أكثر ما يدعو الى السخرية المرة، هو تعويل البعض على اسقاط النظام السياسي القائم وتغييره عبر حرب جديدة على العراق وإعادة احتلاله. والمؤسف هو استمرار تداول هذه الاطروحة والتفاعل معها، وكأنها حقيقة واقعة، وقد تبنى ذلك العديد من مبتدئي التعاطي السياسي، والمصابين بالعجز الفكري والاتكال الكفاحي والمحبطين. وقد وصلت السطحية والابتذال عند بعضهم حد الإصرار على التصريحات ذات الصلة، مؤكدين توقيتات وقوع التدخل العسكري وما يعلن عن جدوله الزمني، وكأنهم أعضاء في البنتاغون.
تهافت هذا الرأي يقوم على عدم ادراك أن نظام المحاصصة الحالي، هو نتيجة للعدوان على العراق واحتلاله، ولم يجنِ الشعب العراقي من هذا التغيير عبر الحرب والاحتلال سوى تسلط طغمة حكم زرعت الفرقة والانقسام بين العراقيين، واعتمدت الطائفية السياسية منهجا للحكم، ونهبت الأموال العامة. هذا ما ذاقه الشعب من النهابين، فأي نهابين جدد سيسلطهم العدوان الجديد على العراق واحتلاله مرة أخرى ليحتكروا الحكم، كما يتوهم المحبطون الغارقون بأحلام العصافير .
يبدو ان قدرنا يدعونا الى التصدي للمتطلعين الى الحرب على العراق باسم المعارضة، والذين بأطروحاتهم الذليلة هذه يشيعون اليأس من أي تغيير، يمكن له ان يحدث بقدرة شعبنا وقواه. وقدرنا يتطلب إعادة التذكير بأفكارنا ومواقفنا وسياساتنا نحن الشيوعيين، التي وقفت بالضد من مواقف اغلبية المعارضة العراقية، حين تبنت المشروع الخارجي وهلّلت للحصار الاقتصادي الظالم على الشعب العراقي، واستبشرت بالحرب على العراق وزيّنتها، ونظمت مؤتمرات فينا ولندن وصلاح الدين على طريق اندلاعها، بدعم ورعاية أمريكية. تلك المؤتمرات التي تأسست فيها المحاصصة، بالاستناد على موضوعة المكونات بدلا عن المواطنة. وكان صوتنا، كحزب شيوعي عراقي، متفردا في تبيان “ان الحرب والاحتلال ليسا هما الطريق الناجع لإحلال الديمقراطية في العراق، وان مهمة تغيير النظام ممكنة بوحدة المعارضة العراقية، واساسها المعارضة الشعبية المتنامية في الداخل”.
ونحن إذ نقرأ ونتفحص المعطيات على الأرض والوقائع وتفاصيل الصراع وتداخله، نستبعد جدا إمكانية شن حرب على العراق اليوم واسقاط النظام القائم. ولا نبصر مصلحة لواشنطن في تغيير النظام، ما دامت طغمة الحكم التي سلطتها على العراق عبر المحاصصة الطائفية ومنهجها المقيت، قد لبت متطلبات واشنطن في المنطقة، حيث قواعدها العسكرية وتمركزها في العراق، وحيث تحشيدها وجحفلتها المزيد من القوات في أي وقت ترغب، وقيامها بمناورات عسكرية واستعراضات لقواتها، التي لا رأي للحكومة العراقية في أعدادها وساحات انتشارها. كذلك انبطاح طغمة الحكم امام وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، هذه المؤسسات التي هي ركائز الامبريالية الامريكية، واذرعها المالية والاقتصادية ووسائلها الاحتكارية، التي تمثل مصالح رأس المال المالي وامتداداته العابرة للحدود الوطنية. لهذا وكما تشير الوقائع، فان طغمة حكم تنفذ بدقة مصالح خارجية على حساب المصالح الوطنية، ومن غير المعقول ان تقوم واشنطن بتغيير حكم موالٍ لها.
لم تشن واشنطن حربها في 2003 وتغير النظام الدكتاتوري من اجل سواد عيون الشعب العراقي. وهي من قام بتهميش ممثلي الإرادة الوطنية الحقيقية واستبعادهم من القرار السياسي، وتسليم الحكم على طبق من ذهب الى الطائفية السياسية، التي أمسكت السلطة بقبضةِ تسلط، واستمرت في إعادة انتاج نفسها عبر انتخابات مشكوك بنزاهتنا، وقد فُصّلت القوانين الانتخابية على مقاساتها.
اذا كان النظام الدكتاتوري السابق قد سلب إرادة الشعب العراقي بأفعاله الشنيعة وجرائمه المدانة وحروبه العدوانية وظلمه وتعسفه واستبداده، هذه الأفعال البشعة التي تختزنها الذاكرة العراقية، والتي جعلت العراقيين لا يأسفون على إسقاطه، وهم الذين لم يستقبلوا المحتلين بالزهور، فان جيلا من شباب العراق الواعد يمتلك كل القدرة للتصدي سلميا وببسالة لطغمة الحكم ولازاحتها، وسوف لا يترحم على مصيرها المحتوم.
وقطعا ستكون دروس انتفاضة تشرين الباسلة ماثلة امامه، وهي الانتفاضة الجبارة التي ارعبت الفاسدين، وتحملت إرهاب الدولة بنحو مباشر وبالوكالة، وقدمت تضحيات جساما، بقى المجتمع الدولي يتفرج على قمعها والفتك بها، دون ان ينبس بكلمة تضامن حتى.
ان التغيير لا يحتاج الى حرب دامية، ولا الى احتلال آخر، بل الى تكرار الثورة السلمية الشعبية العارمة، القادرة على اطاحة حيتان الفساد، الجاثمة على صدور العراقيين، والناهبين لثروات العراق، والواضعينه تحت رحمة الخارج.