قال علماء السياسة: كي تفهم طبيعة دولة ما، عليك الارتكاز الى نقطة فهمها وهي سيادتها على ارضها وجوها ومياهها الاقليمية، باعتبار السيادة هي السلطة الكُلية الآمرة. ومما يؤسف له ان مفهوم (السيادة) في العراق تعرض الى سخرية مرة، حيث تواترت الانتهاكات العسكرية المدانة، التي نفذتها أطراف يفترض انها ترتبط بأفضل علاقات الصداقة والتعاون مع العراق، ولها معه مصالح مشتركة، ومنها من وقع وإياه معاهدات ومواثيق امنية واقتصادية.
فقد شهدنا عدوانا صاروخيا إيرانيا استهدف مدينة أربيل و”أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين الأبرياء وإصابة آخرين وتسبب بأضرار في الممتلكات العامة والخاصة” حسب نص رسالتين وجهتهما وزارة الخارجية العراقية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الامن الدولي. وفيهما أكدت “أن هذا العدوان يُعد انتهاكا صارخا لسيادة العراق وسلامته الإقليمية ولأمن الشعب العراقي”.
وقبل بأيام استهدفت طائرة مسيرة مقر الدعم اللوجيستي للحشد الشعبي في شارع فلسطين شرقي بغداد. كما شهدت الأيام الأخيرة قصفا تركيا لمناطق في كردستان العراق، موجهة ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني. حيث قال الرئيس التركي اردوغان “إن أنقرة لن تسمح لأي “كيان إرهابي” بالوجود في شمال العراق وسوريا مهما كان الثمن”. ونجد هذه الصياغة تتكرر في بيان حرس الثورة الإيراني الذي قال إنه استهدف “مقرا للموساد رئيسيا يجري فيه تطوير وإطلاق عمليات التجسس وتخطيط الأنشطة الإرهابية في المنطقة لاسيما ضد إيران”.
وجاء البيان الأمريكي ليقول بوضوح ان العراق بالنسبة لهم ساحة لتصفية الحسابات مع ايران، حيث بيّن بيان وزارة الدفاع الأمريكية “ان الضربات كانت ردا مباشرا على الهجمات على القوات الأمريكية وقوات التحالف، من قبل إيران والجماعات المدعومة من طهران”.
هكذا اذن تجري الانتهاكات السافرة، دون رادع، وسرعان ما تعلن الدولة المعتدية مسؤوليتها بلغة صلفة، وكأن العراق مستباح لواشنطن وطهران وانقرة. فيما لم نشهد موقفا رسميا يتناسب مع مستوى ووتيرة الاعتداءات، التي لا يبدو انها ستتوقف عند حد ومكان، ما لم ترتق مواقف الحكومة الى الحد الأدنى لما تقوم به دولة مستقلة ذات سيادة.
طغمة الحكم التي لا يهمها سوى مصالحها هي المسؤولة الأساسية عما وصل اليه وضع العراق كدولة منتهكة السيادة، عاجزة عن حماية حدودها والذود عن سمائها. وعندما تتعرض سيادة العراق كل هذه السخرية، فمعنى ذلك انها وهي غير قابلة للانقسام والتجزئة، أصبحت “شذر مذر” كما يقول المثل الشعبي العراقي.
عندما نتصفح تاريخ بلادنا المعاصر، نكتشف بقليل من الجهد ان العراق لم يكن يوما الى هذا الحد من الضعف والهوان والانقسام، والفضل! في ذلك يرجع الى الطغمة المتسلطة المستأثرة بالحكم، والتي أبلت أحسن البلاء في نشر الفساد المالي والإداري، وفي جعل الشعب يتضور جورا وفقرا.