تستمر السلطات في مواجهة الاحتجاجات الشبابية بالحلول القمعية، وأحدث مثال ما وقع يوم 16/9/2024 في البصرة والناصرية، متجاهلة أن القمع لن ينهي الحراك. قد يوقف الاحتجاجات مؤقتًا، لكنه في الواقع يزيد من نقمة الشباب على النظام السياسي، الذي فشل في تأمين أبسط حقوقهم في العمل والحياة الكريمة. هؤلاء الشباب الذين يعانون من البطالة المدمرة، يشعرون بتهميش الدولة لهم، وقد عجزت عن إيجاد حلول جذرية لمعاناتهم. فالاحتجاجات ليست فقط تعبيرًا عن غضب لحظي، بل هي انعكاس لسخط أعمق تجاه سياسات اقتصادية فاشلة ومؤسسات غير قادرة على تطمين احتياجات المواطنين.
التوجه الاقتصادي الذي تتبعه الدولة أثبت فشله بوضوح. فمنذ سنوات، تعتمد الدولة بشكل رئيسي على النفط لتأمين إيراداتها، ولتوظيف الأعداد المتزايدة من الشباب في القطاع الحكومي كحل مؤقت لأزمة البطالة. ولكن، كلما وفّرت فرص عمل في الدولة لشريحة معينة من الشباب، ظهرت شرائح أخرى تطالب بالمثل. هذه الحلقة المفرغة تزيد من تعقيد الأزمة بدلاً من حلها، مما يؤدي إلى حالة من الاختناق الاقتصادي والاجتماعي. ومع امتلاء مؤسسات الدولة بالموظفين وعدم وجود فرص حقيقية لمزيد من التوظيف، أصبح الوضع الاقتصادي أكثر تعقيدًا.
وما يزيد الطين بلة اعتماد ميزانية الدولة بشكل رئيسي على عائدات النفط. فإذا حدث أي انخفاض في أسعار النفط عالميا، فإن الدولة ستواجه أزمة في تأمين رواتب الموظفين، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. وهكذا بدلاً من الاستثمار في القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة، تتبنى الدولة حلولًا مؤقتة تعتمد على توزيع الثروة النفطية، وهو أمر غير مستدام ويجعل البلاد رهينة لتقلبات السوق العالمية.
إن دعم الصناعات الوطنية وتطوير القطاع الزراعي باستخدام التكنولوجيا الحديثة هو السبيل الوحيد لمواجهة أزمة البطالة بشكل حقيقي. ويجب أن تتبنى الدولة سياسة طويلة الأمد تهدف إلى تحسين الإنتاجية وخلق فرص عمل جديدة تساهم في تقليل الاعتماد على النفط. ويمكن لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة أن يفتح المجال أمام جيل جديد من الشباب لتأسيس مستقبلهم المهني، بعيدًا عن الاعتماد على القطاع الحكومي المشبع.
وفي ظل هذا الوضع، يمكن القول إن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة لم يكن فقط في سرقة الأموال والمشاريع، بل في هدر الإمكانيات الاقتصادية وتأخير التنمية المستدامة. و”سرقة القرن” ليست سوى جزء من مشكلة أكبر تتمثل في السياسات الاقتصادية الفاشلة التي أفسدت الاقتصاد وأدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية الشعب.
إن حل مشكلة البطالة وغيرها من المعضلات الاقتصادية – الاجتماعية لا يكمن في قمع الاحتجاجات أو في محاولة تسكين الأزمات بشكل مؤقت. فالدولة بحاجة إلى سياسات اقتصادية جريئة وشاملة تعيد بناء الثقة بين الشعب والنظام. وبدون إصلاح اقتصادي حقيقي وتوجه استراتيجي لدعم الصناعات الإنتاجية،لن يكون الانفجار الاجتماعي القادم بعيدًا، ولن تتمكن السلطات من السيطرة عليه بمجرد اللجوء إلى الحلول الأمنية.