اصبح البعد الطبقي لطغمة الحكم شديد الوضوح. لم تنجح محاولات اخفائه عن المجتمع، إذْ يرصده كل عقل ناقد يعتمد المنهج العلمي في تحليل أوضاع وانماط عيش الطبقات الاجتماعية وسلوكياتها. وقد افتضح السلوك المريب والاستفزازي للمتنفذين وهم يكتنزون أموالا طائلة، مصدرها امتيازات شرعنوها لمصلحتهم ومصلحة اتباعهم وازلامهم دون وجه حق، مستغلين هيمنتهم على السلطتين التشريعية والتنفيذية، عبر شرعية زائفة وانتخابات صاغوا قوانينها بأنفسهم لأجل تدوير وجودهم في السطات، ومن خلال ممارسات انتخابية طالما طُعن بنزاهتها، حتى اصبح الوصول الى المنصب الطريق الوحيد للنهب. ولعل الانباء التي ترددت عن سعي أعضاء مجلس محافظة بغداد لتخصيص أراضٍ لأنفسهم، هي آخر ما ابتكره هؤلاء «النهيبية» للاستحواذ على الأملاك العامة.
السلطة توفر، كما شهدنا ونشهد، شرعية وإن شكلية وزائفة يستغلها النهابون لتعظيم ثرائهم الحرام، وقد راكمت الطغمة ثروات هائلة من عمل غير منتج، ومن مصادر تتصاعد منها روائح الفساد والاستحواذ على المال العام بمختلف الطرق والأساليب. ومعلوم ان اشهرها بلغت المليارات، وسميت (سرقة القرن) عن جدارة، باعتبارها اكبر جريمة نهب في تاريخ العراق. حيث لم يفكر بمثلها أي حرامي حكم العراق واتيح له التلاعب بأموال الشعب، ابتداء من العهد الملكي مرورا بجنرالات الانقلابات العسكرية والحقبة الدكتاتورية، حتى تنفيذ هذه الجريمة الشنيعة في ظل حكومات تدعي التديّن والالتزام بالأخلاق وحفظ الأمانة.
وتكمن المفارقة في الصلافة التي جرت بها التغطية على هذه السرقة بمسرحية فاشلة، فيما اصبح المال المسروق ملكا شخصيا توزع بين اللصوص الطلقاء الذين لم يطلهم عقاب.
اما مصدر الثراء الآخر فهو الاستحواذ على الاملاك العامة، وضم الأراضي الواسعة وجعلها ملكية خاصة عبر الهيمنة وفرض الإرادة بقوة السلطة، التي وفرت للبعض امكانات الاعتداء حتى على الشارع العام وقضمه.
هذه الطبقة او الطغمة تتميز بكونها تشكيلة اجتماعية مشوهة، جراء توسع ثراؤها بشكل جنوني، عبر إشاعة اقتصاديات الفساد ومراكمة الأموال من مصادر مشبوهة غير منتجة. تشكيلة تكوّنت من رجال سلطة فاسدين، وأصحاب بنوك يضاربون بالعملة الصعبة، وسماسرة صفقات مشكوك فيها، وقادة عصابات ومافيات استهوتهم لعبة جني المال أيّا كانت الطريقة، ومعهم بعض كبار موظفي جهاز الدولة البيروقراطي التابعين للقوى المتنفذة، ومسؤولو اللجان الاقتصادية لأحزاب السلطة، ومهربو النفط، وكبار تجار المخدرات. وبذلك اكتمل تشكيل هذه الطبقة الاجتماعية فاحشة الثراء، متدنية الثقافة، رديئة القيم ووضيعة السلوك.
وقطعا لا تعبر هذه الطبقة عن طبيعة المجتمع العراقي، ولا يمكن لها ان تؤسس لنظام اجتماعي عادل، كما ان قيمها النفعية لا تشكل هوية مجتمعية تعكس التحضر والرقي. لكنها وضمن مسار الصراع الحضاري وديناميكيته، تحفّز الحالمين بالعدالة الاجتماعية والمتطلعين الى اقامة النظام الديمقراطي الحقيقي العادل، وتحضهم على مواصلة الكفاح والعمل المثمر من اجل التغيير، والعيش والتقدم تحت ظل التغيير وفي فضائه الرحب غير المحدود.