التداعيات والبدائل الجيوسياسية لإنسحاب أميركي محدود من العراق
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يبدو أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب في مرحلة ما يعرف ب"البطة العرجاء – Lame Duck عازم أن لايترك الإدارة الديمقراطية الأميركية لجو بايدن إلا وهي محملة بالضغوط الصحية - السياسية - الأمنية والاقتصادية مثقلة بإعباء داخلية وخارجية

وبقرارات جيوسياسية ستترك تأثيراتها و تداعياتها الخطيرة على طبيعة و مسار علاقة الولايات المتحدة مع العراق في ظل إطار حراك ستراتيجي دائم للشرق الاوسط وللعراق بخاصة يحمل تغييرات جديدة أو قديمة – جديدة لامناص من التعامل معها كأمر واقع (إن سلباً أم إيجاباً) أوتعديلها تبعاً للمتغيرات السياسية ونظراً أيضاً لصعوبة تغييرها جذرياً .

مسار جيوسياسي مهم سيضع الأولوية كالمعتاد على متابعة تنمية الاهتمام بالمصالح الاميركية – الشرق أوسطية – الخليجية والعراقية تحديدا التي تعد في مقدمة الاهتمامات ضمن إطار إستئناف متجدد لجولات الحوار الستراتيجي مع الطرف الاميركي بدأت في عهد دونالد ترامب وستستمر في عهد الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن (نائب الرئيس الاميركي الأسبق باراك أوباما).

الانسحاب المحدود للقوات الاميركية من أفغانستان والعراق جعلت كبار القادة العسكريون الاميركان في حالة ترقب لما سيصدر من قرارات رسمية نهائية قبل الـ 20 من كانون الثاني 2021 . قرارات إن تمت الموافقة عليها ستقلص من عديد هذه القوات إلى حدود الـ 2500 شخص فقط لكلا البلدين . ضمن هذا السياق اصدر البنتاغون أمرا تحذيراWarning Order لكافة القيادات التي تعمل تحت مظلته بوجوب البدء الفوري بسحب هذه القوات بحلول ال15 من كانون الثاني 2021. حالياً لدى الولايات المتحدة 4500 عنصراً عسكرياً في افغانستان و3000 عنصر في العراق. صحيح أن سحب ال500 عنصر عسكري أميركي من العراق قد لايغير من المعادلة الجيوسياسية الإقليمية والدولية شيئاً كبيراً ولن يؤثر على الوضع الداخلي العراقي كثيراً ، ولكنه قد يمثل بداية النهاية للوجود العسكري الاميركي في العراق كلما تمكن العراق من تأمين وتنمية قوات عسكرية مهنية قادرة على ضبط الايقاع الأمني – العسكري على كامل تراب البلاد. علماً بإن القرار الرئاسي الاميركي لإدارة ترامب يأتي مخالفاً نسبياً للرأي السائد بين كبار القيادات العسكرية العليا وعلى رأسها وزير الدفاع (المقال من قبل ترامب) مارك أسبر وللقائد العام للقوات المركزية في منطقة الشرق الاوسط الجنرال البحري كنيث مكنزي وأخرين يرون أن مهمة مكافحة الارهاب الداعشي من جهة وضرورة الاستعداد الكاف لمواجهة مخاطر التهديد المحتمل المباشرأو غير المباشر لإيران ممثلاً بميليشيات تدين بولائها للقيادة الدينية – السياسية الإيرانية مسألة لابد أن يتم أخذها بالاعتبار. جهود إذن يفترض أن تتم من خلال تكثيف التعاون والتنسيق عال المستوى سياسياً- وأمنيا بين الادارة الاميركية من جهة مع القيادات العليا (السياسية – العسكرية) للعراق من جهة أخرى . علما أن موقف الرئيس الاميركي المنتهية ولايته ترامب جوبه أيضاً بمعارضة واضحة من قبل رئيس الأغلبية الجمهوري في مجلس الشيوخ الامريكي ميج ماكونال Mitch MacConnel . إذ أعرب الأخير عن قلقله من سرعة صدور قرار الانسحاب الاميركي من العراق وافغانستان كونه يعد ضربة موجعة للأمن القومي وللمصالح الوطنية الامريكية أي هدية مجانية ل"قوى الإرهاب" التي (ووفقاً لماكونال) "ستسعد كثيراً بإنسحاب أميركي مهم من الساحة الجيوسياسية، قرار في جوهره أيضاً ضاراً بحلفائنا". المقصود ب"حلفائنا" من يمسك رسميا بزمام الامور في العراق وعلى رأسهم السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء – القائد العام للقوات المسلحة الذي لاينتمي لقوى الإسلام السياسي وإن يكن إختياره ليس بعيداً عنها . أحد تفسيرات إصدار ترامب لقرارات متعجلة وغير مدروسة جيدا اشارت اليه وكالة أنباء الCNN الاميركية حين وصفت مثل هذه القرارات بأنها جاءت بصورة "أنتقام" من دور للديمقراطيين في إنتخابات الرئاسية الاخيرة التي أطاحت بحكمه واعتبرها من منظوره الخاص "غير ديمقراطية". سياق لم تتبين حقيقته بالادلة القانونية القاطعة في المحاكم الاميركية الفدرالية والمحلية بصورة تتماشى مع مواقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب في عدم شرعنة نتائج الانتخابات . ضمن هذا المضمار يمكن التعليق على بعض النقاط في دراسة نشرتها مؤسسة راند Rand في أيار 2020 عنوانها : تقييم الانسحاب الاميركي من العراق - المخاطر الستراتيجية والتوصيات : Weighing US Troop Withdrawal from Iraq: Strategic Risks and Recommendations ضمن هذا السياق نرى أن لموضوع الانسحاب العسكري المحدود من العراق أو مايعرف في الأوساط العسكرية تقليص أعداد العاملين في القوات العسكرية الاميركية أو إعادة الانتشار Redeployment صدى مهم ليس فقط في الأوساط الاميركية والغربية التي تشكل جزءاً لايتجزأ من قوات التحالف ، بل وصدى أكبر في العراق ضمن إطار منطقة الشرق الأوسط وما ورائها .

صدر قرار من مجلس النواب العراقي فحواه وجوب إخراج جميع قوات التحالف من العراق . قرار تمت الاتفاق عليه من 170 عضواً برلمانياً دون مشاركة ابناء (الانبار وصلاح الدين) في المناطق الغربية وكذا الشمالية أيضاً في أقليم كردستان العراق (أربيل والسليمانية ودهوك). القرارعد بمثابة توصية (غير ملزمة) للحكومة العراقية كي تعمل بموجبها لإنجاز مهمة إنسحاب كامل القوات الاميركية وغيرها من قوات التحالف بإسرع وقت ممكن . علما بإن الولايات المتحدة ووفقا لشروط الاتفاق الستراتيجي العراقي – الاميركي في عام 2008 تم سحبها في عام 2011 ولكنها عادت مرة أخرى في عام 2014 وفقا لإحكام الضرورة التي اقتضت حصول العراق على مساعدة اميركية إستثنائية لمواجهة الارهاب بهدف إنهاء الاحتلال الداعشي لما يتجاوز الثلث من اراضي العراق. تمحورت مهام هذه القوات حول مايلي : إزداء النصح ، الخبرة - الاستخبارات المعلوماتية ، تدريب وتجهيز القوات العراقية بالامكانات الملائمة المواكبة لدحر داعش أمنياً – عسكرياً وهذا ما تم بالفعل في عام 2018 برغم بقاء بعض الخلايا النائمة التي يجري تفعيلها . من منظورها في المقابل وجدت ايران أن إستمرار التحالف العراقي – الاميركي عسكرياً – سياسياً- ودبلوماسياً واقتصادياً يمثل إضافة نوعية تقنية- عسكرية تحمل تداعيات سلبية على المصالح الأيرانية في العراق و تنذر بالتالي بمزيد من التوتر والعنف على الساحة الخليجية - العراقية بين طهران وواشنطن . أما الإدارة الاميركية فستستمر سياستها ذات الطابع المتشدد جداً في مواجهة ايران طالما بقي ترامب في الاسابيع الاخيرة من حكمه .لماذا؟ جزء من الإجابة يتعلق برغبة منه لتعزيز موقف إسرائيل المهيمن ستراتيجياً وتعضيد قوة الدول الخليجية التي دخل بعضها في علاقة تطبيع مع الجانب الاسرائيلي بهدف احتواء إيران وإقصائها كلياً أوجزئياً عن التأثير في الساحة الشرق أوسطية – الخليجية وبضمنها بخاصة الساحة العراقية.

