عادت مجددا الوقفات الاحتجاجية المطالبة بفرص العمل بوتيرة لافتة، رغم ان اعلام طغمة الحكم يتجاهلها. فإغماض العين عنها لا يعني عدم وجودها، وانما هو مجرد محاولة لإنكارها، كونها تذكّر المتنفذين باستحقاق الكرامة الذي يتطلع اليه الشعب.
والمتنفذون لا يرغبون طبعا بسماع أي مطلب يخص المواطنين، وهُم لا هَمّ لهم سوى الاحتفاظ بالسلطة والانتفاع منها. كما انهم لا يدركون خطورة تداعيات البطالة واستفحالها في أوساط الشباب، غارقين في وهم سيطرتهم على السلطة دون معارضة تهز عروشهم، بعد ان احكموا قبضتهم عليها وبعد ان غابت ازعاجات المعارضة الرسمية لهم، فيما المعارضة الشعبية الجذرية تمر بنوع من الوهن.
وقد تناسى المتنفذون شبح الانتفاضة التي أرّقتهم، وصاروا لا يبصرون احتمال اندلاعها مجددا، لتقض مضاجعهم هذه المرة مع انتظام العاطلين عن العمل وكل من ينشدون العيش الكريم في سوح الكفاح، معلنين ثورتهم السلمية على سارقي مستقبلهم ومبددي آمالهم بعراق يضمن لهم العيش الكريم.
ويغرق المتنفذون في وهم الاطمئنان على كراسيهم في السلطة بعدما استمالوا الى جبهتهم بالترغيب عددا من الناشطين، وبعض الاعلاميين المحسوبين على ذوي الصدقية، وبعدما جندوا جيوشا الكترونية واغدقوا عليها من المال الحرام الفاسد، لتعمل على إخفاء قبحهم وتشويه حقيقة كل صوت يعارض نهجهم وسلوكهم ولصوصيتهم.
وتبقى المطالبة بفرص العمل حقا لا يمكن الالتفاف عليه، فالمطالب التي رفعها الكسبة والخريجون في تظاهرتهم امام مجلس محافظة واسط الاحد الماضي، مشروعة وتستوجب الاستجابة لها لا ان يتم تجاهلها. وهذا ينطبق على مطالب خريجي معاهد النفط، الذين تظاهر المئات منهم أمس الأول الثلاثاء أمام مقر وزارة النفط في بغداد، ولليوم الثاني على التوالي، مطالبين بالتعيين.
واذا كانت دوافع تجاهل اعلام طغمة الحكم للاحتجاجات وعدم تغطيتها معروفة، كما هو معروف ثمن سكوت "الناشطين" الذين اسكت مال الفساد ألسنتهم، فان التبريرات السقيمة التي طالما رددها مستشارو السطلة وكتبة خطاباتها، من قبيل ان الدولة لا تستطيع تشغيل الجميع في وزارتها، وان القطاع الخاص هو فضاء سوق العمل وبإمكانه استيعاب العاطلين، انما هو كلام حق يراد به باطل، او الاصح انه فكرة ناقصة لم يكتمل بناؤها. فليس عندنا حتى الآن سوق عمل يتصدره القطاع الخاص ويستطيع ان يستوعب العاطلين. ذلك ان اقتصادنا ريعي احادي كما هو معروف، وليست هناك رؤية اقتصادية بديلة ولا برنامج نهضوي حداثوي، بل غياب تام للتنمية والتطوير ولدعم الاقتصاد الحقيقي، واهمال تام لقطاع الصناعة، وعدم اكتراث بتدهور قطاع الزراعة، ما يعني قتل سوق العمل دونما رحمة.
والمفارقة ان المستشارين المخضرمين لا يطبقون استشاراتهم على أنفسهم، فهم متشبثون بالوظيفة الحكومية، ولا نجد أحدا منهم ومن أبنائهم وأتباع المتنفذين وأزلامهم من يعمل في القطاع الخاص. وبذلك غدت الوظيفة العامة حلالا لهم ولأبنائهم، وحراما على بقية ابناء الوطن.