العيد والنشيد
بقلم : د. إبراهيم إسماعيل
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يُّشترط في اليوم الوطني لأية دولة، أن يحقق وحدة شعبها ويمثل هويته الجامعة، وأن يكون مرتبطاً بثقافته وتطلعه للتقدم، وحافزاً لتعزيز مشاعر الولاء والإنتماء والتمسك بقيم التحرر ومقاومة التخلف والعنف. ولهذا تبحث الشعوب عن مناسبة ما، نابضة في ذاكرة الناس، فتخضعها لحوار شعبي عام، ثم تصّوت على تاريخها، يوماً وطنياً للبلاد.

غير أننا نبدو في العراق، مختلفين، حيث “احتفت” الحكومة في الأسبوع الماضي بالثالث من تشرين الأول، عيداً وطنيا، رغم الرفض السياسي الواسع والإهمال الشعبي الكبير لذلك، واللذين جاءا، نتاجاً لأسباب عديدة، من أبرزها غياب أي حوار مجتمعي حرّ وشامل، يسبق عادة تحديد اليوم الوطني، واكتفاء المتنفذين بقناعتهم لوحدهم بهذا الخيار.

كما جاء الإهمال تعبيراً عن غضب الناس، من اختيار يوم، كان وراء استمرار عبودية بلادهم لما يقارب من عقود ثلاثة، لأنه شهد فشلاً في تحقيق الاستقلال السياسي، وأحل أغلال معاهدة 1930 محل صك الإنتداب البريطاني، والتي حرّمت على العراق إقامة أية علاقة مع الآخرين بدون موافقة لندن، وألزمته بدخول الحرب لجانبها (المادتان 2 و4) وحماية قواتها المقيمة بقواعد ثابتة على أراضيه، مانحة تلك القوات حق صيانة الأمن الداخلي كما تشاء (المادة 5 وملحق المعاهدة). وكذلك جراء ما شهده ذلك اليوم من فشل في نيل الاستقلال الاقتصادي، حين تم منح المستعمرين حق التصرف بثروات البلاد، وخاصة النفط، وهو ما لم يكن متاحاً عبر الإنتداب. وأخيراً جاء الإهمال تعبيراً عن حزن الناس من اختيار يوم، أشرعت فيه ابواب القمع، فيما ارتكب بعده من مجازر ضد الآثوريين (1933) والكرد (1942) والإيزيديين (1935) وأهالي الفرات الأوسط (1935- 1937) وفلاحي الجنوب (1946).

إن أمراً دبّر بليل، لا يمكن أن يستقر في وجدان الناس، مما يتطلب فتح حوار عام وشامل، لإختيار يوم وطني في استفتاء شعبي عام، ليكون عيداً جديراً بالعراق، وأن يُّحتفى به بكرنفالات ذات هدف ومعنى، مغايرة لما جرى، رغم أني لا اتفق بالتأكيد، مع من رفض الذي جرى، كرهاً بالفن والفرح وضوء النهار.

بقي أن اشير إلى أن متابعة الجدل الذي جرى حول الحفل المذكور، ووقوع أخطاء في أداء النشيد الوطني، قد دفع بالكثيرين للتساؤل عن السبب في بقاء البلاد بدون نشيد واضطرار حكوماتها لإستعارة واحد من الأحبة الفلسطينيين، كي تستخدمه، بعد أن أخفق المتنفذون، ومنذ تموز 2013، في الإتفاق على نشيد وطني، إذ لم يجدوا قصيدة تلبي تحاصصهم، ولم يجدوا شاعراً يحترم ابداعه، بقادر على كتابة قصيدة تشبه نظام المحاصصة.

ورغم ان النشيد المستورد (ككل شيء في أسواقنا) لا يلبي الهدف منه، بسبب خلوه من الخصوصية العراقية، وضعف علاقته بتراثنا وثقافتنا وعجزه عن بث البهجة أو تنمية الحماس وحبّ الوطن والاعتزاز بالقيم، فإنه أنقذ المتنفذين من حيرتهم، وكفاهم شر الخلاف، لاسيما وأن عراقنا قد اعتاد على استيراد أناشيده من الخارج، فلم يكن عراقياً، من خمسة اناشيد وطنية سابقة، سوى نشيد جمهورية 14 تموز، الذي وضعه الموسيقار العراقي لويس زنبقة!

وبالمناسبة، تذكرت وأنا اتابع هذا الجدل، ما قام به الفنان التشكيلي حافظ الدروبي، أثناء مهرجان الكشافة العالمي، برلين العام 1936، حين أنقذ وفدنا، الذي لم يكن يعرف للنشيد الملكي كلمات، إذ كان لحناً فقط وضعه ضابط انكليزي، فقام بترديد ترنيمة اطفال تقول (بلي يبلبول .. بلي. ما شفت عصفور .. بلي. ينقر بالطاسة .. بلي) فأطرب كثيراً جمهور الملعب، وكل نشيد وانتم بخير!

 طريق الشعب 09 تشرين1/أكتوير 2023 

  كتب بتأريخ :  الإثنين 09-10-2023     عدد القراء :  579       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced