بيان المفوضية المستقلة للانتخابات الذي أعلنت فيه عن التحالفات السياسية لانتخابات مجالس المحافظات 2023، يوفر يقينا لا يدحض بان هذا العدد المفرط من الأحزاب، يكمن وراءه دهاء طغمة الحكم الخبيثة. فهذا الاكثار من أحزاب الظل، التي يحمل اغلبها أسماء وصفات الديمقراطية والمدنية والتغيير والاصلاح وما شابهها، يختفي خلفه توجّه من جانب طغمة الحكم، للامتداد على مساحة القوى التي تعارض نهجها وتتصدى للفساد، والاستحواذ بهذه الطريقة الخبيثة على أصوات ناخبين معارضين لها أصلا. وهذا اذا حدثت مشاركة واسعة في الانتخابات، اما اذا أدى الافراط في عدد الأحزاب، بجانب عوامل أخرى، الى عزوف ومقاطعة الناخبين، فستكون أحزاب السلطة هي المستفيد أيضا، لان بعضها يمتلك قوى تصويتة ثابتة من الاتباع والمستفيدين والمرتبطين مصلحيا بطغمة الحكم.
ان من يطلع على بيان المفوضية يتيقن ان طريق العراقيين باتجاه الديمقراطية ليس سالكا، حيث سنشهد لا محال سرقة لاصوات الناخبين المعارضين لنهج أحزاب السلطة، وسيقع العديد من الناخبين المعارضين ضحايا لخداع أحزاب الظل، فمن الصعوبة بمكان ان يميز الناخب الحزب الذي يمثله في هذه الغابة من التحالفات (50 تحالفا انتخابيا)، ينتظم فيها 198 حزبا من مجموع 296 حزباً مجازاً. أما الأحزاب التي ستشارك منفردة فقد بلغ عددها 98 حزباً.
وان من غير الممكن تفسير ذلك الا باعتباره عراقيل، توضع عن قصد امام الأحزاب المعارضة وحقها في التمثيل التشريعي بما يتناسب مع التأييد الشعبي لها.
ما تقدم يؤكد ان المطبات والعثرات والمنعطفات الحادة لا تزال تعترض طريق التحول الديمقراطي. فنظام المحاصصة الطائفية حلّ محل نظام الحزب الواحد، واذا كان هذا قد منع التعددية الحزبية وأعاق التطور السياسي الطبيعي في البلد وعطّل تنميته، فان منهج الطائفية السياسية قد اغلق منافذ العمل الحزبي الحقيقي.
كما ان نظام الحزب الواحد اذا كان قد دفع المواطنين الى كراهية العمل الحزبي، فان نظام المحاصصة جعلهم يكفرون بالأحزاب السياسية ذاتها.
واذا كان نظام الحزب الواحد قد احتكر العمل الحزبي، مستخدما القمع والاعتقال والتعذيب والتغييب وفرض التعهدات باسالب بشعة، استنادا الى قرارات تعسفية صارمة يصدرها (مجلس قيادة الثورة المنحل) بحق كل من يحاول ممارسة العمل الحزبي، فان نظام المحاصصة قد تبنى هذا المسار واحتكر العمل الحزبي، لكن بدلا من ان يقيده بقوانين وقرارات تمنع المواطن من الانخراط بالعمل الحزبي، عمد الى الافراط في تأسيس أحزاب ظل له، هدفها اغراق الساحة السياسية بأحزاب لا معنى لها ولا مضمون ولا برنامج ولا منهج، بل مجرد تشويه العمل الحزبي، وتشتيت تركيز المواطنين على اختيار أحزاب بديلة لأحزاب السلطة، لكن بطريقة أخرى.
من الواضح اذن ان تبشيع العمل الحزبي لا يجري بعفوية، وبوسع المتابع رصد القصدية الواضحة لجعل الناس ينفرون من الأحزاب السياسية، والعمل المتعمد على تشويه دورهذه الاحزاب وتحويلها الى بوابة للارتزاق وتنظيم الاستزلام، بتمويل من قلعة المحاصصة الحصينة بمال الفساد السياسي.
وليس امام القوى المدنية البديلة المناهضة لنهج المحاصصة والفساد، الا المزيد من النشاط والتواصل المباشر مع المواطنين، وكشف الحقائق لهم، وفضح أحزاب الظل وكشف خطط طغمة الحكم لاستخدامها في احباط جهود التغيير، الذي تتطلع اليه أوسع جماهير الشعب.