امام السكوت المخجل للأنظمة السياسية في العالم على العدوان الفاشي ضد شعب يكافح من اجل حريته، ويواجه في نضاله لانهاء أقدم وآخر احتلال في التاريخ، التوحش والتفنن في الاجرام والقتل والتهجير والاعتقال. امام فشل الأنظمة في إلزام إسرائيل بوقف بربريتها. امام الفيتو الأمريكي الظالم في مجلس الامن الدولي. امام عجز الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الزام إسرائيل بوقف اطلاق النار. امام قصف جيش الاحتلال للبيوت الامنة، واجتياحه للمستشفيات. امام الامعان في قتل أطفال غزة. امام بطش آلة الدمار الإسرائيلية وارهابها الدموي. امام شحة الماء وغياب الدواء. امام ندرة الخبز لشعب يتعرض للقتل على مدار الساعة ..
امام كل ذلك ومعه مرارة خذلان الأنظمة العربية، التي تكتفي بالتفرج على المذبحة عبر شاشات التلفزيون. امام عودة الفاشية والنازية والعنصرية في ابشع اساليبها. امام كل ازمة الضمير الإنساني في مواجهة الامعان في قتل الأطفال، يقف الشعب الفلسطيني صابرا صامدا يجترح المعجزات في صموده وتصديه الباسل الذي اذهل العام، ويفشل خطط الاحتلال بتهجير ابناءغزة الى سيناء او الى صحراء الرمادي، ويضع حكومة نتنياهو امام الفشل لعجزها عن العثور على اسير واحد، وعن التمكن من قيادي واحد في المقاومة.
لا عجب في ذلك، فهو شعب الجبارين.. “شعب الجبارين” هذه اللازمة التي كان يطيب للرئيس الراحل ياسر عرفات ان يرددها، فيما كان البعض يسخر منها ويعتبرها بلا معنى، خاصة في اوقات الانكسارات والتراجعات، فيما عرفات في مقره برام الله، وكأنه في سجن كبير معزول عن العالم.
“شعب الجبارين” هو المعنى الذي جسد قدرة الشعب الفلسطيني العجيبة على تحمل الجوع والعطش من اجل الحرية والظفر بالنصر، في معركة غير متكافئة في الأسلحة والمعدات والامكانيات العسكرية التقليدية.
“شعب الجبارين” برهن ان إرادة التحرير هي السلاح الفاعل الذي أفشل حتى الان التوحش والتجبر الإسرائيليين، الشعب الذي قدم معنى جديداً للمقاومة التي تلوح بوادر انتصارها. وقد بدأت أصوات قادة إسرائيل تشير في تصريحاتهم الى مأزق جدي يواجهونه وانكسار ارادتهم، رغم امكانياتهم العسكرية وقوة زخم هجومهم. اما كبار ضباطهم فكل من اجتاح غزة له قصته، هذا الرائد “ميكي شربيط”، وهو على سريره في المستشفى جراء إصابته بجروح جعلته معاقا، يصف حربهم على غزة بأنها “حرب أشباح لا نرى فيها مقاتلين بالعين المجردة، لكنهم سرعان ما يندفعون صوبنا من باطن الأرض. كنا نتحرك في الشوارع ونحن ندرك أن هناك تحتنا مدينة خفية تعج بالشياطين”.
لم يدرك هذا العقيد مثلما غاب الادراك عن غيره، انهم ليسوا بأشباح ولا شياطين، انما هم “شعب الجبارين” الذي لا يقهر ولا يهزم ولا يستسلم، مع انه في هذه المواجهة وحيد دون سند، صامد لا يركع.
في هذه اللحظات اتذكر الشاعر الراحل توفيق زياد واردد معه:
اناديكم..
واشد على اياديكم..
وأبوس الأرض تحت نعالكم
وأقول افديكم!