اثار المسلسل الدرامي الفلسطيني “قبضة الأحرار”، الذي سبق عرضه في أواسط عام 2022، أثار هذه الأيام جدلا واسعا وسط المحتلين الإسرائيليين، الذين حمّلوا أجهزة أمنهم (الموساد، شاباك، أمان) مسؤولية عدم استشعار الخطر. فالمسلسل يتطرق إلى بعض تفاصيل خطة معركة “طوفان الأقصى” قبل حدوثها. اما الجدل فيدور حول عدم اكتراث مخابراتهم بالخطة المعدة للهجوم على غلاف غزة، وقد اظهره المسلسل الفلسطيني وكأنه اعلان مسبق لخطة طوفان الأقصى. وهذا ما عكس تقصير قوات الاحتلال في مهمتها، وعدم التزامها الحيطة والحذر، فلم تتخذ الإجراءات الكفيلة بإحباط نوايا المقاومين الفلسطينيين، ومنعهم من تنفيذ خطتهم التي ورد بعض تفاصيلها في مشاهد المسلسل. وما زاد من سعير النقاش بين المحتلين، هو الحفل التكريمي الذي سبق وحضره يحيى السنوار، واطراؤه المسلسل بالقول ان “العمل الفني لا ينفك ولا ينفصل أبدا عن إعداد كتائب القسام واستخباراتها ومجالات عملها المختلفة”، واصفا المسلسل بـ”الجهد الجبار” وموجها كلامه الى الفنانين قائلا: “كنتم فوق الخيال”.
وتحوّل الخيال الفني الإبداعي الى واقعه جريئة، بيّنت الروح الثورية للمقاومين وبسالتهم فجر 7 أكتوبر، حيث هزت عمليتهم الجسورة إسرائيل، ومرّغت صورة الموساد “الذي يعرف كل شيء” بالوحل، وحوّلت مقولة “الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر” الى مسخرة، وهي المقولة التي اريد ترسيخها في الأذهان كحقيقة مطلقة، قابلها منظرٌ مخزٍ لجنرالات أسرى يجرّون اذيال الخيبة، ويسكنهم الخذلان بالنظر بعد عجز اقرانهم عن انقاذهم من قبضة المقاومين، فيما تلطخت سمعة حكومة نتنياهو، التي لم تعد قادرة على غير التوحش والامعان في قتل أطفال غزة ونسائها.
وقد نجح مسلسل “قبضة الأحرار” دراميا رغم شحة الإمكانيات المادية والفنية، وتحققت رسالته المعنوية، وبات تأثيره اليوم واضحا على معنويات المحتلين، وقدرته على عرض قوة الحق، مستثمرا العمليات النوعية للمقاومة، بضمنها الجهد الاستخباراتي الفلسطيني الذي نجح في إفشال عملية “سييرت متكال”، وهي خلية مخابراتية من إسرائيليين مستعربين تنكروا في لباس فلسطيني في أواسط عام 2018، وتسللوا إلى غزة للتجسس على فصائل المقاومة، بالإضافة إلى أحداث متعددة من معركة “سيف القدس” في الفترة من 10 إلى 21 آيار 2021.
وإدراكا لمدى تأثير الدراما على وعي الجمهور، وضمن جهد التصدي للاغتيال المعنوي، قدم “قبضة الأحرار” رواية حقيقية ومغايرة لمسلسل “فوضى” الإسرائيلي، وكشف الزيف والتضليل الإسرائيليين ضد ابطال المقاومة الفلسطينية، عبر فبركة الإشاعات وحملات التسقيط وتشويه القيم الوطنية والأخلاق الشخصية للمقاومين. وقد فشل مسلسل “فوضى” رغم اغداق الاموال على إنتاجه، والدعم الباذخ من جهات دولية عديدة على تسويقه وعرضه على منصة “نتفليكس”، نظرا لانكشاف كذب أحداثه وتزييفه للوقائع، ومبالغته “السوبرمانية” في تصوير مغامرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ونجاحها في اختراق المجتمع الفلسطيني، وتجنديها العملاء، وتنفيذها عمليات ضد فصائل المقاومة، في محاولة بائسة تقوم على الكذب واختلاق الاحداث.
ومما يُسرّ المتعاطفين مع شعب فلسطين ان معنويات المستوطنين تدهورت، وتبددت ثقتهم بقادة الاحتلال الذين عجزوا رغم وحشية اجتياحهم لغزة، عن تحقيق هدف بسيط من أهداف العدوان. ويلاحظ تشظي الرأي العام الإسرائيلي، حيث تتصاعد نسبة السخط على حكومة مجرم الحرب نتيناهو، الذي لم يبق لديه سوى التوسل بحلفائه في الحكومة كي يبقوا موحدين، واستجداء معارضيه كي يوقفوا تصعيد نقدهم لفشله في إدارة المعركة.
يقابل ذلك الصمود الأسطوري المذهل لشعب غزة الباسلة، رغم وقوع آلاف الضحايا بالأرواح والمباني والممتلكات يوميا. حيث لم تسمع كلمة جزع او تردد في اسناد المقاومة، بل توحد الرأي العام الفلسطيني حول حق شعبه المشروع في مقاومة المحتل بكل الوسائل والسبل المتاحة، من اجل تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.