(حيثما تنتهي سلطة القانون يبدأ الطغيان)
بقلم : جاسم الحلفي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تعبر مقولة "الدولة بقوانينها" عن واقع ان وجود الدولة يعتمد أساسا على وجود مجموعة  القوانين التي تنظم حياة الأفراد والمؤسسات في اطارها. فالقوانين تشكل العمود الفقري للدولة، وبدونها يصعب تحقيق الاستقرار والعدالة والتنمية. والدولة تعتمد بشكل كبير على نظامها القانوني في ترتيب كافة نواحي الحياة، وفي ضمان حقوق مواطنيها وحرياتهم. وبذا تلعب القوانين دورًا حيويًا في بناء الدولة وتنظيم المجتمع.

لكن ما يجدر الإنتباه إليه هو مصلحة المشرّع في تشريع القوانين. فالتشريع لا يكون بالضرورة من اجل خدمة الصالح العام. ويكفي ان نرصد اتجاهات المشرّع في مجلس النواب العراقي لنلاحظ الاختلال واضحًا، حيث لا يراعِى في أغلب الحالات توافق المصلحة العامة ومعايير العدالة والمساواة. وهذا يؤدي إلى تفضيل غير منصف لفئات معينة على حساب أخرى. بينما تكمن غاية القوانين في الدولة الديمقراطية المفترضة في حماية حقوق الجميع، خاصة منهم الفئات الضعيفة. وهذا ما عبر عنه المهاتما غاندي بالقول ان "القانون الذي لا يحمي حقوق الأضعف قانون غير عادل".

وقد جسد مجلس النواب عدم عدالة تشريعه في عدد غير قليل من القوانين المهمة، منها مثلا قانون الانتخابات. واليوم يُطرح فيه موضوع تعديل قانون الأحوال الشخصية. وإذ لا تتسع المساحة هنا للتطرق الى عيوب هذا التعديل ومثالبه، فقد تكفي الاشارة الى أنه أدرج على جدول أعمال المجلس وتمت قراءته الأولى، وفقا لمساومة غير نزيهة مع أدعياء تمثيل الطائفة السنية الكريمة، ممن طرحوا مقترح قانون العفو العام، الذي يفترض ان الغاية منه هي العفو عن الأبرياء الذين اتهموا بالتعامل مع قوات الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابية. وكان جديرا بهم الدفاع عن كل من اتهم ظلم، وعدم العفو عن قتلة شعبنا من الإرهابيين.

ما اكثر ما صدعت طغمة الحكم رؤوسنا بالاقتصاص من (الدواعش) والمتعاونين معهم، وها هي اليوم تساوم على دماء الشهداء والضحايا من أجل تمرير تعديل تفوح منه رائحة طائفية، بينما أسهم قانون الأحوال الشخصية النافذ على امتداد عقود من السنين في تنظيم أحوال الأسرة العراقية، ولم يتقاطع مع أحكام المذاهب الإسلامية في اطار بناء الأسرة ورعاية الطفولة. حيث وفر هيكلًا تنظيميًا للمجتمع العراقي يتحدد فيه بوضوح تام ما هو مقبول وما هو غير مقبول، وأسهم في تجنب الفوضى والصراعات من خلال تأمين قواعد واضحة للسلوك.

ان مشروع قانون التعديل المطروح الذي تمت قراءته الأولى عبر المساومة البائسة المذكورة، يعتبر من القوانين التي تميّز بين المواطنين على أساس العرق والدين والجنس أوغيرها من المعايير، والتي يمكن أن تؤدي إلى تعميق الطائفية السياسية في المجتمع، وتزيد من حدة الانقسامات وتفاقم عدم المساواة وتضعف قيم المواطنة، مما يعيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي.

انه لمن الوهم ان نتوقع عدالة من طغمة مستبدة، استأثرت بالسلطة والمال وتفصلها عن الشعب فجوة طبقية لا تغيب عن الأبصار. وهذا يذكّر بالتعبير بالغ التكثيف للمفكر جان لوك عن أهمية وجود قوانين عادلة ونظام قانوني قوي لمنع الاستبداد، حين قال: "حيثما تنتهي سلطة القانون يبدأ الطغيان".

ويقينا ان لا سبيل لوقف هذا التدهور في واقعنا إلا بتغيير ميزان القوى لصالح قوى التغيير والإصلاح، والا بايجاد مظلة تجتمع تحتها القوى والتنظيمات المدنية بعيدًا عن الحساسيات، وتفعّل أنشطتها بعد اعادة تحليل الأوضاع.

بدون هذا يبقى المجتمع عرضة للمزيد من سيطرة القوانين المتخلفة، التي تكرس التمييز والظلم وتعيق التقدم.

#جاسم_الحلفي

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 07-08-2024     عدد القراء :  144       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced