على مدى عقود وضعت المرأة العراقية في اطر نمطية وتقليدية بحكم السياسة السائدة في ظل نظام دكتاتوري بالإضافة للموروث من عادات وتقاليد اجتماعية مركبة، وازداد وضع النساء سوءا في سنوات الحصار الاقتصادي، وتفاقمت ازماتهن بعد التغيير في 2003، حيث فقدت المرأة مقومات العيش بأمان بسبب فقد المعيل ورب الاسرة والاخ والسند (الوالد) نتيجة حروب وصراعات طائفية وسلاح منفلت وقتال جماعات ارهابية وداعشية وضعت النساء في أسوأ الاوضاع حتى صارت مشروعا لأبشع مظاهر العنف من السبي والاتجار والاغتصاب والقتل.
والاخطر هو النهج السياسي الذي ساهم بتنميط مشاركة المرأة وتهميش دورها السياسي واقصاء مبادرات النساء التي تجعلهن يلعبن دورا رياديا داخل جلسات التفاوض ورسم السياسات التي من شأنها ان تعالج الكثير من القضايا ذات الاولوية ومنها ملف المرأة.
في تشرين 2019 حطمت المرأة العراقية هذا الإطار وكسرت حواجز الخوف من العادات والتقاليد وواجهت كل التحديات بصلابة لتكون مثالا يحتذى به في تظاهرات تشرين، وكانت الملهمة والقلب النابض للحراك التشريني وشعارا لسلمية التظاهرات التي تعرضت لأشرس مظاهر القمع مخلفة مئات الشهداء والآلاف من الجرحى واعداد ليست قليلة من المغيبين وممن تعرضن للتهديد والخطف والقتل.
تشرين غيرت الكثير من المفاهيم والقيم المغلوطة وبدأت مواقع التواصل الاجتماعي والاناشيد والاشعار تتغنى بدور المرأة العراقية ومساهمتها الكبيرة كمسعفة وصيادة دخانيات وراصدة اعلامية ومدافعة عن حقوق الانسان، واسوار سلام لحماية المتظاهرين من القمع والعناصر المندسة، ورسمت صورهن على جدران نفق السعدون وحيطان المطعم التركي والتشيرتات والرمزيات الملصقة افتخارا بوجودهن المفعم بالنضال وتكريما لأدوراهن وتضحياتهن من أجل وطن آمن خال من المحاصصة والارهاب.
في ذكرى تشرين الثالثة تواصل النساء العراقيات نضالهن ومطالبهن ببناء دولة مؤسسات بعيدة عن نهج المحاصصة خالية من الفاسدين والمخربين والقتلة، وبيئة مستقرة لا يوجد فيها سلاح منفلت ولا عصابات جريمة، دولة قائمة على اساس العدالة والمواطنة واحترام القانون وحرية التعبير، تكون فيه حقوق الانسان مصانة بلا عنف أو تمييز.