أفرز العدوان الاسرائيلي على غزة عددا من الامور على الجبهة الفكرية، فرضت حضورها كأولويات تتطلب التتبع والتقصي والمعالجة النظرية والكفاح الفكري في آن. من بين ذلك موضوعة حقوق الإنسان، حيث ظهرت المعايير المزدوجة في تعامل حكومات اليمين واليمين المتطرف في الغرب مع اهم حق للإنسان، وهو حقه في الحياة الذي لا يمكن المساومة عليه.
وقد ارتفعت أصوات شجب واستنكار قادة اليمين الغربي للعملية العسكرية التي نفذتها قوات مقاومة الاحتلال يوم 7 تشرين الأول الماضي، وسقوط عدد من القتلى والأسرى المستوطنين في الأراضي الفلسطينية بغلاف غزة، هذه الأصوات التي لم نسمع منها حتى همسا حينما اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة، واوغلت في قتل الأطفال والنساء حتى تجاوز عدد الشهداء 15 الفا، في عمليات إبادة وحشية بأساليب فاشية مدانة.
لا تفسير مقبولا لما شهده العالم من مواقف مخزية أتخذها زعماء اليمين الغربي، غير النزعة العنصرية التي لا يمكن فصلها عن جذرها الطبقي والمصالح الطبقية، وتلك هي قيمهم، قيم التربح على حساب حياة الانسان وأمنه.
لم يتمكن اعلامهم المداهن، بكل امكانياته وتقنياته وفنونه وادعائه الاستقلالية والمهنية والحياد، من تبرير سياسية الكيل بمكيالين التي ينتهجونها، ولم ينجح في تغيير واقع انحيازهم للباطل، حيث طغت عنصريتهم على قيم العدل والانصاف، وهيمنت مصالحهم على القضايا الحقوقية والقانونية السامية، التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما بان زيف ادعائهم التمسك بالمواثيق والاتفاقيات الدولية، التي تساوي بين البشر دون النظر الى الجنس أو اللون أو الدين أو العرق.
وكان الاستهجان والاستنكار هما رد الفعل الفوري لدى حماة حقوق الإنسان الصادقين في مبادئهم، وهم يكتشفون زيف مواقف قادة اليمين الغربي الامبريالي. والامثلة لا حصر لها، ولعل اكثرها صفاقة موقف رئيسة المفوضية الاوربية اورسولا فون ديرلاين، وهي تقول قبل أسابيع في تل أبيب: نقدّم دعماً غير مشروط لإسرائيل من أجل الدفاع عن نفسها! وذلك حينما ظهرت على الشاشة معتمرة خوذة بين قادة إسرائيليين. لكنها صمتت صمت القبور امام توحش جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو يمعن في قتل الأطفال الفلسطينيين. علما انها هي ذاتها التي سبق ان اتهمت روسيا بقتل الأطفال وتفجير المدارس والمستشفيات والبنى التحتية، ودعت دول العالم إلى مواجهة ما سمته في حينه “الإجرام الروسي”.