أما توضيح ماذا يعني تقليص او تحديد المهام العسكرية الاميركية في العراق ؟ للإجابة نشير إلى عدد من التأثيرات السلبية المتوقعة على :

أولاً : مهمة نقل الولايات المتحدة لإسهامات إستخبارية مهمة للمعلومات الخاصة بالشأن القتالي للقوات العراقية ضد داعش.

ثانياً: النصح والدعم القتالي للقوات البرية العراقية لبعض عمليات عسكرية تعرف ب " ضربات أرض – أرض" ضد داعش.

ثالثاً: توفير الدعم الدوائي للمواطنين العراقيين.

رابعاً: تعزيز المساعدة اللوجستية للقوات العراقية المسلحة.

خامساً: تخصيص جزءٍ حيوي من الدعم الجوي للقطعات العراقية المقاتلة ضد داعش.

من المنظور الاميركي و بغض النظر عن طبيعة المعارضة العراقية وإمكانية تصاعد حدتها ضد الوجود الامريكي ستتركز الجهود الاميركية على استمرار توفير التدريب والاستعداد المهني المناسب لمواجهة تهديدات ومخاطر المرحلة المقبلة من خلال وجودها في قواعد محدودة في العراق والمنطقة ، مع بدائل تشكل "إمكانات تقنية رادعة عسكرياً " Military Deterrent Technological capabilities لاتستوجب قواعد عسكرية ثابتة. ولعل ما تشير إليه الانباء مؤخراً خير دليل حيث قررت الولايات المتحدة وفي إطار "ردع أي عدوان ضدها ولطمأنة حلفائها" أن تستخدم طائرة B-52H . من مزاياها أنها تستخدم عبر مسافات بحرية بعيدة تصل إلى 8800 ميل (دون الحاجة للتزود بالوقود جوا) وتعمل دون سرعة الصوت بطاقة نفاثة تستطيع نقل مايصل إلى 70 الف رطل من الاسلحة القاذفة . هذا ما اوضحته القيادة المركزية في بيانها : "إن الولايات المتحدة لاتسعى لإحداث أي صراع، لكنها لاتزال ملتزمة بالاستجابة لإي طارئ حول العالم " . ضمن هذا التصور اضاف البيان الاميركي التزام واشنطن "بالحفاظ على حرية الملاحة والتبادل التجاري في جميع أنحاء المنطقة وحمايتها". هذا التطور يأتي في أعقاب أنباء ليست مؤكدة "عن هجوم أميركي محتمل على إيران، قبيل انتهاء فترة الرئيس دونالد ترامب". خيار آخر مكملاً للعلاقات الاميركية – العراقية سيتم تدعيم مساره مستقبلاً يختص بتنمية علاقة تعاون العراق مع دول تحالف الناتو تطور مهم ولاشك تضمن موافقة حلف الناتو في ال28 من تشرين الأول 2018 على طلب الحكومة العراقية على تأسيس بعثة له في العراق NATO Mission Iraq- NMI(من مئات الخبراء العسكريين مايقارب ال500 عنصر عسكري من دول الحلف تحت رئاسة كندا ومشاركة استراليا ، فنلندة ، الدانمارك والسويد) هدفها أزداء النصح والقيام بمهام التدريب وتمكين القدرات العسكرية العراقية. علما بأنه ومنذ تشكل البعثة حتى تشرين الأول 2020 تستمر البعثة بأتجاه توسيع قدرات العراق الأمنية – العسكرية دون المضي قدماً بالقيام بعمليات عسكرية على الأرض العراقية إحتراما ل"سيادة العراق"؟. هذا ومن التقنيات العسكرية - الرادعة المستقبلية التي قد تجد طريقها لمناطق النزاع العالمي ومنها في منطقتنا ما تعمل عليه عدد من دول الناتو (فرنسا ، المانيا ، بريطانيا ، ايطاليا واليونان) لتطوير جيل جديد من الطائرات السمتية التي لديها إمكانات تعرف ب"روتوركرافت" - Rotorcraftتقنية إن توفرت للعراق ستتيح فرصة مهمة للمزيد من التعاون مع قوى التحالف المضاد للارهاب ، الأمر الذي سيمكن العراق إلى جانب تقنيات أخرى من مكافحة حاسمة لخلايا الإرهاب الداعشي وعصابات الجريمة المنظمة.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 21-12-2020     عدد القراء :  1182       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced