثانيًا على الشفافية، وثالثًا على حرية تداول المعلومات.

ومعنى ذلك أنه لا يمكن الحديث عن تواجد مجتمع معلومات حقيقي في العالم العربي إذا لم تتحقق الديمقراطية، ولم تتوافر الشفافية، ولم تقنن حرية تداول المعلومات، بحيث يصبح حق كل مواطن الحصول على المعلومة مجانًا وفي أي وقت.

ولا يمكن للمجتمع العربي المعاصر الانتقال من مرحلة مجتمع المعلومات العالمي إلى مرحلة أرقى هي مجتمع المعرفة من دون القضاء على الأمية التي وحسب التقديرات لا تقل عن 40%، فمعنى ذلك أننا أمام كارثة ثقافية قبل أن تكون عقبة معرفية؛ وذلك لأن الأمية تعني أساسًا الانخفاض الشديد في الوعي الاجتماعي العام، ولذلك ليس غريبًا في الواقع أن تسود اتجاهات الفكر الخرافي وأن يصبح الفكر الديني المتزمت هو المسيطر على عقول الناس! وإذا كانت الثقافة العربية واقعة تحت الحصار، فإن من بين مشكلاتها المزمنة شيوع عقلية التحريم فيها؛ وذلك لأن الثقافة العربية المحاصرة بالنظم السياسية الشمولية الدينية والسلطوية تضع قيودًا على حرية التفكير.

ولو تأملنا تاريخ التقدم في مختلف الحضارات لأدركنا أنه كان محصلة لممارسة حرية التفكير بغير قيود ولا حدود، ولو ننظر لتاريخ التقدم الغربي، سنجد أن أوروبا لم تستطع الخروج من عباءة القرون الوسطى بكل تخلفها إلا بعد أن حطمت المؤسسات التي كانت تحجر على الفكر وتضع قيودًا لا حدود لها على العقل الإنساني، بل وتمارس البطش الشديد والقمع بمختلف صوره على كل مفكر أو مثقف أو باحث، تجرأ على تحدي المسلمات العلمية أو الفكرية أو السياسية أو الدينية السائدة، وبعبارة موجزة بغير عقل نقدي لا يمكن تحقيق النهضة والتقدم في البلدان العربية.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 23-11-2020     عدد القراء :  1050       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced